اقرأ في هذا المقال
- فائض معروض مزمن يواجه صناعة البتروكيماويات ويضرب أساسيات السوق
- توسع الطاقة الإنتاجية في الصين منذ سنوات سبب رئيس في أزمة الصناعة الحالية
- ارتفاع عدد إغلاقات مصانع البتروكيماويات في أوروبا وبعض أجزاء من آسيا
- تحول الصناعة إلى هوامش أرباح مرضية للمنتجين لن يكون قبل عام 2030
- الخروج السريع من الأصول القديمة وكثيفة الكربون أبرز التوصيات للشركات
توشك صناعة البتروكيماويات العالمية على مواجهة واحدة من أشد أزماتها في التاريخ المعاصر، وسط توقعات بحدوث موجة واسعة من إغلاقات المصانع حول العالم.
وبحسب تحليل حديث -اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن)- تواجه صناعة البتروكيماويات أزمة حادة في فائض المعروض المستمر الذي لا يُتوقع انكماشه على المديين القصير والمتوسط.
ويُعزى هذا الفائض في صناعة البتروكيماويات العالمية إلى أسباب متعددة، أبرزها توسع الطاقة الإنتاجية لا سيما في الصين، وضعف الطلب العالمي، فضلًا عن ضغوط تحول الطاقة في بعض المناطق الرئيسة مثل أوروبا.
وأدى عدم التوازن بين العرض والطلب إلى اختلال أكبر في أساسيات السوق؛ ما هدّد هوامش الربح لدى أغلب المنتجين، ودفع العديد لمراجعة الخطط التشغيلية والمستقبلية.
ملامح أزمة صناعة البتروكيماويات العالمية
يرجع السبب الرئيس لأزمة صناعة البتروكيماويات العالمية الحالية إلى الصين، التي ظلّت تتوسع في الطاقة الإنتاجية منذ سنوات طويلة لأسباب محلية، دون الاهتمام بآثار ذلك في السوق العالمية.
وجاء ذلك ضمن خطط الصين لخفض الاعتماد على استيراد المواد البتروكيماوية، لا سيما البوليمر المستعمل على نطاق واسع في عديد من المنتجات الصناعية الحديثة مثل البلاستيك والمطاط وغيرهما.

وأدى هذا الوضع إلى فائض معروض هيكلي في سوق البتروكيماويات العالمية، مع انخفاض مستمر في معدلات تشغيل المصانع والمنشآت المرتبطة على طول سلسلة القيمة، إذ لم تعد الصين قادرة على استيعاب فوائض الإنتاج العالمي كما كان الوضع في السابق، بل أصبحت مصدرًا رئيسًا لبعض المنتجات البتروكيماوية.
فعلى سبيل المثال، توسعت الطاقة الإنتاجية العالمية للإيثيلين بأكثر من 40 مليون طن بين عامَي 2020 و2025، بقيادة الصين التي استحوذت وحدها على 70% من الطاقة الإنتاجية الجديدة.
ورغم ذلك، فقد ارتفع الطلب العالمي على الإيثيلين خلال هذه المدة بنحو 27 مليون طن فقط، ما أدى إلى انخفاض متوسط معدل تشغيل مصانع الإيثيلين تدريجيًا ليصل إلى 80% -حاليًا-، بحسب تقديرات شركة أبحاث وود ماكنزي.
ارتفاع إعلانات إغلاق مصانع البتروكيماويات
أدى فائض المعروض المفرط إلى تسجيل هوامش ربح سلبية لمنتجي البولي إيثيلين منذ منتصف عام 2022، لكن المصانع المتكاملة نجحت في تعويض ذلك إلى حد ما عبر تحقيق هوامش أرباح إيجابية لمنتجات بتروكيماوية أخرى.
بينما تكبدت المصانع غير المتكاملة خسائر أفدح، نظرًا إلى ارتفاع تكاليفها مقارنة بالمجمعات المتكاملة، ما اضطر العديد منها إلى إعلان الإغلاق المؤقت أو الدائم في أوروبا وأجزاء من آسيا.
وكان من بين عمليات الإغلاق الكبيرة لوحدات التكسير البخاري في آسيا، مصنع لوتي تيتان (Lotte Titan) في ماليزيا، ومصنع لونغ سون (Long Son) في فيتنام (استأنف النشاط في أغسطس/آب 2025)، ومصنع جيه جي سميت (JG Summit) في الفلبين.
كما واجهت المصانع أزمة في كوريا الجنوبية؛ ما دفع الحكومة إلى التدخل لإعادة هيكلة الصناعة، وسط توقعات بأن تؤدي هذه الهيكلة إلى خفض الطاقة الإنتاجية المحلية للبتروكيماويات بنسبة 25%، ما قد يمثّل نهاية لحقبة ظلت فيها كوريا مصدرًا كبيرًا للمواد الكيميائية والبوليمرات، بحسب تحليل وود ماكنزي.
