في خطوة مدوية تعيد رسم خريطة القوة في صناعة الترفيه والتقنية عالميًا، أعلنت شركة (إلكترونيك آرتس) Electronic Arts، عملاقة صناعة ألعاب الفيديو والمنتجة لسلاسل شهيرة عالميًا مثل: (Battlefield)، و(EA Sports)، تحولها إلى شركة خاصة بعد إتمام صفقة استحواذ تاريخية قُدرت قيمتها الإجمالية بنحو 55 مليار دولار أمريكي.
وتُعد هذه الصفقة أكبر عملية استحواذ مموّل (Leveraged Buyout) في التاريخ، متجاوزةً صفقات كبرى شهدتها الأسواق خلال العقود الماضية.
ويقود هذه الصفقة تحالف يضم صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF)، وشركة (سيلفر ليك بارتنرز) Silver Lake Partners، وشركة (أفينيتي بارتنرز) Affinity Partners. في إشارة واضحة إلى طموح الرياض الجارف في قطاع الألعاب، الذي تبلغ قيمته 178 مليار دولار.
تفاصيل الصفقة وقيمتها القياسية:
بلغت القيمة الإجمالية للصفقة مستوى قياسيًا عند 55 مليار دولار، أي ما يعادل 210 دولارات للسهم نقدًا. ويمثل هذا السعر علاوة مغرية بنسبة تبلغ 25% على سعر إغلاق سهم (إلكترونيك آرتس) قبل انتشار خبر الصفقة.
وتُعدّ عملية التمويل بحد ذاتها درسًا في صفقات الأسهم الخاصة، إذ تشمل:
- الاستثمار في حقوق الملكية (Equity): سيُسهم صندوق الاستثمارات العامة السعودي بتدوير حصته الحالية البالغة 9.9% في الشركة، ليُشكل هذا إلى جانب المساهمات النقدية من شركاء التكتل، استثمارًا في حقوق الملكية يناهز 36 مليار دولار.
- تمويل الدين (Debt Commitment): التزمت جي بي مورجان (JPMorgan) بتوفير تسهيلات تمويل دين بقيمة 20 مليار دولار، وهو أكبر تعهد بالدين يُقدّم لعملية استحواذ في التاريخ.
- الاستثمار الخاص: اللافت هو أن الرعاة سيمولون الصفقة بالكامل من رؤوس الأموال الخاضعة لسيطرتهم، ومن المتوقع أن يكون صندوق الاستثمارات العامة هو صاحب الشيك الأكبر، نظرًا إلى إدراجه في مقدمة قائمة الرعاة في البيان الصحفي، ولروابط التمويل بينه وبين صندوق (أفينيتي بارتنرز).
تتجاوز قيمة هذه الصفقة الرقم القياسي السابق لأكبر عملية شراء ممولة في التاريخ، وهي عملية الاستحواذ على شركة تكساس للطاقة (TXU) في عام 2007، التي بلغت قيمتها نحو 45 مليار دولار.
إستراتيجية (إلكترونيك آرتس) للتحول إلى شركة خاصة:
تأتي عملية بيع شركة (إلكترونيك آرتس) في وقت تشهد فيه صناعة الألعاب تباطؤًا في النمو بعد الطفرة التي شهدتها المبيعات خلال جائحة كورونا. وتعاني (إلكترونيك آرتس) تحديات تشمل انخفاض المبيعات واتجاه اللاعبين نحو الألعاب المجانية التي تُحدث باستمرار بدلًا من شراء عناوين جديدة بأسعار مرتفعة. ومع ذلك، لا تزال الشركة تمتلك مجموعة من العناوين الناجحة مثل: EA Sports FC و The Sims، إضافةً إلى ألعابها الرياضية الشهيرة مثل Madden NFL، التي تصدرت المبيعات العالمية العام الماضي.
لذلك كانت الشركة – التي عانت أيضًا عدة جولات تسريح للعمال – تبحث عن مسارات جديدة للنمو بعيدًا عن نموذج شراء الألعاب الجديدة المكلفة – التي قد تصل إلى 80 دولارًا – لصالح الألعاب المجانية ذات التحديثات المستمرة.
