أخبار عاجلة
وسام أبو علي يتمرد قرار الأهلي -
إمام عاشور يصدم الأهلي بشروطه للتمديد -
محمد الحنفي يسدل الستار على مشواره التحكيمي -
د.حماد عبدالله يكتب: جودة الحياة في مصر!! -

لا حرب شاملة ولا سلام كاملًا.. إيران على حافة الهاوية ولكن لن تقفز فى الفراغ

لا حرب شاملة ولا سلام كاملًا.. إيران على حافة الهاوية ولكن لن تقفز فى الفراغ
لا حرب شاملة ولا سلام كاملًا.. إيران على حافة الهاوية ولكن لن تقفز فى الفراغ
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بينما يتأرجح الشرق الأوسط على حافة الاشتعال بفعل التهديدات المتبادلة بين واشنطن وطهران، والضربات التى وصلت إلى العمق الإيرانى والاسرائيلي، يتساءل المراقبون إن كانت الظروف الراهنة قد تدفع نحو عودة للمفاوضات أو تقارب وقبول متبادل بين إيران وإسرائيل وأمريكا.

رغم التاريخ الثقيل بالصراعات والدماء والشعارات العدائية، إلا أنه منذ الاطاحة بالشاه الايرانى وتأسيس الجمهورية الاسلامية فى عام ١٩٧٩، ظل جوهر السياسة الأمريكية ثابتا وهو عدم إسقاط النظام الإيرانى رغم معاداته علنا، والاكتفاء بالضغط عليه لمنع طموحه النووى وضبط تمدده الإقليمي، لأن وجهة النظر الأمريكية اعتبرت دائما ترى أن البديل المحتمل للنظام الإيرانى الحالى قد يكون أسوأ، إذ قد يعنى انهيارًا داخليًا يفتح أبواب الفوضى فى دولة مترامية الأطراف إثنيًا ودينيًا، مما يهدد كل المصالح الأمريكية فى الخليج وآسيا الوسطى ويفتح المجال أمام قوى دولية أخرى مثل روسيا والصين لملء الفراغ.

هذا الموقف الأمربكى الثابت ظهر جليًا حتى فى ذروات التصعيد، كما حدث بعد اغتيال قاسم سليمانى فى ٢٠٢٠، حين صرّح ترامب بأنه لا يسعى لتغيير النظام فى إيران، وإنما إجبارها على تغيير سلوكها، وانتهاء بإعلان ترامب المفاجيء فى خضم الصراع الأخير بأن الحرب انتهت وتأكيده أنه لا يرغب فى اسقاط النظام فى إيران، وحافظت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، من أوباما مرورًا بترامب فى ولايته الأولى ووصولًا إلى بايدن، على هذه القاعدة رغم اختلاف تكتيكاتها بين التفاوض المباشر كما فعل أوباما بتوقيع الاتفاق النووى فى عام ٢٠١٥، أو بممارسة سياسة الضغط الأقصى التى تبناها ترامب فى ولايته الثانية بفرض عقوبات غير مسبوقة، أو مزيج بين الاثنين كما حاول ترامب حين أعلن أنه مستعد للتفاوض لكنه لن يقبل إيران نووية، ورغم أن ترامب قام بالتصعيد بالضربات الجوية ضد مواقع تخصيب اليورانيوم الإيرانية بعدما زادت مستويات التخصيب وفق تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا انه أكد أن بلاده لا تخطط لإسقاط النظام الإيراني، وإنما تريد فقط ضمان عدم امتلاكه سلاحًا نوويًا، وهو تصريح ينسجم مع سياسة واشنطن منذ أربعة عقود.

