شهد أمس الأربعاء، الموافق 10 سبتمبر 2025، زلزالا على الساحة السياسية في أمريكا، بعد أن تحولت فعالية طلابية في جامعة يوتا فالي بمدينة أوريم إلى مسرح لاغتيال سياسي صادم، فقد سقط تشارلي كيرك، الناشط اليميني البارز ومؤسس منظمة "تورنينج بوينت يو إس إيه" (Turning Point USA)، قتيلًا برصاصة واحدة في الرقبة أثناء إلقائه كلمة أمام حوالي 3000 من شباب الجامعة والنشطاء، وفقًا لشبكة سي إن إن.
وقالت مجلة "ذا تايمز" إن هذا الحادث لم يكن مجرد جريمة فردية، بل يمثل ذروة الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة، حيث يتقاطع الخطاب السياسي المشحون مع العنف المسلح، أما منصات التواصل الاجتماعي، وبصفة خاصة منصة إكس (تويتر سابقًا)، فتعكس الردود الشعبية والسياسية، كما تتناول تفاصيل عن حياة كيرك، وتتطرق إلى الخبايا الأمنية في الاغتيال، والسيناريوهات المحتملة، والأسباب العميقة، والتداعيات الواسعة، بل وتتطرق إلى احتفاء البعض في بعض الأوساط بوفاة حليف ترامب الشاب.
من هو تشارلي كيرك؟
من ناشط جامعي إلى "ساحر تيك توك"
وفقًا لصحيفة واشنطن بوست، كان تشارلي كيرك، المولود عام 1993 في شيكاغو، رمزًا للجيل الجديد من المحافظين الذين استغلوا الإعلام الرقمي والسوشيال ميديا لتعبئة الشباب. وفي سن الـ18، أسس "تورنينج بوينت يو إس إيه" عام 2012، وهي منظمة غير ربحية تركز على تعزيز القيم المحافظة في الجامعات، مثل الرأسمالية الحرة، الحريات الفردية، ومعارضة "اليقظة اليسارية" (wokeism). وجمعت المنظمة ملايين الدولارات وأثرت في مئات الجامعات، مساهمة في تجنيد الناخبين الشباب للحزب الجمهوري، خاصة في حملات دونالد ترامب 2016 و2020. كيرك، الذي ترك الجامعة دون تخرج، بنى إمبراطورية إعلامية تشمل برنامجًا إذاعيًا "ذا تشارلي كيرك شو"، ومتابعين يتجاوزون 7 ملايين على تيك توك، 7 ملايين على إنستجرام، و5 ملايين على إكس.
وأشار موقع أكسيوس إلى أن علاقته بترامب كانت محورية؛ وصفه ترامب بأنه "قوة سياسية قوية" و"قلب الشباب الأمريكي"، وكان كيرك "نبض الشباب" في عيني ترامب، مساهمًا في اختيار جي دي فانس كنائب رئيس، كما أكد صديق مقرب بوب ماكيوين في مقابلة مع "تايمز راديو". لكن صعوده كان مثيرًا للجدل؛ خاصة بعد أن روج لنظريات مؤامرة حول الانتخابات 2020، وأثار الجدل حول لقاحات كوفيد-19، والتغير الديموغرافي، وكان يُتهم بالترويج لخطاب الكراهية ضد المثليين والمهاجرين.
وفي خطابه الأخير في أكسفورد يونيون مايو 2025، هاجم "السرطان" DEI (التنوع والإنصاف والإدراج)، وحركة التحول الجنسي "الترانس"، ودافع متهكمًا عن حرية التعبير قائلًا: "يجب أن نسمح بالأقوال الشاذة والمخالفة... حرية التعبير حق مولود معنا".
توفي كيرك عن 31 عامًا، متزوجًا من إريكا كيرك ولديه طفلان (3 و1 سنة)، تاركًا وراءه إرثًا يُقسم وجهة الأمريكيين المتعلقة بشخصه بين "شهيد" و"محرض".
