أخبار عاجلة
أسعار الذهب فى أسيوط غدا الثلاثاء 23\9\2025 -

صناعة الممكن من قلب المستحيل.. مصر وإيران وخرائط النووى.. من تعنت واشنطن إلى اتفاق القاهرة

صناعة الممكن من قلب المستحيل.. مصر وإيران وخرائط النووى.. من تعنت واشنطن إلى اتفاق القاهرة
صناعة الممكن من قلب المستحيل.. مصر وإيران وخرائط النووى.. من تعنت واشنطن إلى اتفاق القاهرة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

رغم الحراك المصرى ونجاحه فى لم شمل إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتوقيع اتفاق مهم فى القاهرة بداية هذا الشهر إلا أن مجلس الأمن فى اجتماعه الأخير قرر رفض رفع العقوبات عن إيران وهو ما دعا المراقبون إلى رؤية هذا القرار كحلقة جديدة فى مسلسل التعنت الدولى تجاه طهران، إذ جاء القرار ليؤكد أن ميزان القوى داخل المجلس لا يزال يميل لصالح الرؤية الأمريكية والأوروبية، رغم كل التحولات التى يشهدها العالم. 

إيران بدت غاضبة من هذا الموقف الذى رأت فيه استهدافًا مباشرًا لحقها فى الحصول على ثمار التزاماتها، واعتبرت أن رفض رفع العقوبات ليس سوى امتداد للسياسة العقابية التى تفرضها واشنطن منذ انسحابها من الاتفاق النووى عام ٢٠١٨. ردود طهران حملت نبرة اعتراض واضحة، معتبرة أن العالم يعاقبها على التزامها فيما يكافئ إسرائيل التى تملك ترسانة نووية خارج أى رقابة، وهو ما يكشف مرة أخرى ازدواجية المعايير التى تحكم النظام الدولي.

هذا السياق المأزوم هو ذاته الذى جعل من المشهد الأخير بين واشنطن وطهران لوحة مكتظة بالتوترات، الولايات المتحدة عادت لتلوّح بما تصفه بآلية الزناد وكأنها السيف المسلط على عنق الاتفاق النووي، محاولة إبقاء إيران فى دائرة الضغط الدائم، واشنطن التى انسحبت من الاتفاق بقرار من ترامب لم تكتف بتقويضه بل أرادت أن تظل ممسكة بخيوط اللعبة ولو من خارجها، عبر فرض عقوبات متجددة ومحاولات دبلوماسية لإعادة إنتاج خطاب الخوف من إيران. 

هذا التعنت الأمريكى لم يكن مجرد موقف سياسى عابر، بل تحوّل إلى استراتيجية ممنهجة تهدف إلى إغلاق أى أفق أمام طهران، وإبقاء المنطقة أسيرة معادلة القلق والتهديد، فيما أوروبا تتأرجح بين العجز والتبعية.

ولفهم طبيعة هذه الأزمة لا بد من العودة إلى عام ٢٠١٥ حين توصلت إيران مع مجموعة ٥+١ إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، الاتفاق الذى وُصف حينها بالاختراق التاريخى وضع قيودًا صارمة على البرنامج النووى الإيرانى مقابل رفع تدريجى للعقوبات الاقتصادية، لكنه منذ البداية ظل محاصرًا بالشكوك والتحفظات. إسرائيل وحلفاؤها فى المنطقة رأوا فيه تهديدًا لأمنهم، بينما ظل الغرب ينظر إليه كحل مؤقت لا يعالج جذور الأزمة. وعندما جاء ترامب إلى البيت الأبيض استثمر هذه المخاوف فأعلن الانسحاب من الاتفاق فى مايو ٢٠١٨، وأعاد فرض عقوبات قاسية تحت شعار أقصى ضغط. النتيجة كانت انهيار الثقة بين طهران وواشنطن، وعودة إيران تدريجيًا إلى رفع مستوى تخصيب اليورانيوم وتوسيع نشاطاتها النووية كرد فعل مباشر على نقض التعهدات الأميركية، أوروبا من جانبها حاولت أن تلعب دور الحامى للاتفاق.

ومن رحم هذا الارتباك جاءت تصريحات الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون الأخيرة لتزيد منسوب التوتر، ماكرون لوّح صراحة باستخدام آلية الزناد التى تتيح إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران إذا ما اتُهمت بخرق التزاماتها، وبدا فى خطابه وكأنه يعيد إنتاج النغمة الأميركية وإن جاءت بعبارات أكثر دبلوماسية، غير أن هذا التهديد كشف مجددًا أن أوروبا لم تتحرر بعد من أسر الإرادة الأميركية، وأنها لا تزال تفضّل منطق التلويح بالعقوبات على خيار الحوار والتسوية.

إيران من جانبها لم تتأخر فى الرد، فجاء صوت وزير الخارجية عباس عراقجى حادًا وهو يصف تصريحات ماكرون بأنها ابتزاز سياسى يتعارض مع روح الاتفاق. عراقجى شدد على أن طهران لن ترضخ لمثل هذه الضغوط، وأن الطريق الوحيد للحل هو التزام الأطراف جميعًا بتعهداتها، مذكرًا العالم بازدواجية المعايير التى تسمح لإسرائيل بالتحرك خارج أى إطار رقابى بينما تفرض على إيران قيودًا مضاعفة فقط لأنها قالت لا لهيمنة واشنطن. 

كان هذا الرد انعكاسًا لخيبة أمل إيرانية متراكمة من عجز أوروبا وفشلها فى لعب دور مستقل، واعترافًا بأن الحل لا يمكن أن يأتى من باريس أو برلين أو بروكسل، بل من مسار مختلف كليًا.

