تتزايد المخاوف من أن مواقف وسياسات الرئيس دونالد ترامب خلال فترته الثانية، إلى جانب خطاباته التحريضية وإجراءاته التنفيذية، قد تدفع الولايات المتحدة نحو أتون حرب أهلية باردة وتساهم في تعميق حالة الاستقطاب السياسي والاجتماعي العميقة بالفعل، ويُطلق عليها بعض المحللين اسم "حرب أهلية باردة".
هذا المصطلح لا يعني نزاعًا مسلحًا تقليديًا، بل يشير إلى توترات داخلية شديدة تهدد تماسك النسيج الاجتماعي والسياسي الأمريكي، مدفوعة بانقسامات حول قضايا مثل الهجرة، والحقوق المدنية، وإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية، فضلًا عن استخدام القوة الفيدرالية ضد المواطنين، وفقًا لصحيفة نيويورك بوست.
وتشير الصحيفة إلى مناقشات عامة أكثر من أن تحصى حول تصرفات ترامب التي قد تكون متعمدة أو غير مقصودة ولكنها طوال الوقت تساهم في تأجيج هذه التوترات، مما يثير تساؤلات حول قدرة النظام الدستوري على احتواء هذه الأزمة.
تصعيد التوترات عبر سياسات الهجرة
أثار نشر ترامب لقوات الحرس الوطني في مدن مثل لوس أنجلوس ثم واشنطن العاصمة جدلًا واسعًا حول نواياه وتأثير إجراءاته. وفقًا لتقرير نشرته مجلة نيوزويك، فقد اتهم حاكم كاليفورنيا جافن نيوسوم ترامب بالسعي لإشعال "حرب أهلية في الشوارع" من خلال سياسات الهجرة القاسية، مثل نشر 700 من مشاة البحرية والحرس الوطني لحماية المباني الفيدرالية ردًا على احتجاجات ضد إجراءات وكالة الهجرة والجمارك (ICE).
وبدوره، رد ترامب بنفي تلك الاتهامات، قائلًا: "إنه العكس تمامًا، لا أريد حربًا أهلية. الحرب الأهلية قد تحدث إذا تُرك الأمر لأشخاص مثل نيوسوم"، مما يعكس خطابًا دفاعيًا يعزز الانقسامات بدلًا من تهدئتها.
وأشار المحلل القانوني مايكل مكوليف إلى أن نشر القوات قد يؤدي إلى تصعيد التوترات، حيث يُنظر إليه كإظهار للقوة أكثر من كونه ضرورة أمنية. وأوضح أن عدد المعتقلين في كاليفورنيا زاد قليلًا من 3000 إلى 3200 يوميًا من نوفمبر 2024 إلى يونيو 2025، مما يشير إلى أن التصعيد قد يكون رمزيًا أكثر منه عمليًا، لكنه لا يزال يثير التوترات.
وفي واشنطن العاصمة، وثّق مقال لصحيفة ذا نيشن قرار ترامب بنشر نحو 800 جنديًا من الحرس الوطني مع ضباط وكالة الهجرة والجمارك ووكالة مكافحة المخدرات، إلى جانب السيطرة على شرطة المدينة، مما أدى إلى اعتقال 300 شخص في أسبوعين فقط. ووصفت المحللة جوان والش هذه الخطوة بأنها "حرب أهلية بالحركة البطيئة"، مشيرة إلى أنها تهدف إلى إظهار القوة أكثر من تحقيق أهداف أمنية ملموسة.
وأشارت إلى أن مشروع 2025، وهو وثيقة استراتيجية مرتبطة بترامب، يحدد خطوات لخلق "عدو داخلي" (مثل المهاجرين أو "الراديكاليين اليساريين")، والاستفزاز من أجل خلق موجات متتالية من المواجهات، وإعلان سلطات رئاسية استثنائية، مما يثير مخاوف من أن ترامب قد يسعى لفرض "دولة بوليسية" أو حتى الأحكام العرفية، كما حذر المراقبون من أن هذه الخطوات قد تكون "تدريبًا" لتأخير الانتخابات النصفية.
تعميق الانقسامات العرقية والاجتماعية
وتناول تقرير لصحيفة نيويورك تايمز كيف تعزز سياسات ترامب رؤية لأمريكا ترفض التنوع، من خلال أوامر تنفيذية تُلغي برامج التنوع والمساواة، وتُعيد نصب تماثيل الكونفدرالية، وتفرض قيودًا على الهجرة تستهدف مجموعات معينة، مثل حظر دخول اللاجئين باستثناء المزارعين البيض من جنوب إفريقيا.
