محمد محمود الفخراني
هناك ما يشبه الإجماع بين أبناء قرية نديبة إحدي قري البحيرة المجاورة لحوش عيسي أن الدكتورة ريهان محروس ابنة مدير المعهد الأزهري بحوش عيسي محروس السيد الفخراني هي مجمع جمال وعلم لم ينافسها أحد في قريتها الصغيرة عند منحي فرع النيل الذي تجري مياهه من الغرب إلي الشرق ووسط الماء جزر صغيرة تحوم حولها طيور بيضاء.
عالم القرية لون ذكرياتها وأحاسيسها صوت النورج أيام الحصاد، ورائحة التبن، ورائحة اللبن أول ما يُحلب ورائحة الليمون.
فنحن نلقاها في السابعة عشرة من عمرها وقد حفظت القرآن والمعلقات العشر، ولا غرابة فقد نشأت في بيت دين وتقوي، ولابد أنها أخذت بحلاوة القرآن وأنغامِه قبل أن تتعلم الغوص في معانيه، وانتظمت في التعليم المدني فحصُلت علي ليسانس الحقوق من جامعة طنطا، فكادت الرياضيات تغلُب علي هوي دراستها القانونية ولعلها لو أطاعت هذا الميل القديم لكان لنا منها (خوارزمي أخر) ولكن قدر اللهِ غالب وعاندت الفتاة رغبتها في الحصول علي الدراسات العليا في أحد فروع التعليم الذي تهواه الفتيات ولم تلتحق بالدراسات العلمية مثل أقرانِها وقررت التخصص في القانون الإداري فقد وجدت القانون يسام الهوان والذل في وطنِه وبين أهلِه. وكانت الفتاة ابنة قرية نديبة قد شغُفت بدراسة القانون شغفاً كبيراً، وتبين لها في حداثة عمرها جمالُه العجيب الذي يجمعُ بين قوة الفطرة ودفء العدل، وربما انتقل إليها هذا الإعجاب من القانوني الكبير السهروردي ومن جدِها السيد إبراهيم الفخراني الذي دار حوله النقاش بعد وفاتِه في قريتهِ أنه لو سأل الله لأبره، ذلك أن تجربته الصوفية علمت الناس أن حب الله لا يحتاج إلي أذكار معلبة وأن الصوفية لا تحتاج إلي وسطاء وهي أي ريهان لم تري جدها لأبيها ولكنّها أُعجبت بسيرته إعجاباً أصلياً وذاتياً لأنه قريب من الفطرة بغير تصنع . وعمها محمد عبده الفخراني اشتُهر بإنه مُعلم أجيال البحيرة، وابن عمها الدكتور إيهاب عبده الذي برع في علاج الأوعية الدموية وانتشر صيته في مصر كلها حتي إن أهل البحيرة وقراها يتحدثون عن الدكتور إيهاب عبده حديثاً عجباً ويُرجعون أسباب تفوقِه في علاج الأوعية الدموية لإناس بين اليأس والرجاء ، بين الموتِ والحياة حديثاً يُختلط فيه الواقع بالخيال وإن ابداعُه ناتج عن تأملاته ومناجاته لربِه، وخالها محمد سعد الفخراني الذي ذهب علي رأس الدعاة إلي روسيا وعلّم الناس في بلاد الصقيع كيف يتقربون ويتوسلون بأعتاب الله : كلهم يصدرُ عن ذلك النبع الصافي ولكل واحد منهم رغم ذلك إيقاعه الخاص ومذاقه الخاص وكان حصول ريهان علي الدكتوراة بعنوان المسئولية عن الأشياء غير الحية في القانون المدني مثار إعجاب المنصة التي منحتها الدكتوراة حتي أن قاضي المنصة نظر إليها وإلي والدها الشيخ محروس وولديها الصغيرين ولولا هيبة الأستاذية لحتضنهم جميعاً.
هذه الحادثة الصغيرة كانت بمثابة نقطة تحول في تاريخ دكتورة ريهان محروس الفخراني. هذه المرأة الصغيرة وجيلها وصلون بثقافة القانون وألهبوا حماسة الطامحين.
وكتابُها المسئولية عن الأشياء غير الحية في القانون المدني لا يحوي مجرد قوانين وضعت في قوالب محفوظة ولكنّه سرد أدبي وخليط عجيب من النثر البليغ المحمّل بوقائع التاريخ وكأنها تُشير إلي أننا قد تخلصنا من النظرة الجامدة للقانون المدني.
وتكمُن براعة دكتورة ريهان في إنسياب الأدبية داخل النص القانوني البعيد عن الأعمال اللغوية. ولكنّ هذا الخليط الذي حواه الكتاب سوف يتلألأ فهو بمثابة الؤلؤة بين آلاف الأصداف الفارغة. واحتفت الجامعات بالأبحاث العلمية التي نشرتها في مجلة البحوث القانونية والفقهية بجامعة الأزهر والتي تدلهت ريهان في هواها ومن أجلها هجرت القرية والأهل لتبحث في أروقة الجامعات والمكتبات الكبري وأوقفت العمر علي خدمتها صابرة راضية في أودية القانون والفقه.
وأن المعني الكامل في عكوف امرأة من عمق الريف المصري علي دراسة القانون لا تبتعدُ عن حقيقة أن مثل هذه الدراسات والأبحاث لهي أثمن ما في الإنسان للروح التي نفخها فيه الرحمن ولا تفسير لضعف شوكة أُمتنا إلا إنحلال الهمم في تطبيق القانون وإنحلال اللغة والمعاني التائهة البلهاء.
إن دكتورتنا الجميلة إختلف طريقُها ونشاطِها لأنها إختارت أن تصنع من ثقافتها وفصاحتها حجاباً بينها وبين من ينظر إلي جمال تقاطيعها ويريد أن يتوقف أمامه فإذا به رغم أنفه يجد نفسه مسحوباً إلي دائرة عقلها القانوني.
لم أعطيك إلي فكرة شديدة الإجمال عما صنعته تلك المرأة العاشقة للقانون التي جعلت مواهبها كلها وقفاً علي دراسة القانون. وقديماً قال الشاعر العربي :
بنات حواء أعشاب وأزهار
فاستلهم العقل وأنظر كيف تختار
ولا يغُرنك الوجه الجميل فكم
في الزهرِ سمٌ وكم فالعُشبِ عقار (دواء
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" almessa "