تعيش مصر في عام 2025 واحدة من أهم محطاتها الاقتصادية الحديثة، حيث تحولت صناعة الذهب من نشاط تقليدي محدود إلى قاطرة تنموية تضع البلاد على أعتاب قائمة أكبر المنتجين عالميًا.
فالذهب لم يعد مجرد معدن نفيس يتم تصديره خاما، بل أصبح مشروعا وطنيا متكاملا يجمع بين الاستكشاف والإنتاج والتكرير والتصدير، ليصنع قصة نجاح اقتصادية تواكب التحديات العالمية وتدعم استعادة التوازن النقدي والمالي للدولة.
اتفاقيات دولية واستثمارات توسع رقعة الإنتاج
شهد منتدى مصر للتعدين في يوليو 2025 انعطافة كبرى في مسار صناعة الذهب في مصر، حيث وقعت مصر اتفاقيات استراتيجية مع كبرى الشركات العالمية، كان من أبرزها اتفاق مع "سنتامين المركزية" التابعة لأنجلو جولد أشانتي للتوسع في استكشاف الذهب والمعادن المصاحبة، واتفاق إطاري مع "باريك جولد" الكندية لتطوير المناجم.
كما أعلنت "شلاتين للثروة المعدنية" عن تجاوز إنتاجها 900 كيلوجرام من الذهب من منجم "إخوان" والتعدين التقليدي، مع خطة طموحة للوصول إلى 6 أطنان في غضون خمس سنوات، وهذه الشراكات أعادت رسم خريطة الاستثمارات، وفتحت الباب أمام توسعات نوعية في الإنتاج.

مناجم استراتيجية تعزز النفوذ الاقتصادي
برز منجم "السكري" كأكبر منجم ذهب في مصر، ليسجل إنتاجا بلغ 246 ألف أوقية في النصف الأول من 2025، بزيادة 9% عن الفترة نفسها من العام الماضي، مما رسخ مكانته كأحد أعمدة الصناعة.
وفي الوقت نفسه، يُمثل منجم "إيقات" في الصحراء الشرقية نموذجا للطموح الوطني، حيث كشف وزير البترول كريم بدوي عن خطط تطويره بالتعاون مع خبراء أستراليين تشمل إنشاء مصنع معالجة بالكربون ومحطات للطاقة والمياه، كما أسست شركة "أتون ريسورسز" الكندية مشروعا مشتركة مع هيئة الثروة المعدنية لاستغلال منجم "أبو مراوات"، الذي يحمل احتياطيات تصل إلى 290 ألف طن من الذهب.
ووفقًا للبيانات الرسمية، بلغ إجمالي إنتاج الذهب والفضة في السنة المالية 2024/2025 نحو 640 ألف أوقية، بارتفاع 14% مقارنة بالعام السابق، فيما ارتفع إجمالي استخراج الخامات التعدينية إلى 26 مليون طن بزيادة 39%. هذه الأرقام تكشف عن تنويع متسارع يعزز قوة الذهب في مصر.
المصفاة المصرية: خطوة لتحويل مصر مركزا عالميا لصناعة الذهب

أعلنت الحكومة في أغسطس 2025 عن إنشاء أول مصفاة ذهب معتمدة دوليا، كخطوة استراتيجية تستهدف إنهاء عصر تصدير الذهب الخام للمعالجة في الخارج، وهذه الخطوة ستحافظ على مليارات الدولارات وتضمن السيادة الكاملة على الثروة الوطنية، مع تحويل مصر إلى مركز إقليمي لتكرير وتجارة الذهب.
تجربة "سام مصر للمعادن الثمينة" منذ 2021 أكدت جدوى التوجه، حيث نجحت مصر من خلالها في تصدير ذهب مكرر إلى أكثر من 143 دولة بقيمة تجاوزت 5 مليارات دولار خلال 2024 وبداية 2025، كما حصلت على اعتماد "مجلس المجوهرات المسؤول" في لندن، ما عزز ثقة الأسواق العالمية ورفع القيمة التصديرية بنسبة 20%.
مصفاة الذهب الجديدة ستضاعف هذه المكاسب عبر تعظيم القيمة المضافة، وتوسيع فرص العمل، وإنشاء صناديق استثمارية مدعومة بالذهب، بما يعزز موقع مصر على خريطة الأسواق العالمية.
مبيعات الذهب والفضة في مصر ترتفع 57%
لم يقتصر النجاح على مستوى الإنتاج، بل امتد إلى المبيعات والعائدات، التي سجلت قفزات استثنائية، فقد بلغت مبيعات الذهب والفضة نحو 1.5 مليار دولار خلال السنة المالية 2024/2025، بارتفاع 57% عن العام السابق، بينما حققت عائدات الثروة المعدنية 446 مليون دولار، بنسبة نمو بلغت 131%.
هذه الأرقام، التي أكدها وزير البترول كريم بدوي، تعكس كيف أصبح الذهب مصدرًا محوريًا للعملة الأجنبية في ظل ضغوط الاقتصاد العالمي، والتأكيد على أنه أصبح أحد أهم ركائز الصناعة في مصر والتي تدر دخلا كبير للاقتصاد الوطني بالعملة الأجنبية.

