أعادت مصفاة البترول الأردنية طرح مشروع التوسعة الرابعة بعد توقف دام 7 سنوات، في خطوة جديدة تهدف إلى تحديث وحداتها ورفع كفاءتها التشغيلية، وهو المشروع الذي يكتسب أهمية إستراتيجية كبرى وسط تحولات سوق الطاقة والوقود التقليدي.
وبحسب بيان حصلت عليه منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، فقد أعادت الشركة طرح العطاء أمام الشركات المؤهلة عالميًا، بعد أن توقفت المفاوضات نهاية العام الماضي بسبب تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية وانعكاسات الحرب في غزة؛ ما عطّل التنفيذ رغم اكتمال الدراسات الأولية.
وتسعى مصفاة البترول الأردنية -من خلال المشروع- إلى تعزيز أمن الطاقة الوطني، وتقليل الاعتماد على واردات المشتقات النفطية، بجانب دعم التشغيل المحلي وخلق فرص عمل جديدة، على الرغم من التعديل الجوهري بخفض الطاقة الإنتاجية المخططة من 120 ألف برميل يوميًا إلى 73 ألفًا فقط.
ويشير هذا التعديل إلى إدراك الشركة والمتخصصين أن مستقبل الوقود التقليدي لم يعد كما كان، نتيجة التوجهات العالمية نحو الطاقة النظيفة، والتوسع في المركبات الكهربائية، والبدائل الحديثة، وهي الخطوة التي تفتح الباب لمشروع أكثر واقعية واستدامة.
أسباب خفض الطاقة الإنتاجية للمشروع
يمثل خفض الطاقة الإنتاجية من 120 ألف برميل يوميًا إلى 73 ألفًا، علامة فارقة في خطة التطوير؛ إذ أوضح الرئيس التنفيذي لشركة مصفاة البترول الأردنية المهندس حسن الحياري، أن التعديل جاء نتيجة دراسة معمقة للتغيرات المستقبلية في سوق الطاقة والوقود.
ويتمثل السبب الأول للخفض -وفق الحياري- في التوسع المتسارع باستعمال السيارات الكهربائية، التي باتت تحظى بدعم عالمي وتشجيع حكومي، بما يؤثر مباشرة في الطلب المستقبلي للبنزين والديزل، ويقلل الحاجة لمصافي تكرير ضخمة.
أما السبب الثاني فهو دخول الغاز الطبيعي إلى قطاع النقل، خاصة للنقل الثقيل والحافلات، وهو ما يقلل الاعتماد على المشتقات النفطية السائلة، هذا التوجه تدعمه وفرة الغاز وتزايد مشروعات البنية التحتية المرتبطة به.
وأضاف: "يرتبط السبب الثالث بتنامي الاعتماد على أنواع الوقود البديل، وعلى رأسها وقود الطيران المستدام (SAF) الذي يشهد نموًا متسارعًا في أوروبا وآسيا؛ ما يعكس توجهًا عالميًا للحد من الانبعاثات الكربونية في قطاع الطيران".

إلى جانب ذلك، تأتي التغيرات في التشريعات الناظمة للقطاع، التي تشجع على التحول نحو مصادر نظيفة وتفرض قيودًا على المشتقات التقليدية، وهذا التطور التشريعي دفع مصفاة البترول الأردنية إلى إعادة النظر في خططها المستقبلية.
وبهذا، لم يعد المشروع يركز على مضاعفة الطاقة الإنتاجية كما كان مخططًا، بل على توفير احتياجات شركة "جوبترول" التابعة للمصفاة، وجزء من احتياجات باقي الشركات التسويقية في السوق الأردنية، بما يضمن مرونة واستدامة.
وخفّضت إعادة تقييم المشروع المخاطر المالية؛ إذ إن ضخ استثمارات لتوسعة عملاقة قد يصبح عبئًا مع تراجع الطلب عالميًا؛ لذلك اختارت الشركة نهجًا أكثر واقعية يوازن بين التحديث وضبط حجم الإنتاج، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
ويعكس هذا التوجه إدراكًا بأن المستقبل يتجه نحو تنويع مصادر الطاقة أكثر من الاعتماد على النفط وحده. لذلك، يشكل مشروع التصفية الرابعة بنسخته المعدلة خطوة إستراتيجية تحافظ على دور المصفاة ضمن سوق متغيرة.
مشروع التوسعة الرابعة لمصفاة البترول الأردنية
بدأت فكرة مشروع التوسعة الرابعة لمصفاة البترول الأردنية منذ عام 2018، حينما طرحت الشركة العطاء للمرة الأولى بهدف رفع طاقتها الإنتاجية وتحسين نوعية المنتجات لتتوافق مع معايير (Euro 5/VI) الأوروبية، وتقليل الانبعاثات الكربونية وتكلفة التشغيل.
ورغم الاهتمام الدولي بالمشروع، حالت الأزمات الجيوسياسية والمالية دون استكماله، وهو ما جعل الشركة تتجه إلى إعادة طرح العطاء بعد اكتمال الدراسات الاقتصادية والفنية من خلال شركات متخصصة مثل "تكنيب" و"وود ماكنزي".
وبحسب المهندس حسين الحياري، تقدر تكلفة المشروع بنحو 2 مليار دولار، وهو رقم يعكس الطموح الكبير لتطوير القطاع رغم الظروف المعقدة؛ إذ يهدف هذا الاستثمار إلى ضمان توفير المشتقات النفطية محليًا وتخفيف تقلبات الأسعار الناتجة عن الاعتماد على الاستيراد.
وإلى جانب تحديث المنتجات وتحسين الجودة، يركز المشروع على تقليل الانبعاثات الكربونية، بما يتماشى مع التزامات الأردن الدولية في قضايا المناخ، كما يهدف إلى رفع القيمة المضافة محليًا من خلال تطوير عمليات التكرير بدلاً من استيراد منتجات مكررة.
وأدت مصفاة البترول الأردنية -تاريخيًا- دورًا حيويًا منذ تأسيسها منتصف خمسينيات القرن الماضي؛ إذ وفرت المشتقات النفطية للسوق المحلية وأسهمت في خفض فاتورة الواردات النفطية، رغم أن الأردن لا يمتلك سوى هذه المصفاة الوحيدة.
لذلك، تأمل الحكومة في أن يدعم المشروع برنامجَ التحديث الاقتصادي 2026-2029، باعتباره مشروعًا إستراتيجيًا وحيويًا للأمن الوطني، من خلال تحسين كفاءة التزود بالمشتقات النفطية وتقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية المضطربة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصدر..