في إطار توجه الدولة المصرية نحو تطوير منظومة النقل الذكي وتعزيز البنية التحتية الحديثة، يواصل الخط الأول من شبكة القطار الكهربائي السريع (السخنة – العلمين – مرسى مطروح) تحقيق تقدم ملموس في أعمال التنفيذ. ليشكل بذلك أحد أبرز المشروعات القومية العملاقة التي تعكس رؤية الدولة في ربط مناطق الإنتاج والاستهلاك، ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق الاستدامة.
تقدم الأعمال الإنشائية على مسار الخط الأول
يمتد الخط الأول بطول 660 كيلومترًا، ويمر بمناطق استراتيجية تربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط. وقد بدأت بالفعل أعمال تركيب القضبان الحديدية في بعض القطاعات، بالتزامن مع تشطيب المحطات التي تم الانتهاء من هياكلها الأساسية.
وفي الوقت ذاته، أنجزت وزارة النقل إنشاء مجموعة من الكباري الحيوية الواقعة على مسار القطار، من بينها كوبري النيل بمنطقة حلوان، وكوبري خور مايو الذي يُعد من أعلى الكباري المنفذة في مصر بارتفاع يصل إلى 80 مترًا، إلى جانب عدد من الأعمال الصناعية الأخرى ذات الطبيعة الهندسية المعقدة.
تصنيع القطارات يسير بالتوازي مع الإنشاءات
في إطار الالتزام بالجدول الزمني للمشروع، يجري تنفيذ أعمال تصنيع القطارات بالتوازي مع إنشاء البنية التحتية. وقد وصل إلى مصر القطار الإقليمي الأول المصنّع من قبل شركة سيمنز الألمانية، بينما تم الانتهاء من تصنيع:
15 قطارًا إقليميًا من طراز ديزيرو (من أصل 34 قطارًا).
5 قطارات سريعة من طراز فيلارو (من أصل 15).
14 جرارًا مخصصًا لنقل البضائع.
ومن المتوقع وصول أول قطار سريع في أغسطس المقبل، في خطوة تمهد لمرحلة التشغيل التجريبي خلال الفترة القادمة.
مكونات الشبكة القومية للقطار الكهربائي السريع
تتكون شبكة القطار الكهربائي السريع من 3 خطوط رئيسية بإجمالي أطوال 2000 كيلومتر، تشمل:
60 محطة بين رئيسية وسريعة وإقليمية.
41 قطارًا سريعًا، 94 قطارًا إقليميًا، و41 جرار بضائع.
ورشتان رئيسيتان للصيانة و6 نقاط دعم وتشغيل فني على امتداد الشبكة.
ويمثل الخط الأول (السخنة – العلمين – مطروح) البداية الفعلية لتنفيذ هذا المشروع الضخم، حيث يشمل 21 محطة (13 محطة قطار سريع و8 محطات قطار إقليمي).
أعمال هندسية فريدة: كباري ضخمة وتقنيات متقدمة
كوبري خور مايو: الأعلى في مصر
يُعد كوبري خور مايو من أبرز المشروعات الهندسية على المسار، ويقع في منطقة 15 مايو، حيث يربط بين ضفتي جبلين يفصل بينهما مجرى سيل. ويتكون الكوبري من 9 محاور خرسانية بطول إجمالي يبلغ 550 مترًا، وعرض 14 مترًا. يصل ارتفاع بعض محاوره إلى 80 مترًا، وهو ما يجعله الأعلى تنفيذًا في مصر حتى الآن.
يتم تنفيذ الهيكل العلوي باستخدام نظام العربات المتحركة (Deck Pushing)، ويضم ثلاث باكيات معدنية، كل منها بطول 60 مترًا، وبوزن إجمالي يصل إلى 2250 طنًا.
كوبري مسار النيل: أول عبور للقطار السريع فوق النهر
يمثل كوبري مسار النيل علامة فارقة في مشروع القطار السريع، كونه أول جسر كهربائي يعبر نهر النيل في مصر، بطول إجمالي يبلغ 2.52 كم. يقع الكوبري جنوب حلوان، بين كفر العلو والمرازيق، ويُنفذ بأيادٍ مصرية خالصة بإشراف الهيئة العامة للطرق والكباري، باستخدام نظام العربات المتحركة (Cantilever Carriage)، الذي يُتيح البناء دون الحاجة إلى دعامات مؤقتة داخل النهر، ما يُسهم في الحفاظ على البيئة الطبيعية وتقليل زمن التنفيذ.
ربط استراتيجي وتنموي بين شرق البلاد وغربها
يمثل هذا المشروع أحد أهم عناصر الربط بين البحرين الأحمر والمتوسط، ليعمل كـ"قناة سويس جديدة" ولكن على قضبان حديدية، تربط بين المناطق الحيوية في البلاد، وتوفر محاور نقل فعالة تخدم:
المجتمعات العمرانية الجديدة (العاصمة الإدارية، 6 أكتوبر، المنيا الجديدة، أسيوط الجديدة).
المدن والمراكز الصناعية (حلوان، 15 مايو، برج العرب).
الوجهات السياحية المتنوعة (الجيزة، سوهاج، الأقصر، البحر الأحمر، مرسى مطروح، أبو سمبل).
المشروعات الزراعية الحديثة مثل: (الدلتا الجديدة، جنة مصر، مستقبل مصر، غرب المنيا، توشكى، شرق العوينات).
أثر اقتصادي شامل وفرص عمل ضخمة
إلى جانب دوره في تحسين منظومة النقل والخدمات اللوجستية، من المتوقع أن يسهم المشروع في:
تحفيز الاقتصاد القومي من خلال زيادة الربط بين مناطق الإنتاج والتصدير.
خلق آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة في قطاعات الإنشاء، التشغيل، الصيانة، والخدمات.
تحسين جودة الحياة عبر تقليل زمن الرحلات، وتخفيف الضغط على الطرق، وتقليل الانبعاثات.
نقلة حضارية نحو مستقبل أكثر استدامة
يمثل مشروع القطار الكهربائي السريع خطوة متقدمة نحو تحقيق رؤية مصر 2030، فهو لا يقتصر على كونه وسيلة نقل حديثة، بل هو أداة استراتيجية للتنمية الشاملة، تربط بين الماضي والمستقبل، وتخدم الإنسان والاقتصاد والبيئة في آنٍ واحد.
مع دخول الخط الأول مراحله النهائية، تصبح مصر على بُعد خطوات من تحقيق ثورة حقيقية في قطاع النقل، تؤسس لعصر جديد من التنقل الذكي والتكامل الجغرافي بين أقاليمها.