صادرات الذهب في مصر تقفز بنسبة 194%
قفزت صادرات الحلي والذهب والمعادن الثمينة بنسبة 194% في النصف الأول من 2025 لتصل إلى 3.93 مليار دولار، مقارنة بـ1.34 مليار دولار في الفترة نفسها من 2024، وفي الربع الأول وحده، بلغت الصادرات 3.2 مليار دولار، مع تسجيل الإمارات العربية المتحدة المركز الأول بقيمة 1.85 مليار دولار خلال يناير وفبراير فقط، بزيادة هائلة بلغت 2746%، تلتها سويسرا بارتفاع 50%.
كما بلغ تصدير الخامات التعدينية ـ باستثناء الفوسفات ـ نحو 1.4 مليون طن بقيمة 52.5 مليون دولار، وتستهدف الحكومة المصرية الوصول بعائدات صادرات الذهب إلى 5 مليارات دولار بنهاية 2025، مع خطة استراتيجية لدخول قائمة أكبر 10 مصدرين عالميا بحلول 2027.
احتياطي الذهب في مصر
في خطوة تعكس أهمية الذهب كدرع اقتصادي، أعلن البنك المركزي المصري عن ارتفاع احتياطيات الذهب الرسمية إلى 128.54 طن في الربع الثاني من 2025 مقارنة بـ128.27 طن في الربع الأول، بزيادة قدرها 0.27 طن.
وقدرت قيمة هذه الاحتياطيات بـ11.851 مليار دولار في فبراير الماضي، ما يعزز موقع الذهب كحائط صد أمام تقلبات أسعار العملات وموجات التضخم العالمية التي تعيشها الدول بسبب الصراعات الدولية.
ومن جهته، أكد وزير البترول كريم بدوي، خلال مشاركته في مؤتمر "أفريقيا داون أندر" بأستراليا في سبتمبر 2025 على حزمة إصلاحات جذرية تشمل تحويل هيئة الثروة المعدنية إلى كيان اقتصادي مستقل، وإطلاق منصة رقمية للاستكشاف، وتنفيذ مسح جوي وطني للمناطق التعدينية.
الهدف من هذه الإصلاحات رفع مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي إلى 5-6% خلال السنوات المقبلة، وهذه الخطوات، إلى جانب الاكتشافات الجديدة مثل "أبو مراوات"، تعكس التوجه نحو شراكات دولية مع شركات كندية وسعودية لتوسيع نطاق الاستكشاف والإنتاج.

مزايدة جديدة للتنقيب عن الذهب في مصر
مع اقتراب نهاية 2025، تستعد مصر لطرح مزايدة جديدة للتنقيب في الربع الأول من 2026، كجزء من رؤية 2030 التي تهدف لجعل البلاد مركزا إقليميا وعالميا لصناعة الذهب.
فالإصلاحات التنظيمية، والمصافي المعتمدة دوليا، والشراكات الاستراتيجية، كلها عناصر تؤسس لمرحلة جديدة قد تجعل مصر بين أكبر منتجي ومصدري الذهب على مستوى العالم.
وتكشف الأرقام الرسمية عن قفزة إنتاجية وتجارية جعلت مصر على أعتاب الدخول إلى قائمة كبار المنتجين عالميًا، فالأرقام والإصلاحات والمشروعات تؤكد أن الذهب المصري لم يعد مجرد كنز مدفون في الصحراء، بل أصبح محركا استراتيجيا لاقتصاد أكثر قوة واستدامة، ورافعة جديدة تعيد رسم موقع مصر على الخريطة العالمية.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.