اقرأ في هذا المقال
- النفط والغاز الروسيان يُشكّلان أهمية بالغة بالنسبة لأنقرة، بفضل تفوقهما السعري
- التحالف الأميركي التركي المُتطور في مجال الغاز المسال يتبلور عنصرًا أساسًا في علاقاتهما
- روسيا تُوفّر حاليًا حصة كبيرة من النفط الخام المُعالج في مصافي تركيا الرئيسة
- نفقات الطاقة لا تمثّل سوى عنصر واحد بمؤشر الأسعار الإجمالي في تركيا
تتعرض واردات تركيا من النفط والغاز الروسيين -من المصادر المهمة التي تعتمد عليها مصافي التكرير في البلاد- لضغوط من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بهدف إيقافها وتقليص إيرادات روسيا منها.
خلال اجتماع ثنائي عُقد في البيت الأبيض في سبتمبر/أيلول 2025، حثّ ترمب نظيره التركي رجب طيب أردوغان على التوقف عن شراء النفط الروسي، إذ يرى ذلك إجراءً حيويًا لتقليص إيرادات موسكو من الطاقة خلال حرب أوكرانيا الدائرة.
وتعدّ الولايات المتحدة تركيا والهند والصين حلفاء رؤساء في حملتها لإضعاف القوة المالية لروسيا من خلال فرض قيود على واردات الطاقة واستعمال النفوذ الدبلوماسي.
وما تزال واردات تركيا من النفط والغاز الروسيين تمثّل أهمية بالغة بالنسبة لأنقرة بفضل تفوّقهما السعري، وتوافقهما مع مصافي التكرير الحالية، وخطوط الأنابيب المتينة، ما يُعقّد أيّ وقف سريع لها في المستقبل القريب.
التعاون في مجال الطاقة بين تركيا وأميركا
تعمل تركيا والولايات المتحدة على تعزيز تعاونها في مجال الطاقة.
في سبتمبر/أيلول 2025، أبرمت أنقرة اتفاقيةً محوريةً لاستيراد الغاز المسال لمدة 20 عامًا، بقيمة تُقدَّر بنحو 43 مليار دولار، بين شركة بوتاش الحكومية التركية (BOTAŞ) وشركة ميركوريا السويسرية (Mercuria)، حيث تُسلّم نحو 4 مليارات متر مكعب سنويًا من عام 2026 إلى عام 2045.
وسيخضع الغاز المسال، الوارد من نقاط التصدير الأميركية، لعملية إعادة تغويز ليناسب أسواق تركيا وأوروبا وشمال أفريقيا، مُحققًا إيرادًا قدره 2.15 مليار دولار سنويًا.
وتُوسّع هذه الاتفاقية خيارات تركيا في مجال الطاقة، وتُقلّل من حاجتها إلى إمدادات خطوط الأنابيب الروسية، وتُعزز رؤيتها في أن تكون نقطة تبادل رئيسة للغاز في جنوب شرق أوروبا ومنطقة البلقان.
ويتبلور التحالف الأميركي التركي المُتطور في مجال الغاز المسال عنصرًا أساسًا في علاقاتهما، مُتماشيًا مع جهود أنقرة المكثفة لتنويع مصادر الدخل مع اقتراب انتهاء صلاحية العديد من اتفاقيات خطوط الأنابيب الروسية الرئيسة في عام 2026.
من ناحية ثانية، أبرمت تركيا اتفاقيةً أوليةً للغاز المسال مع شركة وودسايد إنرجي الأسترالية (Woodside Energy)، من المقرر إطلاقها في عام 2030، ما يُبرز خطةً مُدروسةً لتقليل نقاط الضعف من المصادر الروسية.
وتُظهر هذه الخطوات سعي أنقرة إلى مُواجَهة إلحاح الولايات المتحدة على حاجتها إلى طاقة مستقرة بأسعار معتدلة، مع العمل المنهجي على بناء نظام إمداد أوسع وأكثر صرامة.

آثار وقف واردات تركيا من النفط والغاز الروسيين
سيؤدي وقف واردات تركيا من النفط والغاز الروسيين إلى تعطُّل إمدادات الطاقة في البلاد بشكل كبير.