أما إسرائيل، فعلى الرغم من عداوتها المعلنة لإيران واعتبار البرنامج النووى الإيرانى تهديدًا وجوديًا منذ إعلان الخمينى ضرورة إزالة إسرائيل من الوجود، فإنها لم تبادر يومًا إلى تبنى خيار العمل على إسقاط النظام الإيراني، بل إن السياسة الإسرائيلية تركز على إضعاف قدرات إيران عبر ضربات دقيقة واغتيالات لعلماء البرنامج النووى مثل محسن فخرى زاده، مع الحرص على تجنب حرب شاملة قد تنتهى بإسقاط النظام وتخلق فراغًا أمنيًا لا يقل خطورة على إسرائيل عن امتلاك طهران قنبلة نووية، وهذا ما عبر عنه نتنياهو حين أعلن فى خطابه أمام الكونجرس عام ٢٠١٥ أن "الاتفاق السيئ مع إيران أسوأ من عدم وجود اتفاق"، داعيًا إلى تشديد الضغوط والعقوبات بدلًا من إسقاط النظام الذى قد يفتح الباب أمام جماعات راديكالية قد تهدد إسرائيل أكثر من النظام الحالي، ولعل المثير للسخرية أن بقاء النظام الإيراني، بتهديداته المستمرة، يقدم للقيادة الإسرائيلية مبررا دائما لتوحيد الجبهة الداخلية واستمرار الحصول على دعم عسكرى وسياسى أمريكى غير محدود.

ومن جهة إيران، فهى وإن رفعت منذ ١٩٧٩ شعار "الموت لأمريكا" و"الموت لإسرائيل"، ظلت تمارس سياسة براجماتية عند الحاجة، إذ تعاونت سرًا مع واشنطن فى غزو أفغانستان ٢٠٠١ لإسقاط طالبان التى كانت عدوًا مشتركًا للطرفين، وساعدت فى دعم حكومة المالكى فى العراق بما خدم المصالح الأمريكية فى مواجهة تنظيم القاعدة وداعش لاحقًا، كما لم تغلق طهران أبدًا قنوات الاتصال الخلفية مع الولايات المتحدة حتى فى أشد الأزمات، وفتحت إيران بابا للتقارب خلال الهدنة الأخيرة بتلميح لإمكانية التفاوض شرط الحصول على ضمانات بعدم تعرضها لضربات أثناء المفاوضات، وهو ما يثبت أن النظام فى إيران يجيد لعبة التفاوض عند الضرورة.

فى عهد روحانى تحديدًا ظهرت رغبة النظام فى تخفيف العقوبات الدولية المفروضة على ايران عبر تقديم تنازلات فى الملف النووي، وهو ما أفضى لتوقيع الاتفاق النووى فى ٢٠١٥، أما مع وصول رئيسى للحكم، فقد تصاعد الخطاب الأيديولوجى المتشدد، لكنه بقى فى إطار التصريحات أكثر من كونه خطوات عملية لكسر الخطوط الحمراء الأمريكية أو الإسرائيلية بشكل مباشر، لتظل إيران تلعب على حافة الهاوية دون أن تقفز فى الفراغ.

تاريخيًا، بدا واضحًا أن الأطراف الثلاثة تجنبت التصعيد إلى حد الانهيار الكامل للنظام الإيراني، وهو ما يعكس إدراكها جميعًا للمخاطر الكبرى من إسقاطه، لكن هل يمكن لهذه البراجماتية أن تتطور إلى تقارب فعلى أو قبول متبادل؟ حتى اللحظة، تبدو المسألة صعبة فى ظل التطورات الأخيرة، لكن الظروف الاستراتيجية وتعقد الصراع قد يفتحان نافذة محدودة، إذ يدرك قادة إيران أن طموحاتهم النووية أو الإقليمية تؤدى لعزلة قاتلة اقتصاديًا وأمنيًا، فيما تعرف واشنطن وتل أبيب أن أى حرب شاملة ستجر المنطقة كلها إلى أتون صراع لا يمكن السيطرة عليه.

ومع توقيع اتفاق بكين فى مارس الماضى بين السعودية وإيران برعاية صينية، ظهر أول مؤشر على إمكانية مرونة الخطاب الإيرانى تجاه دول المنطقة، مما انعكس لاحقا على العلاقة مع أمريكا ومع إسرائيل بشكل غير مباشر إذا شعر الطرفان بجدية فى تقليص النفوذ الإيرانى فى سوريا ولبنان واليمن.

وفى موازاة ذلك، تأتى التوازنات الدولية كأحد المؤثرات فى هذا الصراع إذ تراقب روسيا والصين أى فرصة لانزلاق العلاقة بين واشنطن وطهران نحو مواجهة شاملة، قد تعيد تشكيل العلاقات الاقليمية وتفتح لهما أبواب التوسع الاستراتيجى فى الخليج وآسيا الوسطى، وتضاعف احتياج دول المنطقة للسلاح الروسى أو الاستثمارات الصينية، وهو ما يجعل موسكو وبكين عاملًا كابحًا لإسقاط النظام الإيرانى حفاظًا على التوازن الذى يخدم مصالحهما الحالية، وفى المقابل، لا تبدو دول الخليج متحمسة لسقوط النظام الإيرانى رغم عدائها له، لأنها تدرك أن تفكك إيران قد يعنى انطلاق موجات نزوح واسعة وظهور جماعات مسلحة منفلتة تزعزع الاستقرار فى المنطقة.

يبقى السيناريو الأكثر احتمالًا استمرار حالة "القبول المسكوت عنه" بين واشنطن وطهران، حيث لا حرب شاملة ولا سلام كاملًا، وإنما إدارة الأزمات وتقاسم مناطق النفوذ من بعيد، أما بين إيران وإسرائيل فالأمر أكثر تعقيدًا، لأن الصدام بينهما قائم على أبعاد عقائدية وعسكرية يصعب تجاوزها فى المدى القريب، رغم ذلك، فإن تاريخ الشرق الأوسط حافل بانعطافات مفاجئة غير متوقعة، وقد يؤدى تغير ميزان القوى داخل إيران نفسها أو تبدل أولويات الإدارة الأمريكية أو الحكومة الإسرائيلية إلى إعادة رسم معادلات الصراع والتفاهم على أسس جديدة، خاصة إذا اتفقت المصالح الكبرى على ضرورة استقرار الشرق الأوسط أمام تصاعد أدوار الصين وروسيا، عندها فقط قد يتحول القبول البراجماتى إلى تقارب تدريجى يغيّر خريطة العلاقات فى منطقة الشرق الاوسط.

من جانب آخر، فإن تأثير العوامل الاقتصادية لا يمكن تجاهله فى هذا السياق، إذ ترى واشنطن أن إبقاء إيران فى دائرة الاقتصاد الخانق وسيلة أكثر فاعلية من أى عمل عسكرى شامل، ويدرك صانع القرار الإيرانى أن العقوبات الأمريكية والأوروبية أرهقت الاقتصاد الإيرانى إلى حد التهديد باضطرابات اجتماعية واسعة، خاصة مع ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، وهو ما يضغط على النظام الإيرانى للبحث عن تسوية تحفظ بقاءه.

فى النهاية، يبقى أن إسرائيل تعتبر أى تسوية نووية بين واشنطن وطهران خطيرة إذا لم تتضمن قيودًا صارمة ودائمة تمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، لذلك فإنها تكثف ضغوطها السياسية على الإدارات الأمريكية وتستخدم نفوذها فى الكونجرس لضمان عدم تمرير اتفاق لا يحقق أمنها، لكن إسرائيل فى الوقت نفسه لا تريد انهيارًا كاملًا لإيران يطلق موجات فوضى قد تصل إلى حدودها عبر العراق وسوريا.

ولذلك فرغم انعدام الثقة التاريخية وشعارات العداء العلنية، فإن الضرورات الاستراتيجية قد تقود الأطراف الثلاثة عاجلًا أو آجلًا إلى تفاهمات تضمن لكل طرف بقاءه ومصالحه فى المنطقة، لأن الشرق الأوسط اليوم لا يحتمل حربًا شاملة، ولا يملك رفاهية فوضى جديدة، وحتى تأتى تلك اللحظة، ستظل إيران وإسرائيل وأمريكا أسرى لعبة توازنات دقيقة، حيث لا غالب ولا مغلوب، بل مصالح متبادلة فى بقاء الوضع مهما كان هشا لكن تحت السيطرة.

711.jpg

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق تراجع الليرة السورية.. سعر الدولار في سوريا اليوم الإثنين 14 يوليو 2025
التالى ترامب يكسر البروتوكول على منصة تتويج تشيلسي بلقب كأس العالم للأندية