أكد باتريك كويرك، نائب رئيس السياسة العالمية والشؤون العامة بمنظمة اليونيسف، أن العالم يركز بشكل كبير على الأزمة الإنسانية في غزة، حيث تتفشى ظروف المجاعة والنزوح.
ومع ذلك، يرى كويرك أن هناك أزمات أخرى "صامتة" لا تقل خطورة وتتسبب في خسائر بشرية هائلة وتهديدات قد تضر بالمصالح الأمريكية.
ووفقًا لمقالته في موقع "ذا ناشيونال إنترست"، فإن الأزمات في السودان، وهايتي، وسوريا، يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة على السياسة الخارجية الأمريكية إذا تم تجاهلها. يشدد الكاتب على أن تجاهل هذه الأزمات بحجة أن الولايات المتحدة يجب أن تركز على مصالحها فقط هو أمر خاطئ، لأن هذه الكوارث تخلق تهديدات عابرة للحدود مثل الأمراض، والهجرة، والإرهاب، التي يمكن أن تضر بالمواطنين والمصالح الأمريكية بشكل مباشر.
أزمة السودان وتداعياتها الإقليمية
من بين الأزمات الأربع، يسلط كويرك الضوء على الأزمة في السودان، حيث أدت الحرب الأهلية المستمرة منذ ما يقرب من ثلاث سنوات إلى مقتل أكثر من 150 ألف شخص ونزوح أكثر من 11 مليون سوداني.
ويشير الكاتب إلى أن 3.9 مليون من هؤلاء النازحين فروا إلى الدول المجاورة مثل إثيوبيا وتشاد وجنوب السودان، مما يضع ضغطًا هائلًا على موارد هذه البلدان ويهدد بانتشار الصراع في منطقة القرن الأفريقي بأكملها. بالإضافة إلى ذلك، تعاني أجزاء كبيرة من السودان من المجاعة منذ أكثر من عام، مع توقع أن يعاني 3.2 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد خلال 12 شهرًا.
ويشير كويرك إلى أن انهيار البنية التحتية الصحية قد أدى إلى انتشار الأمراض المعدية التي كانت تحت السيطرة في السابق، مثل الكوليرا والحصبة والملاريا. فمنذ يناير وحده، تم تسجيل أكثر من 32 ألف حالة كوليرا مشتبه بها. وعلاوة على ذلك، تستغل المنظمات المتطرفة حالة عدم الاستقرار، حيث تفيد تقارير وزارة الخارجية الأمريكية بأن المنظمات الإرهابية ما زالت تعمل داخل السودان. ويختتم كويرك تحليله لهذه الأزمة بالقول إن عدم بذل جهود منسقة لحل الصراع ومعالجة المجاعة وتخفيف المخاطر الصحية، قد يعرض الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين لخطر تفشي الصراعات في منطقة القرن الأفريقي، وتزايد انتشار الأمراض المعدية، وتسارع معدلات الهجرة.
كارثة هايتي والتهديدات في النصف الغربي
يؤكد كويرك أن النصف الغربي من الكرة الأرضية ليس بمنأى عن الأزمات، ويستشهد بحالة هايتي. فمنذ اغتيال رئيس البلاد في عام 2021، تتصاعد الاشتباكات العنيفة بين الجماعات المسلحة والحكومة المؤقتة. وقد أدى هذا العنف إلى نزوح أكثر من 1.2 مليون شخص، نصفهم من الأطفال. بينما يواجه 2.85 مليون طفل هايتي انعدامًا حادًا للأمن الغذائي. كما أدى تدهور الأوضاع إلى زيادة حالات تفشي الأمراض، مثل الكوليرا، حيث تم تسجيل 1،298 حالة مشتبه بها في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025 وحده.
ونتيجة لهذه المعاناة، تسارعت وتيرة تجنيد الأطفال في الجماعات المسلحة، مع زيادة بنسبة 70% في عام 2024. وقد فشلت الاستراتيجيات الدولية في حل الصراع، ويحذر الكاتب من أن غياب الجهود لتثبيت الأوضاع سيؤدي إلى استمرار انتشار الأمراض وزيادة عوامل الهجرة وعمليات الجماعات المسلحة الخطيرة.
سوريا: أزمة مستمرة رغم انتهاء الحرب
أخيرًا، يتناول الكاتب الوضع في سوريا، حيث يرى أن الحرب الأهلية قد انتهت ظاهريًا، لكن الصراع وعدم الاستقرار لا يزالان قائمين. فما زال 7.4 مليون نازح داخلي بحاجة إلى مساعدة إنسانية، بينما يتعرض أكثر من 400 ألف طفل لخطر سوء التغذية الحاد. وقد أدى العنف في محافظة السويداء إلى نزوح ما يقرب من 192 ألف شخص. ويشير كويرك إلى أن نقص المواد الغذائية لفترات مطولة قد يؤدي لعودة ظهور المتطرفين مثل تنظيم داعش، وغيره من الميليشيات في المنطقة، ويحذر من أن أعداء أمريكا سيستغلون هذا الفراغ.
ويرى الكاتب أن تخصيص الموارد لمعالجة الأزمات في غزة، والسودان، وهايتي، وسوريا هو في مصلحة الولايات المتحدة، لأنه يخفف من التهديدات التي يتعرض لها الشعب الأمريكي. ويؤكد أن تجاهل هذه الأزمات سيكون بمثابة "عزف موسيقي بجانب القبر" لن يسمعه الموتى، فمن الضروري أن تتدخل الولايات المتحدة لحماية مصالحها القومية بدلا من الوقوف موقف المتفرج.