وتُوفّر روسيا حاليًا حصة كبيرة من النفط الخام المُعالج في مصافي التكرير الرئيسة في تركيا، حيث تستورد بعض المحطات ما يصل إلى 90% من موادها الخام من روسيا.
وسيؤدي التوقف الفوري لواردات تركيا من النفط والغاز الروسيين إلى فجوات في الإمدادات وتحديات لوجستية.
رغم ذلك، سعت تركيا إلى بدائل، بما في ذلك الاستيراد من البرازيل ومنتجين آخرين، لكن هذه البدائل لم تُضاهِ تمامًا مزيج روسيا من حيث الحجم والتسعير وكفاءة النقل.
ويُعدّ النفط الخام غير الروسي أغلى ثمنًا وأقل استقرارًا عمومًا، ما قد يرفع التكاليف على المصافي والمستهلكين الأتراك.
ويزيد الاعتماد على الغاز الطبيعي من تعقيد الوضع، إذ يُعدّ الغاز الروسي المُرسل عبر خط أنابيب "ترك ستريم" محوريًا لتوليد الكهرباء واحتياجات التدفئة في تركيا.
وسيتطلب استبدال هذا العرض بسرعة زيادة واردات الغاز المسال أو تسريع الإنتاج المحلي، وهي إجراءات يصعب تنفيذها على المدى القصير دون المخاطرة بحدوث نقص أو ارتفاع حادّ في الأسعار.
بدوره، يُضيف حظر الاتحاد الأوروبي لعام 2026 على المنتجات الروسية المُكررة مزيدًا من التعقيد، مُلزمًا مصافي تركيا بالتكيف مع أنواع النفط الخام الجديدة.
إلى جانب ضغوط العقوبات، قد يُفرض هذا أعباء تشغيلية ومالية جسيمة.
على المديين القصير والمتوسط، قد تُضعف اضطرابات واردات تركيا من النفط والغاز الروسيين الإنتاج الصناعي والنمو الاقتصادي ما لم يُعوّض عنها بمورّدين جدد وتوسُّع في قطاع الطاقة المحلي.
وفي الوقت نفسه، تسعى تركيا إلى إستراتيجيات طويلة الأجل، مثل تطوير غاز البحر الأسود وتنويع مصادر الغاز المسال، لتقليل الاعتماد على الطاقة الروسية، إلّا أن هذه الجهود ستستغرق سنوات حتى تتحقق بالكامل.
إستراتيجيات تقليل الاعتماد
تستند الخطة الرامية لتقليل واردات تركيا من النفط والغاز الروسيين إلى نهج شامل يجمع بين تنويع الموردين، ونمو الإنتاج المحلي، والتغييرات التشغيلية.
ويتمثل أحد العناصر الأساسية في توسيع مصادر النفط الخام من خلال تعزيز عمليات الاستحواذ من دول مثل البرازيل، والسعي إلى صفقات جديدة مع منتجين خارج روسيا، بهدف تقليص هيمنة موسكو الحالية البالغة 60% على إمداداتها.
ويساعد هذا النهج على حماية تركيا من التقلبات السياسية، مع تعزيز هدفها المتمثل في بناء تحالفات طاقة مرنة ودائمة.
على صعيد آخر، تعمل تركيا على زيادة إنتاجها النفطي، بهدف الوصول إلى 132 ألف برميل يوميًا بحلول عام 2026.
ويؤدي الاستكشاف النشط في المناطق الغنية بالنفط مثل "جبار" وعلى طول الحدود السورية دورًا حاسمًا في زيادة الإيرادات المحلية، وتعزيز الاكتفاء الذاتي، والوقاية من تقلبات الأسواق العالمية.
واستكمالًا لجهودها في توفير مصادر النفط الخام، تعمل تركيا على تعزيز تمويل الغاز المسال ومصادر الطاقة النظيفة.
وتهدف الواردات المتزايدة من الغاز المسال الأميركي وشركاء دوليين مختلفين إلى الحدّ من الاعتماد على الغاز الروسي المنقول عبر الأنابيب، لا سيما مع انتهاء العقود في عام 2026.
ويدعم هذا التحول طموح تركيا في أن تصبح مركزًا رئيسًا لتوزيع الغاز في جنوب شرق أوروبا ومنطقة البلقان.
