فرنسا تبطل مذكرة اعتقال بشار الأسد وتفتح الباب لملاحقته بعد فقدان الحصانة

أبطلت أعلى محكمة في فرنسا مذكرة اعتقال كانت قد صدرت بحق الرئيس السوري السابق بشار الأسد، على خلفية اتهامه باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في سوريا عام 2013، مؤكدة أن المذكرة صدرت بينما كان لا يزال رئيسًا للبلاد، ما يمنحه حصانة وفق الأعراف الدولية، لكنها أوضحت في الوقت نفسه أنه يمكن إصدار مذكرة جديدة الآن بعد أن فقد منصبه رسميًا.

وكان قضاة تحقيق فرنسيون قد أصدروا المذكرة في نوفمبر 2023 بعد تحقيقاتهم في هجمات كيماوية استهدفت مدينة دوما ومنطقة الغوطة الشرقية في أغسطس 2013، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من ألف شخص. ورغم نفي نظام الأسد المتكرر لاستخدام الأسلحة الكيماوية، استمر التحقيق الفرنسي حتى بعد الإطاحة به من الحكم في ديسمبر 2024 على يد جماعات المعارضة التي أصبح زعيمها أحمد الشرع رئيسًا لسوريا.

وأكدت محكمة النقض الفرنسية في بيان رسمي: "الأعراف الدولية لا تسمح بأي استثناء فيما يتعلق بالحصانة الشخصية لرئيس دولة أجنبية خلال كامل فترة ولايته في منصبه، حتى عند ورود اتهامات بارتكاب إبادة جماعية أو جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية."

وأشارت المحكمة إلى أن مذكرة الاعتقال التي صدرت أثناء تولي الأسد لمنصبه تعتبر "باطلة على هذا الأساس"، لكنها أضافت: "يمكن الآن إصدار مذكرة اعتقال جديدة بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لأن الشخص المعني لم يعد في منصب رئيس الدولة."

"فرصة ضائعة للعدالة".. ولكن الطريق ما زال مفتوحًا

من جانبها، اعتبرت ماريانا بينا، كبيرة المسؤولين القانونيين في مبادرة "أوبن سوسيتي جاستس" التي ساهمت في جمع الأدلة ضد الأسد، أن القرار يعد "فرصة ضائعة للعدالة"، لكنها أكدت في تصريحات لها أن قرار المحكمة بالموافقة على نظر القضية يعكس تنامي الرغبة في الطعن على مبدأ الحصانة، ويمثل خطوة جديدة نحو إمكانية محاكمة الأسد بعد مغادرته منصبه.

تحركات قضائية مستمرة في فرنسا

وفي سياق متصل، كان مسؤولون قضائيون فرنسيون قد أصدروا في يناير الماضي مذكرة اعتقال منفصلة بحق الأسد، تتهمه بالتواطؤ في ارتكاب جرائم حرب، واستهداف المدنيين عمدًا، وذلك في إطار تحقيقات تتعلق بمقتل المواطن الفرنسي السوري صلاح أبو نبور خلال قصف على الأراضي السورية عام 2017.

وكان بشار الأسد قد فر إلى روسيا في ديسمبر الماضي بعد هجوم مباغت شنته قوات المعارضة، أنهى حكم عائلته في سوريا المستمر منذ عقود.

ورغم أن إصدار مذكرات اعتقال بحق رؤساء دول خلال فترة ولايتهم أمر نادر بسبب مبدأ الحصانة الدولية، إلا أن القانون الدولي يتيح استثناءات في حال توجيه اتهامات بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو إبادة جماعية، وهو ما تستند إليه فرنسا التي تسمح برفع مثل هذه الدعاوى أمام محاكمها.

ويعد قرار محكمة النقض الفرنسية اليوم خطوة قانونية مهمة تعكس اتجاهًا متزايدًا نحو تعزيز المساءلة عن الجرائم الكبرى، وسط ترقب لخطوة الادعاء الفرنسي بإصدار مذكرة جديدة بحق الأسد لملاحقته قضائيًا بعد فقدانه الحصانة الرئاسية.