نُحاط بالكثير من اللصوص في مختلف المجالات، لكن أصعب أنواع اللصوص هو ذاك الذي يسرق عقلك وقلبك وواقعك، وبالتالي مستقبلك، باسم الدين. إنه يمد يده إلى أعماقك عبر مساحة آمنة من الروحانية المزيفة، فتُسلم له بسهولة.
لقد برعت السينما في التعبير عن هذه الحالة في أكثر من فيلم، ويمكن أن نراها بوضوح في فيلم المليونير الفقير لإسماعيل ياسين، من إخراج حسن الصيفي وإنتاج عام 1959، حيث يتعرض "سُمعة" لسرقة ساذجة بالقطار، إذ يفتح جيب جاكته للراكب الورع التقي ذو اللحية الوقورة – قام بدوره عباس فارس – ليأخذ محفظته، دون أن يخطر بباله الشك في رجل الدين الذي نكتشف في نهاية الفيلم أنه رئيس العصابة.
هذه الشخصية تتشابه بصورة كبيرة مع الشخصية التي قدّمها الفنان سيد زيان في فيلم "البيه البواب" مع النجم أحمد زكي، إخراج حسن إبراهيم وإنتاج عام 1987.
فهو يظهر في القطار أيضًا في صورة المتدين التقي صاحب اللحية، الذي يتحدث بالصلاح والإيمان ويطلب التعاون بالبر مع الصعيدي الغلبان الذي فقد أمواله، ويبدأ بنفسه في جمع التبرعات له، بل ويتطوع ليحمل عنه هذه الأموال بعد أن يأخذ منه حلق زوجته الذهب أيضًا.
لقد خدع جميع الركاب بهذا الزيف المركّب من مظهر خارجي ولحية ولسان طلق حكيم، فسلّم له الجميع وعلى رأسهم الصعيدي المغلوب على أمره، والذي استطاع أن يخيفه من اللصوص الكثيرين المنتظرين بمحطة القاهرة. هذا الخوف من كل المنتظر والقادم يجعله مصدر امانه الوحيد الذي يسلبه كل ما تبقي له بهدوء وسكينة محببه
فعندما يصل القطار يجري بالنهيبة التي خطط لها جيدًا، وأيضًا في آخر الفيلم يظهر هذا التقي على حقيقته نصابًا محترفًا.
الفنان صبري فواز قدّم شخصية "عرابي" المتدين المزيف في فيلم "كلمني شكرًا" إخراج خالد يوسف وإنتاج عام 2010، وذكر في مشهد كوميدي أن للدقن سبع فوائد، وهي: أنها "مطلب جماهيري"، و"تجارة وأكل عيش"، وتضيف "ثقة في المعاملة والبيع والشراء"، و"بتخلي الواحد يهابوه"، و"بتدي الواحد هيبة"، و"بتخليه يشيل هموم أكتر"، و"بتحسس اللي قدامه بالرجولة".
إذن، فإن هذا "المطلب الجماهيري" يُستدعى وقت النكسات لتحقيق انتصارات أخروية لا يمكن إدراكها على أرض الواقع، لكنها تمنح شعورًا بالراحة، خاصة عندما تتفاقم الهموم الاقتصادية والاجتماعية، ويُحاط الإنسان بالإحباط والاكتئاب وغياب الرؤية المستقبلية الواضحة.
لقد أعادت هزيمة 1967 إحياء تلك الجماعات والموجات الفكرية، فوفرت هروبًا آمنًا إلى الماضي المتخيَّل. وكلما كان الانزلاق أشد والتقهقر أعظم، ازدادت الجرعات في التعليم والإعلام، وصولًا حتى إلى برامج الطبخ.
أفيه قبل الوداع:
* كل ما تتزنق
* اقلع؟!
* لا، ركب دقن