بالمثل، تُسرّع الالتزامات بمبادرات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح عملية التحول إلى الطاقة المستدامة، والحدّ من استعمال الوقود الأحفوري، والتوافق مع الأهداف البيئية المستدامة.
وتستعد مصافي التكرير لحظر الاتحاد الأوروبي لعام 2026 على المنتجات الروسية المكررة، حيث تُجري شركات كبرى مثل توبراش (Tüpraş) تعديلات على منشآتها للتعامل مع أنواع بديلة من النفط الخام -وهي عملية تتطلب تعديلات تقنية وإستراتيجيات استشرافية لمنع حدوث اختلالات في الإنتاج.
وتشير التقييمات المالية إلى أنه على الرغم من أن هذه الخطوات تنطوي على تكاليف أولية، فإنها لن تُسبب اضطرابات داخلية كبيرة.
وقد تواجه شركات مثل توبراش (أكبر شركة تكرير نفط في تركيا) ضغوطًا على أرباحها نتيجة ارتفاع تكاليف الشراء وعقبات التوريد، إلّا أن ضغوط الأسعار على الاقتصاد ستظل تحت السيطرة.
ووقد تجاوزت تركيا هذه التحديات ببراعة من خلال الالتزام بالعقوبات، مع تنويع الموردين بذكاء لتوزيع النفقات.

وتُعدّ تكاليف تجديد سلاسل التوريد وتطوير المصافي ملموسة، لكنها قابلة للضبط، لا سيما في ظل التركيز الحكومي الشامل على تنويع المصادر، ونمو الغاز المسال، واعتماد الطاقة المتجددة.
خلاصة القول، تُحوّل إستراتيجية تركيا نقاط الضعف الحالية إلى فرص لتعزيز الاستدامة، ما يُهيّئ البيئة لقطاع طاقة أكثر استقرارًا وتنوعًا.
تداعيات خفض واردات النفط الروسي
من الطبيعي أن يؤدي خفض واردات تركيا من النفط والغاز الروسيين إلى زيادة نفقات الشراء في تركيا، إذ ستخسر خام الأورال المخفّض السعر، ما سيضغط على أرباح شركات المعالجة مثل توبراش.
ومن المتوقع أن تُجنّب المبادرات الحالية لتوسيع خيارات التوريد -من خلال مورّدين بدلاء وزيادة تدفقات الغاز المسال- قفزات حادة في تكاليف الوقود المحلية.
وسيكون تأثير خفض واردات تركيا من النفط والغاز الروسيين في التضخم متواضعًا عمومًا، نظرًا لأن الطاقة تُشكّل جزءًا فقط من مؤشر الأسعار التركي، حيث تُؤثّر إجراءات البنك المركزي وتقلبات أسعار الصرف بشكل أكبر في التكاليف اليومية.
من جهتها، ستواجه مصافي التكرير نفقات مرتفعة، لا سيما مع القيود الوشيكة التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على الوقود المكرر الروسي بحلول عام 2026، التي ستتطلب تعديلات على التعامل مع أنواع النفط الأخرى.
يتوقع الخبراء أن أسواق تركيا القابلة للتكيف، ومزيج المورّدين المتميز، والطرح التدريجي، ستُخفّف من وطأة هذه التغييرات بشكل كبير.
نتيجةً لذلك، وعلى الرغم من أن هوامش الربح قد تتقلص، فإن التهديدات الأوسع للتضخم تُعدّ قابلة للإدارة، ما يُمكّن تركيا من اجتياز هذا التغيير بأقل قدر من الضغط على إمدادات الطاقة أو وضعها المالي.
توقعات أسعار الوقود على المدى القصير
على المدى القريب، قد يؤدي وقف واردات تركيا من النفط والغاز الروسيين إلى ارتفاع أسعار الوقود في تركيا بنسبة تتراوح بين 3% و7%، أي ما يعادل زيادة تتراوح بين 0.04 و0.09 دولار للّتر الواحد عن المتوسط الحالي البالغ نحو 1.30 دولار.
