لم يعد الذكاء الاصطناعي ترفًا تقنيًا تستعرضه المؤسسات الكبرى في مؤتمراتها، بل تحول إلى ركيزة أساسية تعيد تشكيل صناعة المال عالميًا.
وفي مصر، يطرح الواقع سؤالًا ملحًا: هل تستطيع البنوك المحلية الاستمرار بالأساليب التقليدية، أم أن تبني الذكاء الاصطناعي أصبح شرطًا للبقاء في سوق تتغير ملامحه بسرعة؟
الأجيال الشابة التي تشكل النسبة الأكبر من المجتمع المصري لم تعد تتعامل مع البنوك بعقلية الماضي، هذا الجيل يبحث عن سرعة ومرونة وخدمات متاحة على مدار الساعة عبر الهاتف المحمول.
وهنا تتجلى أهمية الذكاء الاصطناعي من خلال روبوتات المحادثة الذكية التي تجيب على العملاء فورًا، وأنظمة تحليل البيانات القادرة على تقديم حلول مصرفية مصممة خصيصًا لتلبية احتياجات كل فرد.
من رفاهية إلى خط دفاع
في بيئة مالية تشهد محاولات احتيال إلكتروني متزايدة، يتجاوز دور الذكاء الاصطناعي تحسين تجربة العميل ليصبح أداة أساسية لحماية الأموال وكشف أي معاملات مشبوهة قبل وقوعها، ولذلك لم يعد الاستثمار في هذه التكنولوجيا خيارًا ترفيهيًا، بل ضرورة استراتيجية لتعزيز ثقة العملاء وضمان استقرار القطاع المصرفي.
تحديات محلية
رغم ما يتيحه الذكاء الاصطناعي من فرص، فإن تطبيقه في البنوك المصرية لا يخلو من تحديات، فالكلفة المرتفعة للحلول التقنية الحديثة تشكل عائقًا أمام البنوك متوسطة الحجم، كما أن الثقافة المصرفية التقليدية التي تميل إلى البيروقراطية والحذر تبطئ من عملية التحول الرقمي، ومع ذلك، أثبتت التجارب العالمية أن التردد في مواجهة التكنولوجيا يكلّف المؤسسات خسارة حصتها السوقية لصالح منافسين أكثر جرأة وابتكارًا.
ولذلك يؤكد الواقع اليوم أن الذكاء الاصطناعي لم يعد رفاهية، بل شرطًا أساسيًا للاستمرار، فالبنوك التي ستدمجه بفاعلية في استراتيجياتها لن تقتصر مكاسبها على تحسين الخدمات، بل ستعيد صياغة علاقتها بالعملاء على نحو أكثر تطورًا ومرونة، أما المؤسسات التي تصر على البقاء في دائرة العمل التقليدي، فهي مهددة بالتراجع وربما الخروج من المنافسة، كما حدث مع شركات كبرى في قطاعات أخرى تجاهلت موجة التكنولوجيا.
رؤية مستقبلية
خلال السنوات الخمس المقبلة، تملك البنوك المصرية فرصة حقيقية للانتقال إلى مرحلة أكثر تقدمًا عبر خطوات تدريجية. البداية يمكن أن تكون بتعميم أنظمة الرد الآلي الذكية، وتوظيف تقنيات التعلم الآلي لاكتشاف المخاطر أو تقييم الجدارة الائتمانية.
ومع الدعم الحكومي الواضح للتحول الرقمي والشمول المالي، يمكن أن تتحول هذه المبادرات إلى قاعدة صلبة لبناء قطاع مصرفي أكثر ذكاءً وقدرة على المنافسة إقليميًا.
وأخيرا... الذكاء الاصطناعي ليس رفاهية عابرة في عالم البنوك، بل هو مستقبل الصناعة المصرفية محليًا وعالميًا، ومن لا يسابق الزمن للاستثمار فيه، يخاطر بأن يجد نفسه على هامش مشهد مالي جديد لن يترك مكانًا لمن يصر على البقاء في الماضي.