تواجه روسيا نقاشًا اقتصاديًا حساسًا بعد أن كشفت مصادر مطلعة لوكالة "رويترز" أن الحكومة الروسية تدرس رفع ضريبة القيمة المضافة من 20% إلى 22%، في خطوة تهدف إلى تقليص العجز المتنامي في الموازنة العامة والحفاظ على احتياطيات الدولة المالية.
ويأتي هذا التوجه في وقت يشهد الاقتصاد الروسي ضغوطًا متزايدة، خاصة مع اتساع فجوة العجز الفيدرالي الذي بلغ 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الجاري، أي أكثر من ثلاثة أضعاف التقديرات السابقة. وبحسب الحسابات الأولية، فإن زيادة ضريبة القيمة المضافة بمقدار نقطتين مئويتين قد تساهم في خفض عجز موازنة عام 2026 إلى النصف تقريبًا.
تعهدات بوتين السابقة
كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن في عام 2024 التزامه بعدم إدخال تغييرات ضريبية كبرى قبل عام 2030، لكنه شدد في تصريحات سابقة هذا الشهر على ضرورة إيجاد حلول مبتكرة لزيادة الإيرادات عبر رفع الإنتاجية وتحفيز النمو الاقتصادي، بدلاً من اللجوء مباشرة إلى الضرائب.
خيارات محدودة أمام الكرملين
تشير التقديرات إلى أن الإنفاق العسكري يستحوذ على ما يقرب من 40% من الإيرادات الروسية، وهو ما يجعله "خطًا أحمر" لا يمكن المساس به في ظل الظروف الجيوسياسية الراهنة. وفي المقابل، فإن خفض الإنفاق الاجتماعي لا يوفر سوى مبالغ ضئيلة لا تسهم بشكل جوهري في معالجة العجز. ووصف أحد المسؤولين الموقف قائلًا: "الأمر يشبه جزّ خنزير صغير.. ضجيج كثير وفائدة قليلة"، في إشارة إلى صعوبة تحقيق وفر مالي كبير عبر هذا المسار.
مخاطر تضخمية
التجربة الروسية السابقة في عام 2019 أظهرت أن رفع ضريبة القيمة المضافة بمقدار نقطتين مئويتين ساهم في زيادة معدل التضخم بواقع 0.6 نقطة مئوية. ومع بقاء التضخم حاليًا فوق مستوى 8%، يحذر خبراء الاقتصاد من أن أي زيادة جديدة قد تؤثر سلبًا على خطط البنك المركزي التي تستهدف خفض التضخم إلى 4%.
ورغم هذه المخاوف، فقد أبدت محافظة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، تأييدًا حذرًا للزيادة، معتبرة أن تعزيز الإيرادات قد يكون الخيار الأقل ضررًا مقارنة بتوسيع العجز المالي.
تباطؤ النمو الاقتصادي
على الرغم من أن الاقتصاد الروسي أظهر مرونة العام الماضي، محققًا نموًا قدره 4.3%، إلا أن التوقعات للعام الجاري أكثر تشاؤمًا، حيث لا يتوقع أن يتجاوز معدل النمو 1%، وسط تراجع الاستثمارات وارتفاع تكلفة الاقتراض.
كما بات الدين الحكومي الروسي، الذي يُعتبر منخفضًا نسبيًا مقارنة باقتصادات كبرى، أكثر كلفة مع ارتفاع أسعار الفائدة إلى نحو 13% على القروض الحكومية، وهو ما يزيد الأعباء على المالية العامة ويحد من قدرة الدولة على التوسع في الإنفاق التنموي.
بين الحاجة والإصلاحات
يرى محللون أن لجوء روسيا لزيادة ضريبة القيمة المضافة قد يشكل خطوة اضطرارية لتجاوز ضغوط المرحلة الراهنة، لكنه في الوقت ذاته يعكس محدودية البدائل المتاحة أمام الكرملين في ظل الظروف الاقتصادية والجيوسياسية المعقدة. وبينما يسعى صانعو القرار لتحقيق التوازن بين ضبط الموازنة والسيطرة على التضخم، يبقى السؤال المطروح: هل ستتحمل الأسر الروسية والشركات الخاصة كلفة هذا الخيار الضريبي الجديد؟
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.