في تطور غير مسبوق يعيد رسم خرائط الحرب والسياسة في الشرق الأوسط، كشف تقرير حصري لصحيفة وول ستريت جورنال عن تفاصيل مثيرة لعملية عسكرية إسرائيلية استهدفت قيادة حركة حماس السياسية في العاصمة القطرية الدوحة.
لم تكن هذه مجرد غارة جوية عابرة، بل كانت عملية معقدة ومتعددة الأبعاد، تشير إلى تحول جذري في استراتيجية إسرائيل ضد الحركة، وتضع المنطقة بأسرها على حافة تصعيد جديد.
ومن المفارقات التي سلط عليها التقرير الضوء، هي التحذيرات التي تلقتها قيادة حماس قبل أسابيع من الهجوم.
فبحسب مسؤولين من إسرائيل والولايات المتحدة وقطر ودول عربية أخرى، قامت تركيا ومصر مؤخرا بتقديم نصائح لقيادة حماس بضرورة تشديد الإجراءات الأمنية حول اجتماعاتها، وذلك في ظل انهيار جهود وقف إطلاق النار.
هذه التحذيرات، وإن كانت غامضة، تُظهر أن الوسطاء الإقليميين كانوا على دراية بوجود تهديد وشيك، وأنهم سعوا لتجنب هذا التصعيد الخطير.
وفقًا للصحيفة، فإن العملية التي جرت في وضح النهار استندت إلى معلومات استخباراتية دقيقة.
في ظهر يوم الثلاثاء، أذن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالعملية بعد أن قدم له قادة الأمن فرصة فريدة لضرب كبار قادة حماس.
كان الهدف هو اجتماع للقيادة السياسية للحركة، تم عقده لمناقشة مقترح جديد لوقف إطلاق النار وتبادل الرهائن برعاية أمريكية.
تفاصيل الهجوم
تضمنت العملية العسكرية نشر ما لا يقل عن 10 طائرات مقاتلة إسرائيلية، أطلقت ذخائر بعيدة المدى على منزل في ضواحي الدوحة الشمالية.
ما يميز هذه العملية هو الدقة اللامحدودة في التنفيذ؛ فقد أفادت الصحيفة أن الطائرات أطلقت صواريخها من خارج الأجواء القطرية، بل ولم تخترق المجال الجوي للمملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة.
كان الاجتماع المستهدف يضم كبار قادة حماس خارج قطاع غزة، ومن بينهم القيادي البارز خليل الحية، المسؤول عن ملف التفاوض، وزاهر جبارين، المسؤول عن عمليات الحركة في الضفة الغربية، بالإضافة إلى محمد إسماعيل درويش، رئيس مجلس الشورى، ونيزار عوض الله، وحتى خالد مشعل، الرئيس السابق للحركة.
هذه القائمة من الأسماء المستهدفة تشير إلى أن الهدف لم يكن مجرد ضربة رمزية، بل محاولة لقطع رأس القيادة السياسية للحركة بالكامل.
أما على الصعيد الدبلوماسي، فقد تسبب الهجوم في توترات كبيرة.
فعلى الرغم من أن إسرائيل أبلغت واشنطن بـ "هجوم قادم" قبل دقائق من انطلاقه، فإنها لم تكشف عن الهدف أو الموقع، مما وضع الإدارة الأمريكية في موقف محرج للغاية.
وأفاد التقرير أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعرب عن "استيائه" من الهجوم وموقعه، خاصة أن قطر تستضيف أهم قاعدة جوية أمريكية في المنطقة.
من جهتها، أدانت قطر الهجوم باعتباره انتهاكًا صارخًا لسيادتها، وذكرت أن المعلومات التي قدمها الجانب الأمريكي جاءت متأخرة جدًا.
غموض حول النتائج ومستقبل الصراع
في أعقاب الضربة، تضاربت الأنباء حول مدى نجاحها.
فبينما أكد نتنياهو أن "أيام تمتع قادة الإرهاب بالحصانة في أي مكان قد ولت"، فإن حماس زعمت أن قادتها الكبار قد نجوا من الهجوم، وأن القتلى هم خمسة من أعضائها من الرتب الأدنى، من بينهم نجل خليل الحية. وقد نقلت الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين أنهم يشككون أيضًا في نجاح المهمة، مما يبقي الباب مفتوحًا أمام التكهنات حول مصير القادة المستهدفين.
تجدر الإشارة إلى أن العملية في الدوحة، بغض النظر عن مدى نجاحها في تحقيق أهدافها العسكرية، تُعد رسالة سياسية واستخباراتية عميقة. إنها تكسر قواعد الاشتباك التقليدية وتُوسع نطاق الصراع، وتُظهر أن إسرائيل مستعدة للمخاطرة بعلاقاتها الدبلوماسية مع حلفائها من أجل تحقيق أهدافها الأمنية.
كما أنها تضع قطر، التي لطالما لعبت دور الوسيط، في موقف جديد، وتُجبر جميع الأطراف على إعادة تقييم استراتيجياتها في ضوء هذا التصعيد الخطير.