في وقت سابق من العام الجاري، أعلنت مديرية الرياضة التابعة لحركة طالبان الأفغانية حظر لعبة الشطرنج حتى إشعار آخر، بدعوى أنها "تشجع على المقامرة" وتخالف الشريعة الإسلامية.
وقال المتحدث باسم المديرية عطال مشواني: "حتى يتم إيجاد حل لهذه المخاوف الشرعية، سيظل لعب الشطرنج ممنوعًا في أفغانستان".
ورغم مرور أشهر على القرار، لم تُصدر السلطات أي موقف نهائي، ما ترك عشاق اللعبة وسط حالة من الترقب والإحباط.
حلم مكسور في زقاق قندوز
نويد أحمد، شاب في التاسعة عشرة من عمره من مدينة قندوز شمالي البلاد، اختصر مأساة الحظر بكلمات موجعة: "شعرت بحزن عميق عندما علمت بالحظر. كنت أحلم بالمشاركة في بطولات، وأن أسافر عبر الولايات لألعب".
في بلد تتلاشى فيه الأحلام مع الفقر وانعدام فرص التعليم والعمل، كانت رقعة الشطرنج ملاذه الوحيد، حيث يجد عبرها متنفسًا من الواقع الخانق.
قيود ممنهجة على الحياة
هذا الحظر ليس سابقة في تاريخ طالبان، إذ سبق أن منعت الشطرنج خلال حقبتها الأولى (1996–2001). ومنذ عودتها إلى الحكم في أغسطس 2021، فرضت الحركة موجة جديدة من القيود طالت كل ما يمثل متنفسًا للأفغان، لا سيما الشباب.
فقد حظرت فنون القتال المختلطة عام 2024 بزعم أنها "عنيفة"، وأجبرت لاعبي كمال الأجسام على ارتداء ملابس طويلة.
أما النساء، فطالهن حظر شامل على ممارسة الرياضة، وأُغلقت صالات الجيم المخصصة لهن، بينما منعت الموسيقى في وسائل الإعلام والمناسبات الاجتماعية.
"جريمة ضد الإبداع والفكر"
رغم أن الشطرنج لا يتمتع بشعبية واسعة ككرة القدم أو الكريكيت، فإنه كان يحظى بجمهور وفيّ ومشهد رياضي متنامٍ، لا سيما في العقدين اللذين أعقبا الغزو الأمريكي. فقد نظم الاتحاد الأفغاني للشطرنج –الذي جُمد الآن– بطولات محلية ووطنية للرجال والنساء.
وقال إسماعيل جمشيدي، الرئيس السابق للاتحاد، في تصريحات لإذاعة "فري يوروب"، إن الحظر يمثل "جريمة ضد الرياضة والفن والعلم"، مضيفًا أن "الشطرنج ليس مجرد لعبة، بل هو تعبير عن الإبداع والتفكير الاستراتيجي".
المفارقة الإسلامية
اللافت أن الحظر الأفغاني يتناقض مع مواقف العديد من الدول الإسلامية. ففي المملكة العربية السعودية وإندونيسيا، يمارس الشطرنج بحرية كاملة، وحتى إيران التي حظرته بعد الثورة الإسلامية عام 1979، عادت وأجازته مجددًا في 1988، بشرط عدم ارتباطه بالمقامرة.
أمل معلق على تطبيق
رغم كل شيء، لا يزال نويد يتمسك بحلمه، وإن كان عبر شاشة هاتفه المحمول، حيث يمارس الشطرنج إلكترونيًا.
وفي الوقت الذي تبقى فيه رقعة الشطرنج محظورة على الأرض، تظل موجودة رقميًا، بوصفها خيطًا أخيرًا يربطه بحلمٍ بات مهددًا بالاندثار. فهو، كسائر الأحلام الأفغانية، لا يزال ينتظر لحظة قد لا تأتي.