آراء مثيرة تجعله هدفًا محتملًا
كان كيرك الوقود الخام لعدة انقسامات، فقد دافع عن حرية التعبير من خلال مناظرات حية، لكنه واجه انتقادات حادة لرفضه "امتياز البيض"، وانتقاده لنظرية العرق النقدية، وتصريحاته عن النساء ("يجب أن يركزن على الأمومة لا المهن"، و"النساء في الثلاثينيات أقل جاذبية"). وقال إن الإجهاض "أسوأ من الهولوكوست"، ووصف مارتن لوثر كينج بـ"الفظيع"، معتبرًا قانون الحقوق المدنية 1964 "خطأ كبيرًا" لأنه أنشأ "بيروقراطية دائمة".
ودافع عن التعديل الثاني (حق حمل السلاح) قائلًا: "بعض الوفيات بالأسلحة ضريبة ضرورية لحماية الحقوق". وواجه تهديدات سابقة، مثل إلغاء فعاليات في أوريجون بسبب احتجاجات، مما يفتح الباب لسيناريوهات انتقامية من اليسار الراديكالي، وفقًا لميامي هيرالد.
تفاصيل الاغتيال: خبايا أمنية ودلالات على تخطيط محترف
وقع الاغتيال، وفقًا لنيويورك تايمز، أثناء فعالية "الإحياء الأمريكي"، أول محطة في جولة 15 مدينة. كان كيرك يجيب عن أسئلة النشطاء عندما أُطلقت رصاصة من أعلى سطح مبنى على بعد 200 ياردة، مما يشير إلى تورط قناص محترف ببندقية صيد أو قنص مزودة بمنظار. وتوفي في المستشفى بعد ساعات، وقررت الجامعة إغلاق أبوابها حتى الاثنين المقبل.
وتشمل خبايا الحادث فيديوهات على وسائل التواصل تظهر شخصًا على السطح قبل إطلاق الرصاص، وضعف الأمن بموقع الاغتيال إذ لا توجد كاشفات معادن أو فحص حقائب، مما سمح للجاني بالهروب.
وتقود المباحث الفيدرالية التحقيق بـ"كافة الموارد"، مع بحث من باب لباب وبطائرات هليكوبتر، واعتقال اثنين ثم إطلاق سراحهما، مما يعزز شكوك تنفيذ الجريمة من قبل "قناص يعمل منفردًا"، ووصف إيان دنكان سميث، قائد سابق في الحرس الاسكتلندي، ما حدث بالقول ـ"إنه اغتيال مخطط له جيدًا"، إذ يتطلب معرفة وتخطيط للهروب.
السيناريوهات المحتملة
انتقام سياسي من اليسار: بادر ترامب باتهام "العنف اليساري الراديكالي"، مقارنًا بمحاولات اغتياله ومقتل مسؤول طبي في نيويورك. وعلى منصة إكس، احتفل بعض النشطاء، مثل متظاهر في سياتل قال: "أنا أدعم القاتل، وكنت سأقتله بنفسي"، وقال طلاب جامعيون حسنًا فعل ذلك القناص.
مؤامرة أوسع: ثمة شكوك في تورط دولي، خاصة بعد إعلان نتنياهو وفاة تشارلي كيرك قبل 20 دقيقة من الإعلام الأمريكي، كما ادعى قس جاك هيبس، وكان كيرك معاديًا للناتو ومؤيدًا لروسيا في أوكرانيا، ما دفع مبعوث بوتين كيريل ديمترييف للثناء عليه واصفًا إياه بـ"صوت العقل".
عنف عشوائي أو داخلي: لكن الدقة تنفي ذلك، مع إشارات إلى "تورط تخطيط إسرائيلي" من بعض النشطاء على منصة إكس.
