اختتم مجلس كنائس الشرق الأوسط اجتماعه السنوي لشركائه الدوليّين والإقليميّين في 11 أيلول/ سبتمبر 2025 في بيروت، وذلك بعد ثلاثة أيام من الجلسات واللقاءات التي عُقدت بمشاركة ممثّلين عن الكنائس والعائلات الكنسيّة الأربع (الأرثوذكسيّة، الأرثوذكسيّة الشرقيّة، الكاثوليكيّة، الإنجيليّة)، إلى جانب ممثّلين عن مؤسسات ومنظمات شريكة من حول العالم.
جاء الاجتماع في ضوء الاحتفال باليوبيل الذهبي – 50 عامًا على تأسيس المجلس، إضافةً إلى تسليط الضوء على الذكرى الـ1700 لانعقاد المجمع المسكوني الأول في نيقية.
يُعد مجلس كنائس الشرق الأوسط بمثابة هيئة دينية تضم العائلات الكنسية الأربعة في الشرق الأوسط، ويقع مقره في بيروت، العاصمة اللبنانية، وللمجلس مكاتب أخرى في القاهرة وليماسول وعمان والقدس طهران. وغاية المجلس هو العمل على تعزيز روح الوحدة المسيحية بين الكنائس المختلفة في المنطقة، وذلك من خلال توفير سبل الحوار فيما بينها ومن خلال إقامة الدراسات والأبحاث المشتركة التي تشرح تقاليد الكنائس الأعضاء، وإقامة الصلوات المشتركة لا سيما أسبوع الصلاة من أجل وحدة الكنائس المسيحية.
رحلة متواصلة
عقدت الأمانة العامة لمجلس كنائس الشرق الأوسط برئاسة الأمين العام البروفسور ميشال عبس، في اليوم الأوّل من اجتماعها السّنوي تحت عنوان "الشجاعة في مواصلة الرحلة معًا"، وقد شارك في الاجتماع ممثّلون عن مختلف المنظّمات والمؤسّسات الشريكة لمجلس كنائس الشرق الأوسط من حول العالم، سيادة المتروبوليت أنطونيوس الصوري، متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس، ممثّلًا البطريرك يوحنّا العاشر، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، ورئيس مجلس كنائس الشرق الأوسط عن العائلة الأرثوذكسيّة، والقسّ د. بول هايدوستيان، رئيس اتّحاد الكنائس الأرمنيّة الإنجيليّة في الشرق الأدنى، رئيس جامعة هايكازيان في لبنان، ورئيس مجلس كنائس الشرق الأوسط عن العائلة الإنجيليّ. كما شارك الأمناء العامون المشاركون للمجلس للمجلس، وكذلك مديرو ومنسّقو دوائر المجلس وفريق العمل.
استُهلّ الاجتماع بصلاة وكلمة افتتاحيّة لحضرة القسّ د. بول هايدوستيان، قال فيها: "اجتماع الشركاء ليس مجرّد مناسبة إداريّة لعرض التقارير، وإنّما وقت للتأمّل الذاتي ومشاركة التحاليل...". وأضاف "بروح الامتنان، نحتفل بهويّتنا المشتركة ودعوتنا كأبناء المسيح... دعوة للإنسانيّة. في المسيح، خلقنا الله أحياءً معًا".
وتابع "في منطقة تشهد صراعات وحروب وإبادات جماعيّة... تترسّخ هذه الحقيقة في أنّنا نحيا في المسيح معًا. دعوتنا هي أن نشهد للوحدة عبر الصلاة والخدمة... لتكن شركتنا علامة على واقعنا العظيم: ربّ واحد، إيمان واحد، معموديّة واحدة، رجاء واحد للعالم، وذلك من خلال العمل معًا والشهادة".
