يواجه مشروع عربي ضخم لإنتاج الهيدروجين تحديات عدّة قد تكتب نهايته، في ظل التراجع العالمي عن خطط الاستثمار في هذا النوع من الوقود، الذي كان يُنظَر إليه بوصفه وقود المستقبل.
وتخطط شركة أبوظبي لطاقة المستقبل "مصدر" لتحويل الاستثمارات التي كانت مخصصة لإنتاج الهيدروجين الأخضر في الإمارات، نحو تلبية الطلب المتزايد من مراكز البيانات على الكهرباء.
وحسب تقديرات منصة الطاقة المتخصصة، تعكس خطط مصدر الإماراتية المعضلة التي يواجهها مطورو المشروعات الذين اندفعوا بقوة نحو الهيدروجين الأخضر، إلّا أن خطط الاستثمارات توقفت في ظل عدم وجود مشترين.
وتسعى الشركة الإماراتية إلى التركيز على استثمارات توليد الكهرباء من مصادر نظيفة، في إطار مساعيها للوصول إلى 100 غيغاواط من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.
الطلب على الهيدروجين الأخضر
يعكس هذا التحول غياب الطلب على الهيدروجين الأخضر، الذي كان يُنظر إليه بِعَدّهِ محورًا أساسًا في الانتقال نحو الطاقة النظيفة، ما يدفع الشركات إلى إعادة تقييم خططها.
يقول الرئيس التنفيذي لشركة مصدر الإماراتية، محمد جميل الرمحي، إن الطلب على الهيدروجين النظيف جاء أقل من التوقعات، في حين تتزايد احتياجات مراكز البيانات من الكهرباء بوتيرة متسارعة، وهو ما دفع الشركة إلى تعديل مسارها.
وتابع في مقابلة مع وكالة بلومبرغ: "كانت خطّتنا الأصلية تقوم على توليد 6 غيغاواط من الطاقة المتجددة لإنتاج نحو 350 ألف طن من الأمونيا الخضراء"، وهو مركّب يدخل فيه الهيدروجين الأخضر.
وأضاف أن الكهرباء الناتجة عن مشروع محطة طاقة شمسية ضخم، تبلغ تكلفته 6 مليارات دولار في الصحراء، حُوِّلَت لتغذية مراكز البيانات.
وتعدّ هذه هي المرة الثانية التي تتراجع فيها مصدر الإماراتية عن خطط إنتاج الهيدروجين الأخضر، في ظل الضبابية التي تواجهها السوق العالمية، مع ارتفاع التكاليف وضعف الطلب.
وأعلنت الإمارات في وقت سابق نيَّتها تطوير طاقة إنتاجية تبلغ مليون طن سنويًا من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2031، غير أن قرار "مصدر" يجعل تحقيق هذا الهدف أبعد مما كان متوقعًا.
وكانت "مصدر للهيدروجين الأخضر"، التابعة للشركة، قد حدّدت هدفًا يتمثل في تطوير قدرة إنتاجية تبلغ مليون طن سنويًا بحلول عام 2030، لكن الهدف تآكل تدريجيًا مع مرور الوقت.
ورغم وجود بعض المشروعات قيد التطوير، فإن أيًا منها لم يحصل حتى الآن على موافقة لجنة الاستثمار بالشركة.
مشروعات الهيدروجين الأخضر
يعكس قرار "مصدر" التحديات التي يواجهها مطوّرو مشروعات الهيدروجين الأخضر، إذ أجبر ضعف الطلب -نتيجة التكاليف المرتفعة- شركات عدّة حول العالم على الانسحاب من مشروعات قائمة، ما أثار الشكوك حول مستقبل هذه الصناعة.
وقال الرمحي: "اليوم، يواجه الهيدروجين الأخضر ضغوطًا والسوق تنكمش.. كثيرون ممن دخلوا المجال خرجوا منه، لكنّنا ما زلنا فيه".
وأضاف: "علينا أيضًا احترام الديناميكيات العالمية.. إذا أردت إنتاج الأمونيا الخضراء اليوم، فمن سيكون المشتري؟".
