التقى الأمير هاري، دوق ساسكس، بوالده الملك تشارلز الثالث في لندن في أول لقاء وجهًا لوجه بينهما منذ 19 شهرًا.
هذا الاجتماع، الذي جرى في مقر كلارنس هاوس، لم يكن مجرد زيارة عائلية عابرة، بل كان يحمل دلالات عميقة تشير إلى إمكانية رأب الصدع في العلاقات الملكية التي توترت بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية.
استمر اللقاء نحو 50 دقيقة، وخرج هاري بعدها ليعبر عن سعادته بلقاء والده، واصفًا حالته بكلمات مقتضبة لكنها ذات معنى كبير. هذا اللقاء يمثل نقطة تحول محتملة، خاصة بعد أن كان هاري قد صرح في وقت سابق عن رغبته الصادقة في المصالحة مع عائلته، مؤكدًا أن الحياة ثمينة ولا تستحق استمرار الخلاف، وفقًا لشبكة سي إن إن الإخبارية.
دور مذكرات هاري في الجفاء
يعود التوتر في العلاقة بين الأمير هاري والعائلة المالكة إلى جذور عميقة، بدأت مع قراره وزوجته ميجان، دوقة ساسكس، بالتخلي عن واجباتهما الملكية الكبرى والانتقال للعيش في الولايات المتحدة. لكن الخلافات تصاعدت بشكل حاد بعد سلسلة من الأحداث العلنية التي سلطت الضوء على الخلافات الداخلية. ففي مقابلة شهيرة مع أوبرا وينفري عام 2021، أطلق الزوجان اتهامات خطيرة، بما في ذلك مزاعم عنصرية داخل العائلة. ثم جاءت مذكرات الأمير هاري المثيرة للجدل، "سبير" (Spare)، والتي احتوت على تفاصيل عائلية سرية واتهامات حادة ضد أفراد عائلته، أبرزها زعم تعرضه لاعتداء جسدي من قبل شقيقه الأمير وليام، مما أدى إلى تصعيد التوتر إلى مستويات غير مسبوقة.
جهود متقطعة للمصالحة ومحاولات فاشلة
لم تكن العلاقة بين هاري ووالده منقطعة تمامًا خلال هذه الفترة، بل شهدت محاولات متفرقة للقاء لم تكتمل دائمًا. ففي فبراير 2024، سافر هاري على وجه السرعة إلى لندن بعد الإعلان عن تشخيص إصابة الملك بالسرطان، واجتمع بوالده في لقاء سريع دام نحو 30 دقيقة.
ورغم أن هذه الزيارة كانت قصيرة، إلا أنها دلت على وجود رابط عاطفي بين الأب وابنه. لكن الزيارات اللاحقة لم تسر على نفس المنوال. ففي أبريل من نفس العام، عاد هاري إلى بريطانيا لحضور جلسات محكمته المتعلقة بترتيبات حمايته الأمنية، لكنه لم يتمكن من رؤية والده الذي كان في زيارة رسمية لإيطاليا. هذه اللقاءات التي لم تحدث زادت من حالة الإحباط وأظهرت مدى صعوبة التوفيق بين جدول أعمالهما.
استمرار الجفاء بين هاري ووليام
في المقابل، يظل الجفاء مسيطرًا على العلاقة بين الأميرين هاري وويليام، ويبدو أن المصالحة بينهما بعيدة المنال في الوقت الراهن. فخلال زيارة هاري الأخيرة، لم تظهر أي بوادر على لقاء بين الأخوين. فبينما كان هاري منخرطًا في فعالياته الخيرية في لندن ونوتنغهام، كان ويليام يؤدي واجباته الرسمية في أماكن أخرى من البلاد. في أحد الأيام، كان كل من الأخوين في موقع قريب جدًا من الآخر، حيث قام هاري بزيارة قبر جدته الملكة إليزابيث الثانية في ذكرى وفاتها، بينما كان ويليام وزوجته كيت يحضران حدثًا تذكاريًا على بعد بضعة أميال فقط، ومع ذلك لم يلتقيا. هذا التباعد الجغرافي والاجتماعي يؤكد أن العلاقة بين الأخوين لا تزال متوترة، وقد يعود ذلك جزئيًا إلى انشغال ويليام برعاية زوجته خلال فترة علاجها من السرطان، مما يجعل عودة العلاقات الأخوية إلى سابق عهدها تحديًا كبيرًا.
هل يحمل المستقبل مصالحة شاملة؟
رغم أن الطريق لا يزال طويلًا أمام مصالحة شاملة للعائلة المالكة، فإن لقاء هاري بوالده يمثل بصيص أمل. وقد صرح هاري نفسه في مقابلة سابقة بأنه يتمنى "المصالحة مع عائلتي"، وأن "لا فائدة من الاستمرار في القتال بعد الآن، فالحياة ثمينة". هذه الكلمات تعكس رغبة حقيقية في تجاوز الماضي. وقد أظهرت تقارير عن لقاءات بين مساعدين من الجانبين في يوليو الماضي إمكانية وجود رغبة في إعادة فتح قنوات الاتصال، وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي.
زيارة هاري هذه لم تكن مقتصرة على لقائه بوالده، بل شملت أيضًا سلسلة من الفعاليات الخيرية التي تدعم قضايا قريبة من قلبه، مثل زيارته لمركز أبحاث إصابات الانفجار ومشاركته في فعاليات مؤسسة ألعاب إنفكتوس. هذا الانخراط يظهر أن هاري لا يزال متمسكًا بدوره في العمل الخيري حتى بعد انفصاله عن العائلة المالكة. ورغم أن عودته إلى بريطانيا كانت قصيرة، إلا أنها قد تكون بداية لمرحلة جديدة من التواصل، وقد تفتح الباب أمام مصالحة أكبر في المستقبل.