وألقى الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط البروفسور ميشال عبس كلمة بعنوان "في الشراكة الروحية وسياسات المؤسسات"، جاء فيها: "أود أن أؤكد، وأنا في الحركة المسكونية منذ العام 1981، أن للكنيسة وللهيئات المسكونية المنبثقة عنها، الدور الأكيد في التحولات الثقافية في الغرب، على صعيد نظرة الشعوب إلى شتى الأمور والقضايا الشائكة المطروحة على الساحات الإقليمية والدولية. أما ما يقلق اليوم فهو هذا التحول في سياسات الدعم المالي التي تعتمدها مؤسسات المجتمعات ذات الفائض الصناعي...".
وأضاف "لا بد أن أعبر عن فرحي لاستقبال شركاء بكل ما للكلمة من معنى، حيث للشراكة الروحية والمحبة المتبادلة والقيم المشتركة التي تكونت عبر تناضج استمر لعقود، نفس الأهمية التي هي للشراكة المادية التي تتمثل بتغطية اكلاف المشاريع، أو بالدعم المالي عامة... الكرامة هي إحدى أهم وصايا المخلص، جسدها في كل ما قال وفعل، ولا بد لنا أن نكون أداة لصيانتها".
خير العالم
و تابع مجلس كنائس الشرق الأوسط اجتماعه السنوي مع شركائه الدوليّين والإقليميّين في يومه الثاني، في مركز لقاء – الربوة، لبنان، حاملًا عنوان "الشجاعة في مواصلة الرحلة معًا".في بداية الاجتماع، ألقى سيادة المتروبوليت أنطونيوس الصوري، كلمة حول"موسم الخليقة"، أشار فيها إلى أنّ الاحتفال بهذا الموسم "هو اعتراف بالإيمان، يؤكّد على الخير في العالم، وقدرته على التجلّي، وكذلك دعوة البشريّة للتوسط بين اللّه والعالم".
وأضاف "إنّ وعي الإنسان، وحريّته، وقدرته على المعرفة تسمح للعالم بأن يدرك ذاته، وأن يعود إلى اللّه شاكرًا، وأن يصبح هو نفسه في شركة. إنّ فقدان هذا التوجّه هو زعزعة ليس فقط للنظام البشري، بل الكوني أيضًا".
وتابع "إن رؤية علم البيئة المسيحي واضحة: الأزمة البيئيّة الحالية ليست تقنيّة أو سياسيّة فحسب، بل روحيّة وأخلاقيّة - أزمة متجذّرة في فشلنا في إكرام العالم كهبة، وفي عدم تأدية دورنا الكهنوتي والوسيط المناسب".
أعقبت كلمته صلاة من أجل الخليقة رفعها المجتمعون بقلوب مُفعمة بالإيمان والرجاء على نيّة خليقة اللّه وكلّ ما فيها.
أمّا الجلسة التالية فتضمّنت كلمات حول واقع الشرق الأوسط في تحدّياته وأزماته والحضور المسيحي فيه، قدّمها كلّ من الأب موفسس يوصولكانيان عن العائلة الأرثوذكسيّة الشرقيّة، الأرشمندريت جاك خليل عن العائلة الأرثوذكسيّة، حضرة القسّ جوزف قصّاب عن العائلة الإنجيليّة، سيادة المطران جوزف معوّض عن العائلة الكاثوليكيّة، د. فيولا راهب ممثّلة منظّمة Pro Oriente، وحضرة القسّ د. غابي عيلبوني ممثّلًا الكنيسة الإنجيليّة اللّوثريّة في أميركا Evangelical Lutheran Church in America .
بعدها، عُقدت ورشات عمل وجلست نقاش عديدة حول الآفاق المستقبليّة لرسالة مجلس كنائس الشرق الأوسط على مختلف الصعد الكنسيّة والمسكونيّة والإنسانيّة والاجتماعيّة والإعلاميّة والماليّة. من ثمّ، ناقش المجتمعون بعض الشؤون الإداريّة بغية تطوير آليّات العمل وتحقيق الأهداف المرجوّة.
واحتفالًا باختتام السنة الخمسين لتأسيس مجلس كنائس الشرق الأوسط، انتقل المجتمعون إلى جامعة هايكازيان في بيروت حيث عُفدت جلسة برئاسة حضرة القسّ د. بول هايدوستيان، رئيس اتّحاد الكنائس الأرمنيّة الإنجيليّة في الشرق الأدنى، رئيس جامعة هايكازيان في لبنان، ورئيس مجلس كنائس الشرق الأوسط عن العائلة الإنجيليّة، الّذي ألقى كلمة قدّم فيها لمحة تاريخيّة عن جامعة هايكازيان وأبرز ميّزاتها.
تمحورت الجلسة حول المسار المسكوني لمجلس كنائس الشرق الأوسط والعمل الّذي يقوم به في سبيل تعزيز الروح المسكونيّة، إضافة إلى الإضاءة على الذكرى الـ1700 لانعقاد المجمع المسكوني الأوّل في نيقية وأبعاده لا سيّما في موضوع الوحدة المسيحيّة.
في هذا الإطار، كانت كلمة لنيافة المطران مار إقليميس دانيال كورية عن العائلة الأرثوذكسيّة الشرقيّة ألقتها نيابة عنه السيّدة سيتا هاديشيان، كلمة لسيادة المطران موسى الخصي عن العائلة الأرثوذكسيّة، كلمة عبر الفيديو لحضرة القسّ د. حبيب بدر عن العائلة الإنجيليّة، وكلمة لسيادة المطران بولس مطر عن العائلة الكاثوليكيّة ألقاها نيابة عنه سيادة المطران جوزف معوّض، وكذلك كلمة ألقتها د. فريدا حدّاد عبس، اختتمت الجلسة بصلاة مسكونيّة رفعها المجتمعون على نيّة السلام في الشرق الأوسط والعالم، حيث تلاها مأدبة محبة للمناسبة.
يوم الختام
واختتم مجلس كنائس الشرق الأوسط الاجتماع السنوي لشركائه الدوليّين والإقليميّين في جلسة ختاميّة عقدها حضرة القسّ د. بول هايدوستيان، رئيس اتّحاد الكنائس الأرمنيّة الإنجيليّة في الشرق الأدنى، رئيس جامعة هايكازيان في لبنان، ورئيس مجلس كنائس الشرق الأوسط عن العائلة الإنجيليّة، وذلك يوم الخميس الماضي في حرم الجامعة في بيروت.
تخلّلت الجلسة كلمة للقسّ د. هايدوستيان حول تاريخ جامعة هايكازيان. أمّا بعدها فكانت كلمة لنيافة المطران مار إقليميس دانيال كورية عن العائلة الأرثوذكسيّة الشرقيّة ألقتها نيابة عنه السيّدة سيتا هاديشيان، كلمة لسيادة المطران موسى الخصي عن العائلة الأرثوذكسيّة، كلمة عبر الفيديو لحضرة القسّ د. حبيب بدر عن العائلة الإنجيليّة، وكلمة لسيادة المطران بولس مطر عن العائلة الكاثوليكيّة ألقاها نيابة عنه سيادة المطران جوزف معوّض، وكذلك كلمة ألقتها د. فريدا حدّاد عبس.
تمحورت الكلمات حول المسار المسكوني لمجلس كنائس الشرق الأوسط والعمل الّذي يقوم به في سبيل تعزيز الروح المسكونيّة، إضافة إلى الإضاءة على الذكرى الـ1700 لانعقاد المجمع المسكوني الأوّل في نيقية وأبعاده لا سيّما في موضوع الوحدة المسيحيّة.
من ثمّ أُقيمت صلاة مسكونيّة برئاسة القسّ د. هايدوستيان في الكنيسة الأرمنيّة الإنجيليّة الأولى في بيروت حيث تضمّنت تأمّلات وقراءات روحيّة، وكذلك صلوات وترانيم تمجّد الله الخالق وتسبّحه وتشكره على كلّ عطاياه.
شكّلت الصلاة فرصة للاتّحاد معًا بالتأمّل والتضرّع إلى الله على نيّة الإنسان وكلّ إنسان على هذه الأرض، ومن أجل إحلال السلام وإحقاق الحقّ والعدالة.