ويعزى هذا الارتفاع الطفيف بشكل رئيس إلى ارتفاع تكاليف الشراء بعد الاستغناء عن خام الأورال مخفّض السعر، بالإضافة إلى التغيرات في لوجستيات التوريد وطرق المعالجة.
إلى جانب ذلك، من غير المرجّح أن يؤدي وقف ذلك إلى ضغوط تضخمية كبيرة، إذ لا تمثّل نفقات الطاقة سوى عنصر واحد في مؤشر الأسعار الإجمالي في تركيا.
وقد تحمي الإجراءات الرسمية -مثل الدعم قصير الأجل، والتعديلات الضريبية، أو اللجوء إلى مخزونات الطوارئ- المشترين من الارتفاعات المفاجئة في الأسعار.
وتشير الاتجاهات السابقة إلى أن ارتفاع أسعار الوقود بنسبة 1% يرتبط عمومًا بارتفاع بنسبة 1.3% في التضخم السنوي، ما يشير إلى أنه على الرغم من أن الأسر والشركات قد تواجه ضغوطًا طفيفة، فإن التداعيات الاقتصادية المباشرة ستظل محدودة نسبيًا.
ومن شأن استمرار تركيا في السعي للتعامل مع مورّدين متنوعين في إدارة مصادر متعددة أن يسهّل عملية التحول ويجنّب التقلبات الجامحة في أسواق الطاقة المحلية.

تحديات التوقف التام
حتى في ظل تكثيف الجهود الأميركية لقطع روابط الطاقة مع روسيا، يُثبت وقف واردات النفط الروسية تمامًا صعوبة بالغة بالنسبة لتركيا.
وتكمن المشكلة الأساسية في الفوائد المالية: فالنفط الروسي -خصوصًا خام الأورال- ما يزال يُقدّم أسعارًا أعلى مقارنةً بالعديد من الخيارات الدولية، ما يجذب المصافي التركية الحريصة على إدارة نفقاتها.
إضافة إلى ذلك، يُشكّل تصميم المصافي عائقًا داخليًا، فقد ضُبِط جزء كبير من مصانع المعالجة التركية، مثل تلك التي تديرها شركة توبراش، لسنوات، لمعالجة الأنواع الروسية بأقل قدر من الهدر.
وسيتطلب التحول المفاجئ إلى أنواع أخرى وتحديثات باهظة الثمن، وقد يُضعف الأداء التشغيلي والأرباح، ما يزيد من الأعباء الاقتصادية خلال مدة من التضخم المستمر.
من جهة ثانية، تتقدم الجهود المبذولة لتنويع المورّدين، إلّا أن المصادر الأخرى لا تُضاهي روسيا من حيث الحجم والموثوقية والفعالية من حيث التكلفة.
وتتزايد الواردات من دول مثل البرازيل والعراق وقازاخستان، لكنها لا تُعادل مساهمة روسيا الكاملة دون تضخيم تكاليف الاستحواذ.
وبغضّ النظر عن الناحية الاقتصادية، يجب على أنقرة أن تُراعي الحذر في الشؤون الخارجية.
وتهدف تركيا إلى الحفاظ على حسن النية مع واشنطن والاتحاد الأوروبي، اللذين يعدّان علاقات روسيا في مجال الطاقة نقاط ضعف محتملة، وفي الوقت نفسه، تُقدّر تعاونها العملي مع موسكو، الذي يشمل التجارة والشؤون العسكرية واستقرار المنطقة.
وتعوق هذه السياسة المُعقّدة قدرة تركيا على التكيّف مع التغيرات المفاجئة، ما يُبرز جاذبية التخفيض التدريجي لاعتمادها على النفط الروسي بدلًا من التوقف التام.
وعلى الرغم من أنه يُمكن لتركيا تقليل اعتمادها على النفط الروسي تدريجيًا من خلال التنويع وتكييف البنية التحتية، فإن التوقف المفاجئ سيكون مُدمّرًا اقتصاديًا وحساسًا جيوسياسيًا.
وتهدف إستراتيجية تركيا المتطورة -التي ترتكز على صفقات الغاز المسال، وتنمية الموارد المحلية، وتعديلات المصافي- إلى موازنة هذه الضغوط المتنافسة، مع تعزيز أمن الطاقة على المدى الطويل.
الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..