ومن هنا تبرز أهمية التاسع من سبتمبر فى القاهرة، حيث جرى توقيع اتفاق جديد بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية برعاية مصرية مباشرة، هذا الاتفاق لم يكن مجرد تفاهم تقنى حول مستوى التفتيش أو آلية الرقابة، بل كان فى جوهره إعلانًا عن عودة مصر إلى قلب المشهد الإقليمى والدولى كلاعب فاعل قادر على صناعة التوازنات، لقد قدمت القاهرة نفسها كوسيط مختلف لا يخضع لحسابات الغرب ولا يقف أسير هواجس واشنطن، بل يتحرك بصفته فاعلًا عربيًا مستقلًا يمتلك شرعية تاريخية ومصداقية سياسية نابعة من تجربته الطويلة فى الوساطة وصياغة الحلول.

إن العودة المصرية إلى هذا الملف تعكس تحولًا فى موازين المنطقة، فبينما تغرق العواصم الأوروبية فى لغة التهديد والتصعيد، اختارت القاهرة أن تقوم بإحياء لغة الممكن، مصر تدرك أن أى مواجهة عسكرية أو عقوبات جديدة ستدفع المنطقة كلها ثمنها، وأن شعوب الشرق الأوسط لم تعد تتحمل المزيد من التوترات، ومن هنا جاء اتفاق القاهرة ليمنح مساحة للتنفس السياسى والدبلوماسى ويفتح نافذة أمام إعادة بناء الثقة بين إيران والوكالة الدولية بعيدًا عن صخب العواصم الغربية.

ولعل قيمة هذا الدور المصرى تكمن فى عدة أبعاد متداخلة، فمن جهة تمثل القاهرة وسيطًا يحظى بقبول نسبى من إيران والغرب على حد سواء لأنها ليست خصمًا معلنًا لطهران ولا حليفًا مطلقًا لها، ومن جهة أخرى تستند مصر إلى تقاليد دبلوماسية عريقة مكنتها عبر عقود من إدارة ملفات شائكة بمرونة وهدوء، والأهم أن نجاحها فى جمع إيران والوكالة الدولية على أرض القاهرة يؤكد أن المنطقة قادرة على إنتاج حلول من داخلها لا أن تظل رهينة لابتزاز الخارج.

أما أوروبا، فإن مواقفها الأخيرة تكشف مأزقها العميق، فهى بعد الانسحاب الأميركى من الاتفاق لم تستطع أن تبتكر آلية حقيقية لإنقاذه، وظلت عاجزة عن تحدى العقوبات الأمريكية، ومع الوقت تحول هذا العجز إلى تبعية، ثم إلى تعنت خشية أن يُنظر إليها كقوة ضعيفة، لذلك لم يكن غريبًا أن تبدو تصريحات ماكرون أكثر تشددًا مما كان متوقعًا، لكنها فى الحقيقة تعكس أزمة هوية سياسية يعيشها الاتحاد الأوروبى أكثر مما تعكس قراءة عقلانية للملف النووي.

ومن هذا العجز الأوروبى برزت القاهرة بديلًا واقعيًا، فبينما تلهث أوروبا وراء إرضاء واشنطن، وضعت مصر لنفسها دور صانع التوازن، معيدة إلى الأذهان دورها التاريخى فى رعاية اتفاقيات سلام وفى التوسط بين أطراف نزاعات مستعصية، واليوم تعود لتقول إن صوت العرب لم يمت وإن الحلول لا تزال ممكنة إذا ما توافرت الإرادة.

الاتفاق الذى وُقع فى القاهرة قد لا يكون نهاية المطاف لكنه بداية لمسار جديد، وإذا أردنا استشراف المستقبل فهناك ثلاثة احتمالات رئيسية الأول هو أن يتحول الاتفاق إلى نقطة انطلاق لبناء ثقة متدرجة بين إيران والوكالة بما يفتح الباب لمفاوضات أوسع تشمل الملف النووى والعقوبات، أو أن تعرقل واشنطن وبعض العواصم الأوروبية تنفيذه فيعود التوتر إلى الواجهة، أو أن يبقى الاتفاق قائمًا شكليًا دون أن يترتب عليه اختراق كبير لكنه على الأقل يجمّد التوتر ويمنع الانفجار. فى جميع هذه السيناريوهات تظل مصر لاعبًا أساسيًا وضامنًا للحوار وجسرًا بين الأطراف، وهو ما يمنحها مكانة استراتيجية متجددة.

هكذا يتضح أن ما بين تعنت واشنطن وتهديدات ماكرون واعتراض عراقجى على لغة الابتزاز جاء صوت القاهرة ليقدّم بديلًا مختلفًا، ويقول إن الممكن لا يزال قائمًا حتى من قلب المستحيل، وإذا كان العالم قد اعتاد أن يرى الشرق الأوسط ساحة للانفجار، فإن القاهرة اليوم تعيد تقديمه بوصفه ساحة للحوار، إنها ليست مجرد خطوة فى ملف نووى معقد، بل علامة فارقة على عودة مصر إلى قلب المشهد الدولي، صانعة للتوازنات وراعية للحلول وفاعلًا إقليميًا لا يمكن تجاوزه.

648.jpg

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق ارتفاع طفيف في أسعار الذهب بالأردن اليوم السبت 20 سبتمبر 2025
التالى محافظ سوهاج يتفقد أعمال الرصف وتطوير الشوارع بحي شرق ويستمع لمطالب المواطنين