التجربة التي يقودها حسن عبد الله تعكس قدرة مصر على التعامل مع أزمات معقدة في الاقتصاد العالمي
استطاع أن يعيد صياغة المشهد النقدي عبر سياسات تقوم على المرونة والشفافية
وازن بين متطلبات صندوق النقد الدولي من جهة وحاجات السوق المحلي من جهة أخرى
قدرة «المركزي» على ضبط التوازن جعلت تجربة عبد الله نموذجاً يُحتذى به في إدارة أزمات الاقتصاد الكلي
إشادات واسعة من المؤسسات الدولية والإقليمية، حظي حسن عبد الله، محافظ البنك المركزي المصري، خلال العام الأخير، بعد نجاحه في قيادة السياسة النقدية المصرية وسط واحدة من أعقد واصعب المراحل التي مر بها الاقتصاد العالمي.
وتتويجا لهذه الجهود تم اختياره «عبدالله» ضمن قائمة أفضل محافظي البنوك المركزية في العالم لعام 2025 من قبل مجلة Global Finance العالمية، وحصوله على تقدير «A-»، لم يكن محض صدفة، بل جاء انعكاساً لمسار متوازن اتسم بالجرأة حيناً وبالحذر حيناً آخر.
يعد هذا التقدير من أعلى الدرجات التي تمنحها المجلة، ويؤكد أن السياسات النقدية التي تبناها البنك المركزي تحت قيادته حققت نتائج ملموسة في السيطرة على التضخم، وضمان استقرار العملة، وتحقيق معدلات نمو مقبولة في ظل ظروف محلية وإقليمية معقدة.
لقد دخل عبد الله إلى موقعه في أغسطس 2022 في لحظة فارقة، حيث كان الاقتصاد المصري يواجه موجة تضخمية عنيفة مدفوعة بارتفاع أسعار السلع العالمية بعد الحرب الروسية الأوكرانية، إلى جانب ضغوط محلية مرتبطة بتراجع موارد النقد الأجنبي وتذبذب سعر الصرف، لكن خلال ثلاث سنوات فقط، استطاع أن يعيد صياغة المشهد النقدي عبر سياسات تقوم على المرونة والشفافية، موازناً بين متطلبات صندوق النقد الدولي من جهة، وحاجات السوق المحلي من جهة أخرى.
المؤسسات الدولية لم تتردد في الإشادة بهذه الجهود.. فقد ذكر تقرير صندوق النقد الدولي في مراجعته الرابعة للبرنامج المصري، أن البنك المركزي «أثبت التزاماً واضحاً بسياسات مرنة وشفافة لسعر الصرف، واعتمد أدوات فعّالة للسيطرة على الضغوط التضخمية»، فيما اعتبرت وكالة بلومبرج الشرق أن عبد الله نجح في «إعادة الثقة للأسواق عبر تبني مسار تدريجي أكثر واقعية لإدارة السياسة النقدية».
بيانات البنك المركزي المصري ، كانت قد أكدت أن العام المالي 2024/2025 شهد تراجعاً تدريجياً في معدلات التضخم من ذروتها التي تجاوزت 35% في 2023 إلى نحو 20% في منتصف 2025، وهو إنجاز يُحسب لسياسات نقدية متماسكة.
وبينما يرى كثير من المحللين أن الأوضاع الاقتصادية الداخلية كانت مرشحة لمزيد من الاضطراب، فإن قدرة البنك المركزي على ضبط التوازن بين استقرار الأسعار من جهة والحفاظ على مستويات السيولة الكافية للنشاط الاقتصادي من جهة أخرى جعلت من تجربة عبد الله نموذجاً يُحتذى به في إدارة أزمات الاقتصاد الكلي.
هذا ما دفع Global Finance للتأكيد في تقريرها أن «السيطرة على التضخم وتحقيق أهداف النمو واستقرار العملة وإدارة أسعار الفائدة باستقلالية، هي العوامل التي رفعت تقييم حسن عبد الله إلى واحدة من أعلى الدرجات بين محافظي البنوك المركزية حول العالم».
