في مشهد يعكس متانة العلاقات الاستراتيجية بين مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة، تتوالى الاتفاقيات الاستثمارية الكبرى التي تُعيد رسم خريطة الاقتصاد المصري وتفتح آفاقًا جديدة للنمو. فمن تطوير مناطق لوجستية وصناعية عند مداخل قناة السويس، إلى إطلاق مشروع رأس الحكمة العملاق على الساحل الشمالي باستثمارات تُقدّر بعشرات المليارات من الدولارات، باتت الشراكة المصرية-الإماراتية عنوانًا بارزًا لمرحلة اقتصادية جديدة
عمق العلاقات المصرية-الإماراتية وتأثيراتها الاقتصادية الكبرى
ويسلط تحيا مصر الضوء على أهم هذه الاستثمارات، انعكاساتها المباشرة على الاقتصاد الوطني، ورؤى الخبراء والمحللين حول دلالاتها الإستراتيجية.
محاور التعاون والاستثمارات الإماراتية
وفي ذات السياق، شهد شهر فبراير 2024 توقيع صفقة استثمارية هي الأكبر في تاريخ مصر، حيث أعلن صندوق أبوظبي (ADQ) عن ضخ 35 مليار دولار لتطوير منطقة رأس الحكمة بالساحل الشمالي.
وقد جرى تخصيص 24 مليار دولار للاستحواذ على حقوق التطوير، فيما تم تحويل 11 مليار دولار من ودائع الإمارات في البنك المركزي المصري إلى استثمارات مباشرة، وهو ما وفر دعمًا فوريًا لاحتياطيات النقد الأجنبي
جدير بالذكر أن مصر ستحصل على 35% من أرباح المشروع، ما يعكس توازنًا في الشراكة ويؤكد حرص الجانبين على ضمان عوائد مستمرة.
كما واصلت مجموعة موانئ أبوظبي تعزيز حضورها عبر اتفاقيات مع المنطقة الاقتصادية لقناة السويس لتطوير منطقة صناعية ولوجستية في شرق بورسعيد على مساحة 20 كيلومترًا مربعًا، بعقد امتياز يمتد لـ 50 عامًا. هذا المشروع يُعزّز مكانة مصر كمركز محوري للتجارة العالمية، ويُضاعف من قدراتها في خدمات الشحن والتخزين والتصنيع الخفيف.
وفي سياق متصل، تم توقيع اتفاقيات لتطوير وتشغيل ميناء سفاجا، إلى جانب التعاون في قطاع الطاقة من خلال مشاريع مشتركة في مجالات التخزين النفطي والطاقة المتجددة، وهو ما يعكس تنوع الاستثمارات الإماراتية بين قطاعات النقل، السياحة، الصناعة، والطاقة.
التأثير الاقتصادي المباشر
صرّح مراقبون اقتصاديون أن هذه التدفقات الاستثمارية ساهمت في تخفيف أزمة النقد الأجنبي التي عانت منها مصر خلال السنوات الأخيرة، كما منحت البنك المركزي متنفسًا في إدارة التزامات الدين الخارجي.
على الجانب الآخر، فإن مشروع رأس الحكمة وحده مرشح لجذب 8 ملايين سائح سنويًا عند اكتماله، إلى جانب خلق مئات آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، مما يساهم في تنشيط قطاعات السياحة والعقارات والخدمات اللوجستية
واستكمالا لعرض نتائج عمق العلاقات الدولية وتكثيف إطلاق المشاريع الضخمة وجذب العديد من المشاريع الاستراتيجيةبين البلدين، أدت هذه الاستثمارات إلى تحسين النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري لدى وكالات التصنيف الائتماني العالمية، حيث اعتُبرت مؤشرًا على ثقة رؤوس الأموال الأجنبية في السوق المصرية واستقرارها النسبي
آراء الخبراء والمحللين الدوليين
صرّح الدكتور أحمد غنيم، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، قائلاً: "هذه الصفقة ضخمة بالنسبة لمصر، خاصة مع اقترانها بالاتفاق المرتقب مع صندوق النقد الدولي... يمكن القول إنها ستمنح الاقتصاد المصري فترة من التنفس لعامين أو ثلاثة على الأقل."
ومن جانبه، أوضح وليد جاب الله، عضو جمعية الاقتصاد السياسي والتشريع: "الصفقة تمثل اختراقًا مهمًا في جهود القاهرة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، كما تُسهم في إنهاء واحدة من أصعب أزمات النقد الأجنبي."
وفي ذات السياق، أكد أبو بكر الديب، مستشار مركز الأبحاث والدراسات العربية: "مصر ستحصل على 35% من عوائد المشروع، ومن المتوقع أن يوفر المشروع ملايين فرص العمل خلال التنفيذ وما بعده."
وأكدت مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري، ان: "هذه الودائع والاستثمارات تُعد الأكبر في تاريخ مصر الحديث، وتمثل دفعة قوية لاستقرار الاقتصاد الكلي."
من رأس الحكمة إلى موانئ شرق بورسعيد، ومن الطاقة إلى السياحة، تؤكد الاستثمارات الإماراتية في مصر أن العلاقة بين البلدين لم تعد مجرد شراكة سياسية، بل أصبحت ركيزة اقتصادية محورية تُعيد صياغة ملامح المستقبل. وبينما تحصد مصر ثمار هذه التدفقات المالية الضخمة، تبقى المسؤولية قائمة في ضمان توظيفها بما يخدم خطط التنمية ويُحقق مصلحة المواطن المصري