ويُمثل التحول إلى شركة خاصة إبعادًا للشركة عن ضغوط نتائج الأرباع السنوية ومتطلبات المستثمرين في السوق العام، وتُعدّ قوة شركة (إلكترونيك آرتس) في الألعاب الرياضية، وعلى رأسها Madden NFL، ميزة جاذبة للمستثمرين من القطاع الخاص، إذ توفّر إيرادات متوقعة وثابتة تتماشى مع طبيعة استثماراتهم. كما يتوقع المحللون دفعة قوية للشركة من خلال الإصدار المرتقب للعبة (Battlefield 6) في 10 أكتوبر المقبل.
الدور المحوري لصندوق الاستثمارات العامة السعودي:
يُمثل هذا الاستحواذ أكبر رهان لصندوق الاستثمارات العامة السعودي على قطاع الترفيه التفاعلي، مؤكدًا إستراتيجيته الطموحة في مجال الألعاب الإلكترونية، التي تشمل بالفعل استثمارات كبيرة وحيازة ملكية لشركة سكوبلي (Scopely) – صاحبة لعبة Monopoly Go – مقابل 4.9 مليارات دولار في عام 2023. وتعكس الصفقة التزام الصندوق بالاستثمار في التكنولوجيا وحقوق الملكية الفكرية العالمية.
كما تُعدّ هذه الصفقة خطوة استراتيجية لتحقيق التنويع الاقتصادي والتأثير العالمي للمملكة العربية السعودية، إذ يُنظر إلى الألعاب على أنها اللغة الثانية لعدد كبير من الشباب حول العالم، ومن ثم يمنح هذا الاستثمار المملكة وصولًا مباشرًا ونفوذًا في واحدة من أسرع الصناعات نموًا وتأثيرًا ثقافيًا.
وتعليقًا على هذه الصفقة، أكد تركي النويصر، نائب المحافظ ورئيس الإدارة العامة للاستثمارات الدولية في صندوق الاستثمارات العامة، الأهداف الإستراتيجية وراء هذا الاستثمار، مشيرًا إلى أن صندوق الاستثمارات العامة يتمتع بمكانة فريدة في قطاعي الألعاب والرياضات الإلكترونية العالميين، إذ يعمل على بناء ودعم منظومات متكاملة تربط بين الجمهور والمطورين ومُبتكري حقوق الملكية الفكرية.
وأضاف النويصر أن هذه الشراكة الكبرى تؤكد التزام الصندوق القوي تجاه هذه القطاعات الحيوية، ومن المتوقع لها أن تساهم في مواصلة دفع نمو شركة (إلكترونيك آرتس على المدى الطويل، وفي الوقت نفسه، تغذية الابتكار داخل الصناعة على نطاق عالمي.
ومن جهته؛ قال أندرو ويلسون، الرئيس التنفيذي لشركة (إلكترونيك آرتس): “هذه اللحظة هي اعتراف قوي بعمل فرقنا الرائع، الذي قدم تجارب استثنائية لمئات الملايين من المعجبين وبنى بعضًا من أكثر حقوق الملكية الفكرية شهرة في العالم”.
الخلاصة.. انطلقت اللعبة:
يُشكّل هذا الاستحواذ تحولًا إستراتيجيًا فارقًا، لا يقتصر أثره على مستقبل شركة (إلكترونيك آرتس) كشركة خاصة فحسب، بل يرمز أيضًا إلى انتقال الثروة النفطية السعودية نحو الأصول الرقمية وقطاعات الترفيه التفاعلي، التي تُعدّ ركائز أساسية لمستقبل الاقتصاد العالمي. ومع ضخ استثمارات بهذا الحجم الضخم، تدخل (إلكترونيك آرتس) مرحلة جديدة من النمو والابتكار، مدعومة بقدرات مالية سيادية تُرسّخ مكانة السعودية كقوة رائدة في بناء اقتصاد متنوع ومبتكر ينسجم مع مستهدفات رؤية 2030.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط