أتابع ما يحدث في منطقتنا يومًا بعد يوم، ولم يعد يدهشني حجم العدوان الإسرائيلي ولا شراهته المستمرة في استهداف الدول المحيطة، بداية من غزة مرورا بلبنان وسوريا وإيران وتونس واليمن وأخيرا قطر.
ولكن الضربة الأخيرة التي طالت قطر تمثل تجاوزًا خطيرًا لكل الخطوط الحمراء، فهي ليست مجرد حادثة عابرة يمكن أن تمر مرور الكرام، بل هي إهانة مباشرة لدولة ذات سيادة، وعضو فاعل في مجلس التعاون الخليجي، وجامعة الدول العربية، وتحمل رسالة مبطنة لبقية الدول العربية مفادها أنه "لا دولة في مأمن من الاعتداء الإسرائيلي".
وهنا، سؤال يطرح نفسه بوضوح: كيف يكون الرد؟ وهل يقتصر على تحرك فردي من الدوحة، أم يجب أن يتحول إلى موقف عربي جماعي شامل؟
ومن وجهة نظري، أمام قطر عدة خيارات عملية، يمكن البناء عليها، أولها: اللجوء إلى القانون الدولي، ورفع دعاوى أمام محكمة العدل الدولية، والاستعانة بمجلس حقوق الإنسان والهيئات الأممية لإثبات واقعة الاعتداء باعتبارها انتهاكًا لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة وخرقًا واضحًا لميثاقها.
هذا المسار مهم لأنه يضع إسرائيل تحت المجهر الدولي، ويكشف صورتها الحقيقية كدولة مارقة خارجة على القانون.
والخيار الثاني يتمثل في اتخاذ قرارات حازمة على المستوى الثنائي، مثل مراجعة أو وقف أي شكل من أشكال التعاون الاقتصادي أو الأمني أو التكنولوجي مع تل أبيب، فتلك العصابة -في ثوب دولة- تفهم لغة المصالح، ولا شيء يردعها أكثر من إدراك أن عدوانها له ثمن اقتصادي وسياسي.
ويبقى الخيار الأقوى والأهم، هو خلع العباءة الأمريكية، والتوجه إلى حليف أكثر أمانا من واشنطن، وهذا ما لوحت به الدوحة بعد الضربة بأنه ستقيم علاقاتها بواشنطن وربما ستتوجه إلى حليف آخر، لدعم أمنها وهي بالكاد تقصد واحدة من الدولتين (الصين وروسيا) ولكن يبقى التحدي الصعب، هل ستسمح أمريكا (ترامب) بذلك وما وضع قاعدة «العديد» أكبر قواعد أمريكا في الشرق الأوسط؟
إن تجاهل ترامب لما وقع، خلال مكالمته الهاتفية مع أمير قطر، وزعمه عدم معرفته بتفاصيل الهجوم مع التأكيد على عدم تكراره، يؤكد استخفافه بقطر والمنطقة بأكمهلا، ويبرز الحاجة الملحة إلى إنهاء الهيمنة الأمريكية على المنطقة، والتحرر من نفوذ واشنطن.
فبلاد «العم سام» لا تعتبر أي حليف في الشرق الأوسط سوى إسرائيل وحدها، ومن الوهم أن يعتقد العرب أنهم يمكن أن يكونوا شركاء لها على حساب تل أبيب، فكذبها واضح ومفضوح
إن قطع جسور التعاون أو حتى تجميدها مؤقتًا سيكون بمثابة رسالة واضحة بأن قطر لن تسمح بأن تكون مصالحها وسلامتها رهينة تهور حكومة نتنياهو.
لكن الحقيقة أن الرد القطري وحده، مهما كان قويًا، لن يكفي لردع إسرائيل، فهذه ليست المرة الأولى التي تقدم فيها على عدوان مباشر؛ فقد واصلت منذ سنوات قصف غزة بشكل يومي تقريبًا، واعتدت مرارًا على سوريا، وهددت الأردن علنًا، وتوسعت في جرائمها ضد الضفة الغربية، بل لم تتورع عن استهداف تونس بطائرتين مسيرتين لأكبر سفن أسطول الحرية التضامني في أحد موانيها، فضلا عن حربها على إيران وقصفها اليمن.
نحن أمام نمط متكرر من السلوك العدواني الذي يهدد الأمن القومي العربي برمته، وليس مجرد مشكلة ثنائية بين إسرائيل ودولة بعينها.
لذلك، فإن التكاتف العربي لم يعد خيارًا ترفيهيًا بل ضرورة وجودية، مجلس التعاون الخليجي يجب أن يقف صفًا واحدًا إلى جانب قطر، ليس فقط بتصريحات الشجب أو بيانات التضامن، بل بخطوات عملية تتضمن إعادة النظر في أي قنوات مفتوحة مع تل أبيب، وفرض ضغوط اقتصادية وسياسية حقيقية.
ومن ناحية أخرى، فإن الجامعة العربية مطالبة بتحرك جماعي يخرج عن الإطار التقليدي المعتاد، عبر وضع خطة واضحة لوقف التعاون مع إسرائيل بكافة أشكاله، وتنسيق جهود عربية لإدانتها على الساحة الدولية.
إن الموقف العربي الموحد هو وحده الكفيل بلجم نتنياهو وحكومته عن التمادي في سياساتهم العدوانية.
وإذا أدركت إسرائيل أن كل اعتداء سيُقابل بخسائر سياسية واقتصادية ودبلوماسية على مستوى المنطقة كلها، ستضطر إلى إعادة حساباتها، أما الاكتفاء بالبيانات الإنشائية، فهو لا يعدو كونه ضوءًا أخضر غير مباشر لمزيد من الاعتداءات المقبلة.
برأيي الشخصي، ما حدث لقطر يجب أن يكون جرس إنذار للعرب جميعًا، لقد آن الأوان لنتجاوز مرحلة ردود الفعل الضعيفة، وننتقل إلى بناء استراتيجية ردع عربية شاملة تحمي أوطاننا وتصون كرامتنا.
ولست هنا في معرض تكرار الحقيقة الوحيدة أن مصر هي الدرع الواقع والسيف الرادع الوحيد في المنطقة العربية ضد أطماع الاحتلال الصهيوني -مع أن ذلك حقيقة ثابتة أثبتتها الأيام منذ ألاف السنين وحتى يومنا هذا- ولكن أتسائل: أليس من الأولى على جميع الدول العربية في المنطقة التكاتف خلف مصر في الوقت الحالي باعتبارها الجيش الوحيد الباقي في المنطقة الذي يمثل رمانة الميزان، والحصن الحصين للعرب جميعا؟ إذا صدقت النوايا وحسُنت فلن يتأخر العرب عن دعم القاهرة بأي شيء من شأنه تقوية شوكتها وتوفير احتياجاتها العسكرية لمواجهة تتار ومغول هذا العصر.
إما أن نتحرك الآن، وإما أن نظل نتلقى الضربات واحدة تلو الأخرى حتى نفقد ما تبقى من سيادة وأمن واستقرار.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.