السيطرة على التضخم.. من الأزمة إلى التراجع التدريجي
منذ توليه منصب محافظ البنك المركزي المصري في أغسطس 2022، وضع حسن عبد الله ملف التضخم على رأس أولوياته، إدراكاً لخطورة استمرار ارتفاع الأسعار على استقرار الاقتصاد الكلي وعلى معيشة المواطنين، فقد شهدت مصر في أعقاب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها العالمية موجة تضخمية غير مسبوقة، حيث تجاوز معدل التضخم السنوي حاجز 35% خلال عام 2023، وهو مستوى لم تشهده البلاد منذ عقود.
هذه الزيادة الحادة ارتبطت بارتفاع أسعار الغذاء والطاقة عالمياً، إلى جانب الضغوط الداخلية الناتجة عن تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار، ما انعكس بشكل مباشر على أسعار الواردات.
تحرك البنك المركزي بقيادة عبد الله بحزمة من السياسات النقدية تستهدف كبح جماح التضخم دون أن تؤدي إلى خنق النشاط الاقتصادي، فقد رفع أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض عدة مرات متتالية، حتى بلغت مستويات قياسية تجاوزت 20% في منتصف 2024.
ورغم الانتقادات الموجهة لهذه السياسة باعتبارها قد تعرقل الاستثمار والإقراض، فإن البنك المركزي بررها بأنها أداة ضرورية لكسر توقعات التضخم ومنع انتقال زيادات الأسعار إلى مستويات أعلى.
لكن عبد الله لم يعتمد على أدوات أسعار الفائدة وحدها.. فقد تبنى سياسة أكثر مرونة في إدارة سعر الصرف، سمحت بتقليص الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازية، وهو ما ساعد تدريجياً على إعادة التوازن بين العرض والطلب على الدولار.
كما شدد البنك المركزي على استخدام آليات السوق في توفير النقد الأجنبي للمستوردين، مع إعطاء الأولوية للسلع الاستراتيجية مثل القمح والأدوية.
ووفقاً لبيانات البنك المركزي، فإن هذه السياسات ساهمت في تقليص معدل التضخم تدريجياً إلى نحو 20% بحلول منتصف 2025، مع توقعات بانخفاضه إلى ما بين 15 و16% بنهاية العام إذا استقرت أسعار الطاقة العالمية.
المؤسسات الدولية رصدت هذه النتائج بوضوح.. ففي تقريره الأخير عن مصر، قال صندوق النقد الدولي إن «السياسات النقدية التي اتبعها البنك المركزي ساعدت على احتواء الضغوط التضخمية، رغم التحديات الاستثنائية التي فرضتها البيئة العالمية».
كما أشارت التقارير إلى أن «عبد الله تعامل بواقعية مع الضغوط، فاختار نهج التدرج في تحرير سعر الصرف بدلاً من الصدمات المفاجئة، وهو ما ساعد على امتصاص جزء كبير من الصدمات التضخمية».
على المستوى المحلي، يرى خبراء الاقتصاد أن حسن عبد الله نجح في تحويل البنك المركزي إلى جهة أكثر شفافية في التعامل مع ملف التضخم.
فقد باتت بيانات التضخم تصدر بانتظام مع توضيحات حول العوامل المؤثرة في ارتفاعها أو تراجعها، فضلاً عن إصدار تقارير دورية تتضمن توقعات مستقبلية للأسعار، ما يعزز ثقة المستثمرين والمواطنين في الوقت نفسه.
وفي هذا السياق، أطلقت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي في يونيو 2025 بياناً جاء فيه أن «السياسة النقدية ستظل ملتزمة بالتحكم في التضخم كهدف رئيسي على المدى المتوسط، مع مراعاة تحقيق التوازن بين استقرار الأسعار ودعم النمو الاقتصادي».
تحقيق أهداف النمو الاقتصادي.. التوازن بين الحزم والتحفيز
إلى جانب مواجهة التضخم، أولى حسن عبد الله اهتماماً كبيراً بتحقيق التوازن بين استقرار الأسعار ودفع النمو الاقتصادي.. فقد كان واضحاً منذ توليه منصب محافظ البنك المركزي أن المعركة ضد التضخم لا يجب أن تأتي على حساب النشاط الإنتاجي والاستثماري، بل ينبغي أن تسير السياسات النقدية والمالية في مسارين متوازيين: ضبط الأسواق من ناحية، وتحفيز النمو من ناحية أخرى.
تشير بيانات وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية إلى أن الاقتصاد المصري حقق نمواً قدره 4.2% في العام المالي 2023/2024، وهو معدل أقل من المستهدف الذي كان يتجاوز 5%. ورغم ذلك، يؤكد الخبراء أن هذا النمو تحقق في ظل ظروف استثنائية صعبة، تشمل أزمة ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء عالمياً، وضغوط سوق الصرف، وتراجع استثمارات الأجانب في أدوات الدين.
فقد أعاد البنك صياغة المبادرات التي كانت قائمة قبل عام 2022، بما يضمن توجيه التمويل إلى القطاعات الأكثر قدرة على خلق فرص العمل وتحقيق عوائد تصديرية.
كما حرص عبد الله على التعاون الوثيق مع الحكومة لتعزيز جهود «التنمية المكانية» من خلال مبادرات مثل برنامج حياة كريمة، الذي يعد أحد أكبر المشروعات القومية في تاريخ مصر.
ورغم أن البرنامج ممول أساساً من الموازنة العامة، فإن البنك المركزي لعب دوراً محورياً في توفير السيولة اللازمة للبنوك الممولة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة داخل القرى والمراكز المستهدفة.
ووفقاً لتقارير رسمية، بلغ حجم التمويلات الموجهة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة أكثر من 400 مليار جنيه حتى منتصف 2025، مما ساهم في خلق مئات الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة.
على صعيد النمو الكلي، كان البنك المركزي حريصاً على توظيف السياسة النقدية كأداة لتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، فقد أعلن عبد الله في أكثر من مناسبة أن الاستقرار النقدي وسهولة تحويل الأرباح للخارج من أهم العوامل التي تحفز المستثمرين على دخول السوق المصري.
وبالفعل، أظهرت بيانات البنك المركزي ارتفاع صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى نحو 11 مليار دولار في العام المالي 2023-2024، مقابل أقل من 9 مليارات دولار في العام السابق.
ولم يغفل البنك المركزي دور التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي في دفع النمو الاقتصادي. ففي إطار «استراتيجية الشمول المالي»، تم توسيع نطاق استخدام المحافظ الإلكترونية، ليصل عددها إلى أكثر من 40 مليون محفظة نشطة بحلول منتصف 2025.
من زاوية أخرى، لعب البنك المركزي دوراً داعماً للقطاع السياحي، الذي يعد أحد أكبر مصادر النقد الأجنبي. فمع استقرار سوق الصرف تدريجياً، تزايدت قدرة الشركات السياحية على الحصول على التمويلات اللازمة للتوسع. وقد أظهرت بيانات وزارة السياحة أن عدد السائحين الوافدين إلى مصر تجاوز 15 مليون سائح في 2024، وهو أعلى مستوى منذ 2010.. هذه الطفرة انعكست إيجابياً على معدل النمو الكلي، وساهمت في تحسين ميزان المدفوعات.
وفي تقييمها لجهود مصر في مجال النمو، قالت بلومبرج الشرق في تقرير حديث إن «حسن عبد الله حاول الحفاظ على خيط رفيع بين كبح التضخم ودفع النمو، عبر مزيج من التشدد النقدي والسياسات التيسيرية الموجهة».
استقرار العملة وبناء الاحتياطيات.. صمام الأمان في السياسة النقدية
يمثل استقرار العملة الوطنية أحد أهم الملفات التي تصدرت أجندة حسن عبد الله منذ توليه منصب محافظ البنك المركزي المصري في أغسطس 2022.
فقد واجه الجنيه المصري تقلبات حادة على مدار السنوات الماضية، تأثراً بالأزمات العالمية والإقليمية، بدءاً من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، مروراً بارتفاع أسعار الطاقة والقمح عالمياً، وصولاً إلى شح تدفقات النقد الأجنبي.
وفي هذا السياق، برز دور عبد الله في إدارة سوق الصرف بحذر شديد لتجنب صدمات جديدة قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
منذ الأيام الأولى لتوليه المنصب، تبنى عبد الله سياسة تقوم على المرونة المدروسة لسعر الصرف، بعيداً عن التثبيت المصطنع الذي كان يؤدي في السابق إلى اتساع الفجوة بين السعر الرسمي والسوق الموازية. ففي عدة بيانات رسمية، أكد البنك المركزي أن هدفه ليس الوصول إلى سعر محدد للجنيه مقابل الدولار، وإنما ضمان انسيابية السوق وتوفير النقد الأجنبي للقطاعات الاستراتيجية، وعلى رأسها استيراد السلع الأساسية والطاقة ومستلزمات الإنتاج.. هذه الاستراتيجية ساعدت في تقليص حدة الاضطرابات، حتى وإن ظلت الضغوط قائمة.