الأسباب: تصاعد العنف السياسي منذ 6 يناير 2021، مع أكثر من 300 جريمة سياسية (أكبر فترة منذ السبعينيات)، بما في ذلك محاولات اغتيال استهدفت دونالد ترامب ومقتل نائبة مينيسوتا. وأصبح الخطاب الإعلامي المشحون يلعب دورًا، كما في إقالة ماثيو داود من MSNBC لقوله إن "كلمات كيرك الفظيعة" أدت إلى مقتله.
تعليقات الشخصيات البارزة: من الحزن إلى الغضب والدعوة للحوار
أثار اغتيال تشارلي كيرك موجة جدل عالمية، وبادر ترامب بتسجيل فيديو من المكتب البيضاوي، محذرًا من "العنف اليساري" وأمر بخفض الأعلام حتى الأحد وتابع: "خسرنا شهيدًا للحقيقة... اليسار الراديكالي يشبه الرائعين مثل تشارلي بالنازيين".
وقام نائب الرئيس الأمريكي، فانس بزيارة عائلة كيرك في سالت ليك سيتي، وعلق الرئيس السابق جو بايدن بالقول: "لا مكان للعنف"، وقالت كامالا هاريس "أشعر بأنني مضطربة"، وقال باراك أوباما "عنف حقير". وفي بريطانيا، قال رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون: "شهيد لامع لحرية التعبير... قتل لقوله أمورًا منطقية".
وعلق رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر: "قلبي مع عائلته... لا تبرير للعنف السياسي".
وعلق السياسي البريطاني نايجل فاراج: "يوم مظلم للديمقراطية الغربية"، وعلى العكس على منصة إكس، احتفل بعض اليساريين، مما أثار غضبًا، بينما آخرون مثل دين ويذرز أبدى تعاطفًا: "هذا ليس يسار مقابل يمين، بل صح مقابل خطأ".
تعليقات المشاهير الأمريكيين على وسائل التواصل: بين الغضب والتعزية
في أعقاب الاغتيال، انفجر عالم المشاهير الأمريكيين بردود فعل متنوعة على وسائل التواصل الاجتماعي، تعكس الاستقطاب الثقافي العميق. وقاد الممثل كريس برات، المعروف بدعمه للقيم المحافظة، التعليقات بمنشور على إنستجرام يقول: "اللهم ساعدنا"، معبرًا عن صدمته من "العنف غير المبرر"، وأضاف أنه يصلي لعائلة كيرك، مشددًا على أن "الكراهية السياسية قد وصلت إلى حد الجنون". ونشرت ميجان ماكين، ابنة السناتور الراحل جون ماكين ومقدمة سابقة لبرنامج "ذا فيو"، تغريدة غاضبة على إكس: "لن يوقفنا هذا الاغتيال من الكلام... استرح في سلام يا تشارلي"، معتبرة الحادث "هجومًا على حرية التعبير" ومتهمة "اليسار الراديكالي" بتأجيج الكراهية.
بداية عصر عنف جديد أم دعوة للإصلاح؟
سياسيًا، قد يعزز الاغتيال دعم اليمين بين الشباب، مؤثرًا في انتخابات 2026، مع مخاوف من "حريق متعمد" قد يستغله اليمين لقمع اليسار، كما حذر الناشط اليساري أوين جونز. وأمنيًا، يدعو لتعزيز الحماية، خاصة مع إطلاق نار بحادث منفصل في مدرسة كولورادو يوم الاغتيال. واجتماعيًا، يعمق اغتيال تشارلي الاستقطاب، مع فيديوهات سرقة قبعات كيرك بعد الإطلاق، وردود فعل مريضة تعكس "كراهية ما بعد 9/11".
ودوليًا، يبرز الحادث الانقسامات حول أوكرانيا وإسرائيل. في النهاية، مقتل كيرك ليس نهاية صوت، بل تحذير: إذا سكتت الحوارات، ستصرخ الأسلحة. كما قال كيرك في آخر كلماته: "الانحدار الوطني خيار... وسننقذ أمريكا".