منذ سنوات طويلة يثار سؤال يبدو بسيطًا لكنه يتجاوز حدود العادة اليومية ليصل إلى ميدان الطب والصحة العامة: هل الأفضل أن نستحم في الصباح لنبدأ يومنا بنشاط، أم في المساء لننهيه بهدوء ونظافة؟
الإجابة ليست واحدة ولا قطعية، إذ تتقاطع فيها آراء الباحثين مع تفضيلات البشر وأنماط حياتهم، لتكشف في النهاية أن المسألة أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه للوهلة الأولى.
ما يقوله العلم
بحسب تقرير لموقع "بي بي سي فيوتشر" (BBC Future)، فإن اختيار توقيت الاستحمام ليس مجرد رفاهية، بل قد تكون له انعكاسات صحية مهمة ترتبط بالنوم، والمناعة، وحتى بمسببات الحساسية. فبينما يرى البعض أن الاستحمام الليلي يمنح الجسم إشارة بالاستعداد للراحة والنوم العميق، يعتقد آخرون أن الاستحمام الصباحي هو وسيلة ضرورية للتخلص من بقايا العرق والميكروبات المتراكمة أثناء الليل، ما يجعل بداية اليوم أكثر انتعاشًا ونشاطًا.
الاستحمام الليلي.. راحة ونوم أعمق
تشير الدراسات العلمية إلى أن الاستحمام أو أخذ حمام دافئ قبل النوم بساعة أو ساعتين يساعد على الدخول في مرحلة النوم العميق بشكل أسرع.
وخلصت دراسة تحليلية جمعت نتائج 13 بحثًا إلى أن رفع درجة حرارة الجسم عبر الماء الدافئ، ثم انخفاضها مجددًا، يشكّل إشارة فسيولوجية تساعد الدماغ على الاسترخاء. ومن ثمّ، يصبح الاستحمام الليلي أكثر من مجرد عادة، بل وسيلة لتحسين نوعية النوم، خاصة لمن يعانون الأرق أو صعوبات في الاستغراق السريع بالنوم.
الفراش.. بيئة خفية للميكروبات
لكن الفوائد المتوقعة من الاستحمام قبل النوم قد تتبدد إذا لم تُغسل أغطية السرير بانتظام. فوفقًا لما أوضحته هولي ويلكينسون، المحاضِرة في طب التئام الجروح والميكروبيوم بجامعة هال البريطانية، فإن ترك الأغطية والوسائد دون تنظيف لفترات طويلة يسمح بتراكم البكتيريا والفطريات وعث الغبار، ما يجعل السرير بيئة خصبة للمسببات المرضية.
وهذه الميكروبات قد لا تؤثر كثيرًا على الأشخاص الأصحاء، لكنها تشكل خطرًا حقيقيًا على مرضى الحساسية والربو، حيث تشير الدراسات إلى أن 76 في المئة من المصابين بالربو الحاد لديهم حساسية تجاه نوع واحد على الأقل من الفطريات.
مخاطر غير مرئية
من بين الفطريات التي تثير قلق الأطباء فطر "أسبرجيلوس فوميجاتوس"، الذي يمكن أن يتسبب في أمراض رئوية مزمنة لدى مرضى السل أو من يعانون أمراض الرئة المرتبطة بالتدخين.
كما أن التعرض الطويل لمخلفات عث الغبار يزيد احتمالات الإصابة بالحساسية التنفسية، فضلًا عن أن النوم بانتظام على أغطية متسخة قد يرفع من مخاطر العدوى الجلدية، وإن كانت الأدلة العلمية في هذا الجانب لا تزال محدودة.
الاستحمام الصباحي.. بداية جديدة لليوم
على الجانب الآخر، يرى كثيرون أن الاستحمام في الصباح هو الخيار الأمثل. الطبيبة جيل فريستون تؤكد أنها تفضل الاستحمام مع بداية اليوم، لأن ذلك يساعد على التخلص من العرق والميكروبات التي قد تنتقل من الفراش إلى الجسم خلال ساعات النوم. ووفق هذا الرأي، فإن الانتعاش الذي يمنحه الماء في الصباح ليس مجرد شعور نفسي، بل خطوة وقائية تسهم في تقليل احتمالات تراكم الملوثات على الجلد.
النظافة الشخصية ليست في التوقيت فقط
يُجمع الخبراء على أن النقطة الجوهرية ليست في اختيار الصباح أو المساء، بل في مدى التزام الشخص بنظافة جسده ومحيطه فالمواظبة على تنظيف المناطق الأساسية من الجسم يوميًا قد تكون كافية للحفاظ على الصحة العامة، حتى وإن كان الاستحمام الكامل مرتين أو ثلاث مرات أسبوعيًا فقط. أما أولئك الذين تتطلب أعمالهم جهدًا بدنيًا كبيرًا أو تعرضًا مباشرًا للأتربة، مثل المزارعين أو العمال في المواقع المفتوحة، فهم بحاجة إلى الاستحمام بعد انتهاء اليوم لضمان إزالة الأوساخ والعرق.
بين العلم والعادة
في نهاية المطاف، يتضح أن اختيار توقيت الاستحمام يخضع لمعادلة شخصية أكثر مما هو قرار طبي صارم. فمن يفضلون النوم بنظافة وهدوء سيجدون في الاستحمام الليلي راحة إضافية، بينما من يسعون إلى انطلاقة صباحية مليئة بالنشاط سيجدون في الاستحمام الصباحي روتينًا لا غنى عنه، لكن، وبحسب الخبراء، يبقى تنظيف الفراش بشكل منتظم هو العامل الأكثر أهمية في معادلة الصحة والنظافة.