في تطور خطير يعكس تعقيدات المشهد الإقليمي، اعتبرت قطر الغارة الإسرائيلية على الدوحة "خيانة" لوعود أمريكية وإسرائيلية سابقة بعدم استهداف ممثلي حماس على أراضيها، فيما أعلنت حركة حماس فشل محاولة اغتيال وفدها المفاوض، مؤكدة نجاة قادتها من الهجوم وسقوط عدد من الشهداء بينهم نجل خليل الحية ومدير مكتبه. الغارة التي تزامنت مع اجتماع لبحث مقترح أمريكي لوقف إطلاق النار في غزة، أثارت غضبًا قطريًا واسعًا ووضعت جهود الوساطة الدولية أمام اختبار صعب.
خيانة للوساطة الدولية
قالت صحيفة واشنطن بوست إن قطر شعرت بصدمة كبيرة جراء ما وصفته بـ "الخيانة" من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل، بعدما كانتا قد تعهدتا سابقًا بعدم استهداف ممثلي حركة حماس على الأراضي القطرية. ونقلت الصحيفة عن مصادر قطرية أن المسؤولين في الدوحة اعتبروا الهجوم الإسرائيلي بمثابة تقويض متعمد لوعود واشنطن وتل أبيب، الأمر الذي سبب حالة من الغضب والانزعاج الشديدين.
وأشارت الصحيفة إلى أن الغارات الإسرائيلية على الدوحة لم تسحب من قطر فقط دور الوسيط الفاعل في تسوية النزاع بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، بل أبطلت كذلك "أوثق قناة اتصال مباشرة" مع قيادة الحركة. واعتبرت أن هذا التطور يعكس تحولًا خطيرًا في نهج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي بدا مصممًا على المضي في عملية عسكرية شاملة لإجبار حماس على الاستسلام، حتى وإن كان ذلك على حساب الأعراف والاتفاقات غير المعلنة.

نكسة كبيرة للجهود القطرية
وذكرت الصحيفة أن رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، كان قد التقى ممثلين عن حماس يوم الاثنين الماضي لعرض مقترح طرحه مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ستيف ويتكوف، خلال اجتماعات في باريس. وبناءً على ذلك، قررت الحركة عقد اجتماع جديد يوم الثلاثاء لمناقشة تفاصيل المقترح، لكن إسرائيل – التي كانت على علم بترتيبات اللقاء – اختارت تنفيذ ضربتها الجوية في نفس التوقيت.
وأكد مسؤولون قطريون وأمريكيون أن هذه الضربة شكلت نكسة كبيرة للجهود القطرية الرامية إلى مساعدة إدارة ترامب في ملفات وساطات حساسة، سواء في غزة أو في نزاعات دولية أخرى مثل رواندا والكونغو وأرمينيا وأذربيجان، فضلًا عن دور الدوحة في تحرير رهائن أمريكيين من روسيا وفنزويلا. ومع ذلك، لا يزال كثير من المسؤولين الإسرائيليين يرون قطر خصمًا لدودًا بسبب دعمها لحماس، وينظرون إلى قناة الجزيرة كمنصة إعلامية تحريضية ضد إسرائيل.
اغتيال مؤجل.. كيف نجا بعض قادة حماس من الموت بعد قصف الدوحة؟
أعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أن الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت أحد مقراتها في العاصمة القطرية الدوحة، يوم الثلاثاء، فشلت في اغتيال وفدها المفاوض، مؤكدة أن قادتها نجوا من محاولة الاغتيال. ووصفت الحركة العملية بأنها "جريمة بشعة وعدوان سافر" وانتهاك صارخ لكل القوانين والأعراف الدولية، معتبرة أنها تعكس "جبن الاحتلال ورغبته في تقويض جهود الوساطة الدولية".
في المقابل، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن العملية نُفذت بشكل مستقل تمامًا بقرار إسرائيلي خالص، مشددًا على أن تل أبيب تتحمل المسؤولية الكاملة عنها. وأوضح البيان أن الهجوم استهدف "كبار زعماء الإرهاب في حركة حماس"، في وقت كانت فيه قيادة الحركة تجتمع لمناقشة مقترح طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن وقف إطلاق النار في غزة.
وكشفت حماس أن الغارة أسفرت عن ارتقاء عدد من الشهداء، بينهم: جهاد لبد (مدير مكتب خليل الحية)، همام الحية (نجل خليل الحية)، عبد الله عبد الواحد، مؤمن حسونة، أحمد المملوك، إضافة إلى الشهيد بدر سعد محمد الحميدي من منتسبي الأمن الداخلي القطري (لخويا). وأكدت أن استهداف الوفد أثناء مناقشة المقترح الأمريكي يثبت أن حكومة نتنياهو لا تريد التوصل إلى أي اتفاق، بل تسعى لإفشال المساعي الدولية.
المساس بالسيادة القطرية وعدم الاهتمام بأسرى العدو الصهيوني
وشددت الحركة في بيانها على أن الاعتداء يمثل مساسًا بسيادة دولة قطر التي تضطلع، إلى جانب مصر، بدور محوري في جهود الوساطة لوقف العدوان والتوصل إلى اتفاق تبادل للأسرى. وأضافت أن "إسرائيل أظهرت من خلال هذا الهجوم رغبتها في التصعيد، غير آبهة بحياة أسراها لدى المقاومة، ولا بسيادة الدول، ولا بأمن المنطقة واستقرارها".