تتوافق رؤية "مصدر" مع تصريحات سابقة لرئيس أرامكو السعودية المهندس أمين الناصر، أكد فيها أن تكلفة إنتاج الهيدروجين المرتفعة تمثّل مشكلة، إذ إن أكبر التحديات التقنية في الهيدروجين أنها ما زالت أقل من القدر الكافي لخفض التكلفة.
ولفت الناصر إلى أن شركة أرامكو السعودية قدّرت تكلفة إنتاج الهيدروجين المنتج من الغاز الطبيعي مع تكلفة احتجاز الكربون المنتج من هذه العملية، بما يعادل 200 دولار للبرميل "حسب المعيار الذي يقاس به النفط"، بينما إنتاج الهيدروجين النظيف (الهيدروجين الأخضر) يكلّف ما يعادل 400 دولار لبرميل النفط.

استهلاك الكهرباء في مراكز البيانات
تسعى "مصدر" إلى تعويض بطء خططها في مجال الهيدروجين الأخضر عبر التوجه للاستفادة من الطفرة المرتقبة في استهلاك الكهرباء من قبل مراكز البيانات عالية الاستهلاك للطاقة.
وتتبنّى الإمارات أحدث التقنيات عبر التخطيط لمشروعات ضخمة، في أعقاب زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الشرق الأوسط في وقت سابق من العام.
ومن بين أضخم المشروعات، يُطَوَّر في الإمارات مشروع "ستارغيت" بقدرة 5 غيغاواط، إذ تعتزم شركة "الإمارات للاتصالات المتكاملة" (دو) إنشاء مركز خاص بها بالشراكة مع "مايكروسوفت"، بتكلفة ملياري درهم (545 مليون دولار).
وبحسب تقديرات "سيتي ريسيرش"، فإن تلبية طفرة الطلب على الطاقة في مراكز البيانات عالميًا ستتطلب أكثر من 3 أضعاف الاستهلاك الحالي بحلول نهاية العقد مقارنة بعام 2023، وأوضح الرمحي أن شركته تستعد لمواكبة هذا الطلب المتزايد.
وأضاف الرمحي: "مهمّتي الجوهرية ليست إنتاج الهيدروجين أو الأمونيا أو غيرهما، بل تكمن في توفير القدرة الكهربائية من مصادر خضراء".
من شأن التوسع في الطاقة الخضراء أن يساعد أبوظبي على تحقيق هدفها بإنتاج 60% من الكهرباء من المصادر المتجددة والنووية بحلول عام 2035.
وقال الرمحي، إن "مصدر" تسعى للوصول إلى 100 غيغاواط من القدرة العالمية للطاقة المتجددة بحلول عام 2030، وحققت 51 غيغاواط حتى الآن.
وواجهت شركات أخرى حول العالم تحديات مشابهة في قطاع الهيدروجين الأخضر، إذ أعلنت شركة النفط البريطانية "بي بي" في يوليو/تموز الماضي انسحابها من مشروع ضخم بقيمة 36 مليار دولار في أستراليا الغربية، كما يواجه مطوّر في "نيوم" بالسعودية صعوبات في تسويق إنتاج منشأة ما تزال قيد الإنشاء.
ويُعدّ مشروع "فيرتيغلوب" في مصر، التابع لإحدى الشركات الإماراتية المملوكة للدولة، من بين قلّة من مشروعات الهيدروجين الأخضر في الشرق الأوسط التي وصلت إلى مرحلة الإنشاء.
وحصل مشروع "فيرتيغلوب" في مصر على اتفاق لشراء الإنتاج، عبر آلية مدعومة من الحكومة الألمانية، ما شكّل عاملًا حاسمًا في المضي قدمًا بتنفيذه.
وقال الرمحي، إن مستقبل الهيدروجين الأخضر مرهون بتقارب تكلفته مع ما يُعرف بالهيدروجين الرمادي، المنتج من الوقود الأحفوري عبر عملية تُطلق ثاني أكسيد الكربون في الجو.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر..