في تطور لافت يعكس حجم القلق الإقليمي من انفجار الوضع في الجنوب السوري، أعلن مسؤول إسرائيلي أن تل أبيب وافقت على السماح بدخول محدود للقوات الأمنية السورية إلى محافظة السويداء لمدة 48 ساعة، في خطوة تبدو استثنائية بالنظر إلى العلاقات العدائية التاريخية بين الجانبين. هذا القرار، الذي أُعلن عنه اليوم الجمعة على لسان مسؤول رفض الكشف عن هويته، يأتي في ظل تصاعد الاضطرابات داخل المحافظة ذات الأغلبية الدرزية، والتي باتت مسرحًا لتوتر متزايد بين فصائل محلية وعشائر بدوية، وسط تراجع ملحوظ في قبضة الدولة السورية على الأرض.
الموافقة الإسرائيلية تعكس حسابات معقدة، تتجاوز الاعتبارات العسكرية التقليدية. فالوضع في السويداء لم يعد شأناً داخليًا بحتًا، بل أصبح قضية أمن إقليمي تمس استقرار الحدود الشمالية لإسرائيل، خاصة في ظل احتمالات تمدد الصراع وتحوله إلى بؤرة مفتوحة أمام الفاعلين غير النظاميين. تل أبيب، التي لطالما حذرت من تمركز ميليشيات موالية لإيران أو خلايا متطرفة قرب حدودها، تبدو اليوم أكثر استعدادًا للتعامل براغماتية مع دمشق، طالما أن الخطوة تخدم استعادة قدر من السيطرة على الفوضى.
سيطرة الاحتلال
من جهة أخرى، يُظهر هذا التطور أن الدولة السورية، رغم كل ما تعلنه من سيادة، باتت تحتاج إلى ضوء أخضر خارجي للقيام بتحركات أمنية داخل أراضيها، وهو ما يكشف عن واقع بالغ الهشاشة في منظومة القرار السيادي. كما أن السماح المؤقت بإعادة انتشار القوات يسلط الضوء على فشل محاولات التهدئة المحلية، ويعزز من احتمالية العودة إلى الحلول الأمنية المباشرة، ولو تحت سقف زمني محدود.
قرار السماح هذا قد يكون نافذة صغيرة لإعادة فرض السيطرة، لكنه لا يحجب الصورة الأكبر، حيث تتجه السويداء بخطى متسارعة نحو سيناريو تفكك يشبه ما عرفته مناطق سورية أخرى، وسط تداخل سوري إسرائيلي درزي لا يخلو من مفارقات التاريخ والجغرافيا.