على الجانب الآخر، يشعر المنتجون في الصين بخيبة أمل كبيرة، بعد اتخاذ شركتَي سينوبك وبتروتشاينا إجراءات لإغلاق مرافق الإنتاج القديمة، تمهيدًا لفتح الطريق أمام جيل جديد من مجمعات التكسير المتكاملة مع مصافي التكرير على نطاق واسع.
أما في أوروبا فتبدو الانتكاسة أوضح من المناطق الأخرى، مع تقليص نشاط معظم الشركات الرائدة وأبرزها: داو (Dow)، وإكسون موبيل، وليونديل باسل (Lyondell Basell)، وسابك، وتوتال إنرجي، وفيرساليز (Versalis)، على مستوى القارة أو السعي لخفضه خلال السنوات المقبلة.
كما اتخذت شركة إنيوس (INEOS) ومقرّها لندن، خطوات لإغلاق بعض أصولها في قطاعَي التكرير والبتروكيماويات في أوروبا، بسبب مخاوفها من الوضع غير المستدام لصناعة البتروكيماويات الأوروبية.
وتواجه أوروبا تحديات مركبة على مستوى ارتفاع تكاليف الطاقة من جانب، وتفاقم التكاليف المرتبطة بخفض انبعاثات الكربون بسبب سياسات الاتحاد الأوروبي المناخية من جانب آخر.
نتيجة لهذا الوضع، تبدو مصانع التكسير القائمة على النافثا في أوروبا وبعض أجزاء آسيا، مهددة بصورة كبيرة بتقلبات التكاليف المتغيرة مقارنة بمنتجي الغاز في الشرق الأوسط والولايات المتحدة، ما يضعف من قدرتها التنافسية في أسواق التصدير الرئيسة.
علاوة على ذلك، أسهمت التوترات الجيوسياسية في زيادة تقلبات أسعار المواد الخام. كما أدت التغييرات الأخيرة في سياسات التجارة الأميركية مع الاتحاد الأوروبي إلى زيادة مخاوف السوق واحتمالات الإغلاق للمصانع.
توقعات صناعة البتروكيماويات العالمية وخياراتها
تتوقع وود ماكنزي تباطؤ نمو الطاقة الإنتاجية في صناعة البتروكيماويات العالمية بعد عام 2026، لكن تعافي الصناعة من فائض المعروض المفرط سيحتاج إلى مدة أطول، ما يرجح عدم تحول المنتجين إلى المستويات الربحية المرضية قبل أوائل عام 2030.
كما تتوقع شركة الأبحاث مزيدًا من إجراءات إعادة الهيكلة وترشيد الطاقة الإنتاجية الحالية خلال الأشهر الـ18 المقبلة، ما يرجح زيادة عدد الإغلاقات المؤقتة أو الدائمة في المناطق المتعثرة.
ورغم أن آسيا تشكّل أكثر من نصف الطلب العالمي على البتروكيماويات، ومن المتوقع بقاؤها مركزًا رئيسًا للاستهلاك في المستقبل، فإن طلبها على البتروكيماويات قد يتأثر بارتفاع مستويات ديون المستهلكين وعدم الاستقرار السياسي، بالإضافة إلى احتمالات فرض المزيد من الرسوم الجمركية الأميركية التي ستؤثر في صادرات السلع النهائية.

على الجانب الآخر، تتبنّى معظم دول آسيا إستراتيجية طموحة لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050، ما سيشكل ضغوطًا إضافية على منتجي البتروكيماويات لخفض الانبعاثات من عملياتهم، عبر التحول من المواد الخام الأحفورية التقليدية إلى المواد الخام الحيوية الأعلى تكلفة، فضلًا عن الهيدروجين الأخضر والمواد الكيميائية المعاد تدويرها وغيرها.
كما يتوقع أن تتأثر توقعات المستهلكين بسياسات تحول الطاقة والمناخ مع الوقت، ما يرجح زيادة الطلب على المنتجات الصديقة للبيئة ويزيد من ضغوط الإفصاح والشفافية على طول سلاسل التوريد.
استنادًا إلى هذه العوامل، تواجه صناعة البتروكيماويات العالمية مستقبلًا غامضًا لا تحركه تفاعلات العرض والطلب التقليدية التي ظلت عوامل حاسمة في حسابات اقتصادات الصناعة لعقود طويلة.
وتنصح وود ماكنزي الشركات الفاعلة في الصناعة بضرورة التخارج من الأصول عالية التكلفة وكثيفة الكربون، خاصة الأصول القديمة أو غير المتكاملة، مع إعادة تركيز الاستثمار في قطاعات مستقبلية أو متكاملة ذات إمكانات نمو عالية.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصدر:
تحليل تحديات صناعة البتروكيماويات العالمية من وود ماكنزي.