تاريخ عريق
شهد عام 1974 ولادة مجلس كنائس الشرق الأوسط في منطقة هي مهد المسيحية حيث تألف آنذاك من العائلات الثلاث الإنجيلية والأرثوذكسية الشرقية والأرثوذكسية، وفي العام 1990 انضمّت العائلة الكاثوليكيّة الى عضوية المجلس، فأصبح يضم العائلات الكنسيّة الأربع في المنطقة.
ومر المجلس بمراحل عديدة،حيث تعود جذوره الى سنة 1929 حيث كانت مؤسسة سميت آنذاك المجلس المسيحي للشرق الأدنى، تحولت تدريجيا الى مجلس كنائس الشرق الأدنى سنة 1964، ثم مجلس كنائس الشرق الأوسط سنة 1974، حيث اتخذ شكله الدستوري والتنظيمي الحاليين وبقي عليهما مع بعض التعديلات في التركيبة التنظيمية، لم تغير في الجوهر شيئاً. وكان الأمين العام الأول للمجلس هو القسيس ألبيرت لستيرو والذي استمر في هذا المنصب من عام 1974 إلى 1977، وخلفه كبرائيل حبيب من عام 1977 إلى 1994، وبعده تولى المنصب القسيس رياض جرجور من عام 1994 إلى 2003، خلفه الأستاذ جرجس صالح من عام 2003 إلى 2011 حيث عين أمينا عاما فخريا وتولى الأمانة العام الأب الدكتور بولس روحانا. الأمين العام الحالي هو د. ميشل أ. عبس.
وأشار المجلس عبر موقعه الرسمي ، إلى أنه في أنطاكية دُعي المؤمنون أولًا مسيحيون (أعمال 11: 26)، ومنذ ذاك الوقت الى اليوم لعِب المسيحيون في المنطقة دورًا حيويًا ورائدًا في صناعة حضارة الشرق، ولا يزالون يلعبون هذا الدور ويشهدون للحقّ رُغم التحدّيات التي تواجههم ويؤدّون الشهادة المسيحيّة في حياتهم اليوميّة من خلال التزامهم بعيش القيَم الإنجيليّة والتقيد بأنظمة شئون الأرض والمواطنة والعيش معًا، من هنا يقوم مجلس كنائس الشرق الأوسط بتأدية رسالته المسكونيّة من خلال الشهادة نفسها.وإن مجلس كنائس الشرق الأوسط هو رابطة من الكنائس التي تؤمن بالربّ يسوع المسيح إلهًا ومخلّصًا حسب الكتب المقدّسة والتقليد الكنسيّ وتسعى معًا لتحقيق دعوتها المشتركة ووحدتها المنشودة لمجد الله الواحد.
صلاحيات
يستمّد المجلس صلاحياته وشرعيته من الكنائس المسيحيّة الأعضاء مجتمعة، كما أنه ينتسِب الى الحركة المسكونيّة العالميّة ويساهم بصورة فعّالة في النشاطات المسكونيّة المعاصرة كافة. من هنا فإن المجلس يجمع في إطاره تقريبًا كل مسيحيّي المنطقة ضمن هيئة تهدِف الى تقوية العلاقات بين الكنائس في المنطقة وتقريب وجهات النظر في المسائل اللاهوتيّة، الى جانب الحفاظ على حوار المحبّة وحياة المشاركة بين المسيحيين والمسلمين الموروثة منذ قرون.وإن بُنية المجلس الإداريّة تقوم على أساس العائلة التي تنطوي تحت إطارها الكنائس المنضوية في شركة كاملة مع بعضها البعض. تسمح هذه البنية الإداريّة بتمثيل أكبر عدد من الكنائس على تنوّعها، وتُمكّنها من العمل معًا باسم السيد المسيح وتقريب وجهات النظر في المسائل الخلافية لا سيما تلك التي أدت الى الانشقاقات الأولى في الكنيسة.
يستمد المجلس صلاحياته من الكنائس الأعضاء وهو مسئول أمامها مجتمعة ممثلة برؤسائه الأربع (رئيس من كل عائلة) وأمام اللجنة التنفيذيّة.


