باتت قرارات استقلال الطاقة في ليتوانيا إنجازًا يُحسب ضمن أبرز النجاحات الجيوسياسية في أوروبا، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا (عام 2022).
فقد بدأت البلاد إعادة تشكيل مستقبل قطاع الطاقة، مستندةً إلى مصادر متجددة وتعاون إقليمي ضخم.
وتعتمد إستراتيجية تحقيق استقلال الطاقة في ليتوانيا حتى عام 2050 على 4 دعائم أساسية، هي: أمن الطاقة، وتحقيق الحياد الكربوني، وبناء اقتصاد يعتمد على الكهرباء، وضمان أسعار عادلة للمستهلك.
ورغم التقدم المحرَز، ما تزال البلاد تعتمد على الوقود الأحفوري المستورد، خاصة في قطاع النقل -أحد أكثر القطاعات استهلاكًا للطاقة-، وتغطي جزءًا كبيرًا من الطلب على الكهرباء عبر الواردات.
وفي هذا السياق، أشار تقرير حديث -اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن)- إلى أن ضمان تحقيق استقلال الطاقة في ليتوانيا بحاجة إلى تسريع تعزيز كهربة القطاعات المختلفة وإزالة الكربون من قطاع النقل.
اتجاهات قطاع الكهرباء في ليتوانيا
برز ملف استقلال الطاقة في ليتوانيا مع نجاحها بمزامنة شبكتها الكهربائية مع أوروبا، والانفصال الكامل عن النظام الروسي.
كما تضاعف توليد الكهرباء من المصادر المتجددة بين عامي 2022 و2024، وأسهمت السياسات المواتية في زيادة تركيب الألواح الشمسية وتخزين الكهرباء على مستوى الشبكة.
بيد أن وتيرة التقدم في الطاقة المتجددة تبقى دون المستوى المطلوب لتحقيق أهداف 2030، وذلك على النحو التالي:
- 4.5 غيغاواط من طاقة الرياح البرية.
- 1.4 غيغاواط من الرياح البحرية.
- 4.1 غيغاواط من الطاقة الشمسية.
في الوقت نفسه، تخوض البلاد تحديًا يتمثل في تهيئة شبكة كهرباء تستوعب النمو السريع في الإنتاج والطلب، لذا بات من الضروري اعتماد نهج استباقي يعزز مرونة الشبكة، ويسرّع بناء شبكات النقل والتوزيع وتحديثها.
وبعيدًا عن استقلال الطاقة في ليتوانيا، تستهدف البلاد أن تصبح مصدرًا صافيًا للكهرباء بحلول عام 2030، والطاقة عمومًا بحلول 2050، بحسب التقرير الصادر عن وكالة الطاقة الدولية.
ولتحقيق هذه الأهداف، تراهن الحكومة على كهربة شاملة للاقتصاد، في وقت تتوقع فيه ارتفاع الطلب على الكهرباء بمقدار 6 أضعاف بحلول 2050، على أن يُخصَّص نصفه لإنتاج الهيدروجين من مصادر متجددة.

قطاع النقل في ليتوانيا وتحدياته
من جهة أخرى، كشف التقرير أن قطاع النقل في ليتوانيا يبقي عقبة رئيسة أمام تحقيق أهدافها، إذ يستهلك وحده نحو 40% من إجمالي الاستهلاك النهائي للطاقة، ويستحوذ على 75% من الطلب على النفط، ويسهم بثلث انبعاثات غازات الدفيئة.
وتُظهر الإحصاءات أن أسطول السيارات في البلاد من بين الأقدم والأقل كفاءة في الاتحاد الأوروبي، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
ورغم أن التحول نحو السيارات الكهربائية يُمثّل الخيار الأكثر واقعية لتقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري، فإن اعتماد ليتوانيا ما يزال ضعيفًا بسبب ارتفاع تكاليف الشراء، وانخفاض الضرائب على الوقود، إذ تعدّ من الدول القليلة في أوروبا التي لا تفرض ضرائب سنوية على ملكية السيارات، ما يقلّل من الحافز للتحول إلى وسائل نقل نظيفة.
وبحسب وكالة الطاقة الدولية، سيتطلب التحول تدخلًا سياسيًا يجمع بين الحوافز الموجهة، وتعزيز البنية التحتية، وتعديل القوانين، بالإضافة إلى تعزيز وسائل النقل العام وشبكات السكك الحديدية، كونها أداة لتحسين كفاءة النظام عمومًا.

قطاع المباني وأنظمة التدفئة
تخوض ليتوانيا سباقًا آخر لتحسين أداء المباني القديمة وتحديث أنظمة التدفئة المركزية، وفق التقرير، الذي اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة.
وتهدف الإستراتيجية الوطنية إلى خفض استهلاك الطاقة الأولية في المباني بنسبة 60% بحلول عام 2050، وهي خطة جذبت تمويلًا من الاتحاد الأوروبي ورؤوس أموال خاصة، لكن وتيرة التقدم بطيئة.
ولتجاوز هذا التحدي، تدعو الحكومة إلى اتّباع نهج جماعي في التجديد على مستوى الأحياء، وتسهيل آليات اتخاذ القرار في المباني السكنية، والاستفادة من وفورات الحجم لتقليل التكاليف.
وفي موازاة ذلك، تشهد شبكات التدفئة المركزية تحولًا كبيرًا من الغاز الطبيعي إلى الطاقة الحيوية المحلية، ما أدى إلى انخفاض في واردات الوقود الأحفوري والانبعاثات.
وبصفة عامة، أوصى تقرير وكالة الطاقة بضرورة:
- تسريع نشر طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
- مراقبة سوق الرياح البرية وتوفير بيئة استثمارية مستقرة لمشروعات الرياح البحرية، لا سيما بعد فشل مناقصة في 2024 بسبب غياب المستثمرين.
- إعادة تصميم نظام صافي القياس (Net Metering) ليكون أكثر مواءمة مع متطلبات الشبكة.
- التعاون الإقليمي يمكن أن يدعم سوق الكهرباء والهيدروجين، وتبادل الخبرات.
- تعزيز شبكات الربط مع الجيران لضمان تحقيق أمن الطاقة.
- دراسة إدخال المفاعلات النووية الصغيرة مستقبلًا.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصدر..