أخبار عاجلة
سعر الفضة اليوم الجمعة 11 يوليو 2025 في مصر -

بالبلدي: من الورق إلى الخوارزميات.. اختبار بقاء للمهنة

بالبلدي: من الورق إلى الخوارزميات.. اختبار بقاء للمهنة
بالبلدي: من الورق إلى الخوارزميات.. اختبار بقاء للمهنة
ثمة تحول تقني عميق يجري أمام أعيننا، لا ضجيج فيه ولا إعلان، لكنه يعيد ترتيب علاقة الإنسان بالعمل من جذورها. وفي قلب هذا التحول، تقف مهنة المحاماة في مواجهة اختبار وجودي، لا يتعلق بصلاحيتها، بل بقدرتها على مواكبة أدوات العصر ومفاهيمه الجديدة.

في الوقت الذي تُطلق فيه كبرى الشركات العالمية خططًا لتقليص عدد الموظفين لصالح نماذج الذكاء الصناعي، أصبحت الأسئلة التي كانت تُطرح همسًا في أروقة الجامعات ومعاهد التدريب، تُطرح الآن بصوتٍ عالٍ: هل الذكاء الصناعي سيحل محل المحامي؟ وهل ستبقى المهنة كما نعرفها؟

التقارير الصادرة عن مؤسسات كبرى مثل «فورد»، و«جي بي مورغان»، و«أمازون»، و«Anthropic» لا تُخفي نواياها، بل تُعلنها بوضوح: نصف الموظفين قد يُستبدلون بالآلة، والوظائف التقليدية حتى ذات الطابع التحليلي لم تعد خطًا أحمر. لا حديث هنا عن المصانع فقط، بل عن المكاتب، والمذكرات، والتحليل المالي والقانوني على حدٍ سواء.

ومن اللافت أن بعض قادة التقنية أنفسهم بدأوا يدقّون ناقوس الخطر. ففي تصريح لافت لرئيس شركة «Anthropic» قال بوضوح إن «نصف الوظائف المبتدئة في أمريكا ستختفي خلال خمس سنوات»، محذراً من موجة بطالة لم تشهدها الأسواق الحديثة منذ عقود.

ولعل من المؤشرات المضيئة في هذا المشهد، أن وزير العدل السعودي وهو رئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للمحامين تطرّق لهذا التساؤل بصراحة نادرة خلال مؤتمر المحاماة لعام 2024، حين أشار إلى أن الذكاء الصناعي لن يُغني عن المحامين، بل سيُعزز من كفاءتهم. وأضاف في ردٍ يحمل بُعدًا تربويًا أن من يتصور أن جهازًا ما أو تقنية متطورة قادرة على استبداله كمحامٍ ربما عليه مراجعة اختياره المهني من الأساس.

لكن هذا التصريح رغم أهميته لا يعفي القطاع من واجب الاستعداد. فالمسألة ليست في ما إذا كان الذكاء الصناعي «سيحل مكان» المحامي، بل في ما إذا كان المحامي سيظل يعتمد أدوات ما قبل الذكاء الصناعي، بينما تتحرك المنظومة حوله بسرعة تفوق الاستيعاب.

الحقيقة أن الخطر لا يكمن في الذكاء الصناعي، بل في التقليدية. في أن يُصرّ بعض الممارسين على أداء أدوار يمكن للآلة أن تؤديها بدقة وسرعة أكبر: تلخيص، تنسيق، تحرير، كتابة مكررة... بينما تتراجع مهارات التحليل العميق، وبناء الإستراتيجية القانونية، وفهم السياق الاجتماعي والتشريعي للنزاعات.

ما يجب أن يحدث الآن ليس الصدام مع الذكاء الصناعي، بل التكامل الذكي معه، عبر مسارات استباقية يمكن تلخيصها في الآتي:

• إدراج الذكاء الصناعي القانوني ضمن مناهج كليات القانون، لا كمادة تقنية مضافة، بل كأداة مهنية تمس صلب التدريب القانوني والتفكير التحليلي.

• تطوير مسارات تدريب إلزامية ومستمرة للمحامين، تُمكّنهم من أدوات العصر الرقمي، على غرار ما يُطبّق في كبرى الأسواق القانونية حول العالم.

• استحداث شهادة مهنية وطنية تحت إشراف الهيئة السعودية للمحامين، تُمنح للمحامي أو المستشار القانوني الذي يُتقن أساسيات التعامل مع الذكاء الصناعي في القضايا، العقود، والمشاريع الاستشارية، ويُشترط لنيلها اجتياز برنامج معتمد يشمل مفاهيم الامتثال الرقمي، أدوات البحث الذكي، أخلاقيات استخدام الذكاء الصناعي، وتحليل البيانات القانونية. هذه الشهادة ستكون بمنزلة معيار للجودة والمهنية المستقبلية في السوق القانوني.

• إعادة تصنيف المحامين وفق كفاءات جديدة تشمل التحليل، التمكّن من الأدوات التقنية، وسرعة الإنجاز، لا فقط سنوات الخبرة أو المزاولة التقليدية.

• تشجيع مكاتب المحاماة على التحوّل من النمط الفردي إلى النموذج المؤسسي الذكي، وذلك لا يعني بالضرورة تأسيس شركة كبيرة أو توظيف العشرات، بل يكفي اعتماد نموذج إداري احترافي يتضمن:

• حوكمة داخلية واضحة (مهام، ملفات، تسلسل مسؤوليات).

• استخدام أدوات إدارة القضايا والعقود بشكل رقمي متكامل.

• بناء منصات داخلية بسيطة لتنظيم العمل ومتابعة العملاء.

• تخصيص مسارات تقنية لإدخال الذكاء الصناعي في الصياغة والمراجعة القانونية.

• وضع خطة تطوير سنوية لكل عضو في الفريق، تشمل التدريب، الأتمتة، والتحليل.

ومن المؤكد أن مهنة المحاماة لن تنقرض أو أن ينحسر دور العقل البشري في ممارستها. لكنها ستتبدل. ومن سيبقى ممارسًا لها ليس من يجيد «الورق»، بل من يتقن «الخوارزميات». فالعدالة كانت دائمًا تعتمد على الإنسان، لكنها في هذا العصر ستعتمد على الإنسان الذكي الذي يتقن أدوات العصر.

ولعل من المناسب في هذا السياق أن يُدرس بشكل موضوعي مقترح استحداث رخصة مهنية تقنية للممارسين القانونيين، تعزز من مناعة المحامي في السوق، وتُعيد رسم خريطة التميّز في هذه المهنة النبيلة.

أخبار ذات صلة

 

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق ركن الخط العربي بجناح الأزهر يجذب جمهور معرض الإسكندرية للكتاب
التالى عاجل.. الحكومة تُطلق منصة إلكترونية لتلقي طلبات وحدات سكنية لمستأجري الإيجار القديم