وتشير البيانات الرسمية للبنك المركزي إلى أن حجم الاحتياطيات الدولية ارتفع إلى نحو 46.2 مليار دولار بنهاية أغسطس 2025، مقارنة بـ34 مليار دولار عند بداية 2023.
هذا الارتفاع الملحوظ جاء نتيجة لتدفقات مباشرة من الاستثمارات الأجنبية، إلى جانب عائدات السياحة وقناة السويس وتحويلات المصريين بالخارج، التي تجاوزت 30 مليار دولار سنوياً، ويمثل هذا المستوى من الاحتياطيات خط دفاع أساسياً في وجه أي ضغوط على الجنيه، إذ يوفر غطاءً يقترب من سبعة أشهر من الواردات.
في الوقت ذاته، اتخذ البنك المركزي إجراءات مشددة لضبط السوق الموازية للعملة.. ففي تعاون وثيق مع الجهات الأمنية والرقابية، جرى توسيع نطاق التفتيش على شركات الصرافة والتأكد من التزامها بالأسعار المعلنة، فضلاً عن توجيه البنوك لزيادة المرونة في تلبية طلبات العملاء من النقد الأجنبي.
وقد أسهمت هذه الإجراءات في تقليص الفجوة بين السعر الرسمي والموازي، والتي كانت قد وصلت في بعض الأوقات إلى أكثر من 30%.
كما عمل عبد الله على تعزيز الثقة الدولية في الجنيه المصري عبر سياسات أكثر شفافية، فعلى سبيل المثال، شدد في لقاءاته مع المؤسسات المالية العالمية – مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي – على أن مصر ملتزمة بتنفيذ برنامج إصلاح شامل يتضمن مرونة سعر الصرف، وتحسين بيئة الاستثمار، وخفض الدين العام تدريجياً.
هذه الرسائل طمأنت المستثمرين وأدت إلى عودة جزء من التدفقات المالية الأجنبية إلى أدوات الدين المحلي، خاصة مع ارتفاع العائد عليها.
قرارات محسوبة.. إدارة أسعار الفائدة والاستقلالية السياسية
يُعتبر ملف أسعار الفائدة واحداً من أهم الأدوات التي استخدمها حسن عبد الله منذ توليه منصب محافظ البنك المركزي المصري، حيث مثّل هذا الملف تحدياً مزدوجاً بين السعي لكبح جماح التضخم من ناحية، والحفاظ على جاذبية الاستثمار ودفع النمو من ناحية أخرى.
ومنذ أغسطس 2022 وحتى سبتمبر 2025، واجه البنك المركزي واحدة من أصعب الفترات الاقتصادية التي مرت بها البلاد، وسط صدمات عالمية متلاحقة أدت إلى ضغوط تضخمية عنيفة، كان أبرزها ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع أسعار الفائدة العالمية بقيادة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
اعتمد عبد الله سياسة حذرة تقوم على الموازنة الدقيقة بين تشديد السياسة النقدية عند الضرورة، وتجنب الإفراط في رفع الفائدة بما يضر بالنشاط الاقتصادي.
وتشير البيانات الرسمية للبنك المركزي إلى أنه تم رفع أسعار الفائدة بنحو 300 نقطة أساس خلال عام 2023، ثم ثبتها لفترات طويلة في 2024 و2025 بهدف إتاحة الوقت لامتصاص الأثر، مع مراقبة تطورات الأسواق.
وقد أوضح عبد الله في أكثر من مناسبة أن «السياسة النقدية ليست غاية في ذاتها، وإنما وسيلة لتحقيق استقرار الأسعار ودعم النمو في حدود الإمكانيات».
وعلى الرغم من أن معدلات الفائدة وصلت إلى 21.75% للإيداع و22.75% للإقراض في منتصف 2024، فإن البنك المركزي تجنب أي خطوات متسرعة نحو مزيد من الرفع في 2025، على خلفية تباطؤ معدلات التضخم إلى حدود 25% بعد أن تجاوزت 35% في منتصف 2023.
هذا التباطؤ النسبي فتح المجال أمام التفكير في خفض تدريجي للفائدة مع نهاية 2025 إذا ما استمرت المؤشرات في التحسن، ووفقاً لتقارير عدد من الوكالات العربية والعالمية فإن المستثمرين في أدوات الدين المصرية بدأوا ينظرون بإيجابية إلى هذا النهج، حيث ارتفعت مشتريات الأجانب من أذون الخزانة خلال النصف الأول من 2025 بنحو 3.5 مليار دولار.
أما على صعيد الاستقلالية السياسية، فقد حرص عبد الله على التأكيد الدائم أن البنك المركزي يعمل بعيداً عن أي ضغوط حكومية أو سياسية، في إطار ما يكفله الدستور المصري من استقلالية للسياسة النقدية.
فعلى الرغم من وجود تنسيق دائم بين البنك المركزي والحكومة لضمان توافق السياسات المالية والنقدية، فإن عبد الله شدد على أن قرارات الفائدة أو إدارة سوق الصرف تُتخذ وفقاً لاعتبارات اقتصادية بحتة تستند إلى البيانات والمؤشرات، وليس استجابة لأي اعتبارات سياسية قصيرة الأجل.
كما أشارت وكالة موديز للتصنيف الائتماني في أغسطس 2025 إلى أن «مرونة السياسة النقدية في مصر، مع الحفاظ على درجة من الاستقلالية، ساعدت على تجنب سيناريوهات أكثر صعوبة على العملة والاقتصاد الكلي».
وأوضحت الوكالة أن البنك المركزي اتبع نموذجاً شبيهاً ببعض الأسواق الناشئة الأخرى التي تمكنت من تحقيق التوازن بين السيطرة على التضخم والحفاظ على تدفق الاستثمارات.
على المستوى المحلي، لاقت إدارة عبد الله لملف أسعار الفائدة قبولاً نسبياً من مجتمع الأعمال، رغم انتقاد بعض القطاعات المتضررة من ارتفاع تكاليف الاقتراض.
فقد أشاد اتحاد الصناعات المصرية في بيان صدر في يونيو 2025 بقرار تثبيت أسعار الفائدة عند مستوياتها المرتفعة، معتبراً أن هذه الخطوة «تعكس وعياً بأهمية إعطاء فرصة للقطاع الخاص للتكيف مع الأوضاع الحالية بدلاً من مزيد من الضغوط». في الوقت نفسه، شدد عبد الله في تصريحات متكررة على أن دعم الاستثمار المنتج يظل هدفاً أساسياً، مؤكداً أن البنك المركزي يعمل على إطلاق مبادرات تمويلية موجهة لقطاعات الصناعة والزراعة والتكنولوجيا بفوائد أقل من السوق.
وفي الإطار ذاته، عزز البنك المركزي دور «المجلس التنسيقي للسياسات الاقتصادية»، الذي يضم ممثلين عن الحكومة والبرلمان والقطاع الخاص، بما يتيح مناقشة القرارات النقدية والمالية بصورة أكثر شفافية، ويحد من أي مخاوف بشأن تداخل الأبعاد السياسية مع صلاحيات البنك المركزي.
بين التقدير الدولي واستمرار التحديات
التجربة التي يقودها حسن عبد الله تعكس قدرة مصر على التعامل مع أزمات معقدة في الاقتصاد العالمي.
التقدير الذي حصل عليه المحافظ من Global Finance يمثل اعترافًا بجهود ملموسة في أربعة محاور أساسية: السيطرة على التضخم، دعم النمو، استقرار العملة، وتعزيز استقلالية القرار النقدي، إلا أن المؤسسات الدولية - ومنها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي - تؤكد أن التحديات لم تنته بعد.
فمستويات الدين ما تزال مرتفعة، والتضخم رغم تراجعه يبقى أعلى من المستوى المستهدف على المدى الطويل، والاقتصاد يحتاج إلى إصلاحات هيكلية لزيادة الإنتاجية وتقليل الاعتماد على الواردات.
ومع ذلك، فإن إشادة المؤسسات الدولية، من بينها الأمم المتحدة وصندوق النقد، تعكس الثقة في قدرة القيادة النقدية على استكمال المسار.
ومع استمرار حسن عبد الله في موقعه، يبقى الرهان على أن التوازن بين الاستقرار النقدي والتحفيز الاقتصادي سيُترجم إلى تنمية مستدامة تعود بالنفع على المواطن المصري.
اقرأ ايضا
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.