وأكدت شيريل كاشين من جامعة جورجتاون أن هذه السياسات تعيد إحياء أفكار عنصرية كانت تُعتبر خارج التيار الرئيسي، مما يغذي توترات اجتماعية قد تُشبه حربًا أهلية باردة.
وأضافت التايمز أن ترامب ألغى إنجازات قانون الحقوق المدنية لعام 1964 خلال شهرين، من خلال أوامر تنفيذية أوقفت إنفاذ الحقوق المدنية في وزارة العمل وأغلقت مكاتب الحقوق المدنية في التعليم، متهمًا مؤسسات مثل السميثسونيان بتبني "إيديولوجيات تقسيمية".
يحذر المقال من أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى "عصر جديد من التمييز غير المقيد"، مما يعمق الانقسامات العرقية والاجتماعية.
وأشار المؤرخ تيموثي سنايدر إلى خطاب ترامب في قاعدة فورت براج، حيث شبه التعامل مع المهاجرين بمعارك تاريخية مثل الحرب العالمية الثانية، وأعاد تسمية القاعدة باسم جنرال كونفدرالي، مما يعكس رمزية تقسيمية.
ويرى سنايدر أن هذا الخطاب يهدف إلى تحويل الجيش إلى أداة سياسية ضد "أعداء داخليين"، مما يزيد من مخاطر التصعيد الداخلي. وأضاف أن ترامب لا يسعى لحرب أهلية بالمعنى الحرفي، بل لفرض "استسلام" المعارضين عبر إظهار القوة، مستندًا إلى منطق "الفائزون مقابل الخاسرون"، حيث يرى نفسه الفائز وخصومه ملزمين بالخضوع. وأشار إلى أن هذا النهج يشبه "برينكمانشيب" (الدفع إلى حافة الهاوية)، مما قد يؤدي إلى مواجهات غير متوقعة.
الانقسامات داخل اليمين والصراع على القضاء
وأبرز مقال لصحيفة "رو ستوري" انقسامًا داخليًا في اليمين، حيث هاجم ترامب جمعية الفيدراليين وزعيمها ليونارد ليو، متهمًا إياهم بخدمة مصالح جهات خارجية، مثل المليارديرات الليبرتاريين آل كوخ. ووصف السيناتور شيلدون وايتهاوس هذا الخلاف بـ"حرب أهلية يمينية"، مشيرًا إلى أن ترامب اكتشف أن القضاة الذين عينهم بناءً على توصيات الجمعية يخدمون أجندات لا تتماشى مع رؤيته. ويرى وايتهاوس أن هذا الصراع يكشف عن انقسامات داخل المعسكر الجمهوري، مما يعزز فكرة حرب أهلية باردة تمتد إلى داخل اليمين نفسه.
وأشار السيناتور جيف ميركلي إلى أن جمعية الفيدراليين نجحت في تعيين قضاة يخدمون مصالح الشركات الكبرى، مما يجعل ترامب "الخاسر في اللعبة" عندما اكتشف أن المحكمة العليا لا تتبعه بشكل كامل.
وأوضح تقرير "رو ستوري" أن الجمهوريين في مجلس الشيوخ، مثل تومي توبرفيل وتشاك غراسلي، تجنبوا التعليق على هذا الخلاف، مما يعكس حساسية الوضع وحرصهم على تجنب تصعيد داخلي.
ومع ذلك، أشار السيناتور ديك دوربين إلى أن ترامب يعتمد معيارًا جديدًا لتعيين القضاة يركز على "الولاء الشخصي" له، بدلًا من التوافق مع جمعية الفيدراليين، مما يعزز التوترات داخل اليمين ويثير تساؤلات حول استقلالية القضاء.
يرى المحللون أن هذا الصراع قد يضعف قدرة ترامب على تنفيذ أجندته، لكنه في الوقت ذاته يعكس عمق الانقسامات التي تهدد استقرار النظام السياسي.
معارك إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية
يبرز المراقبون بُعدًا آخر لهذه التوترات، حيث وصف بودكاست تشاك تود معارك إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية في ولايات مثل تكساس وكاليفورنيا بأنها "معركة جديدة في حرب أهلية باردة".
واتهم تود ترامب والجمهوريين بتحدي النظام الدستوري عبر تجاهل حقوق الأقليات، مشيرًا إلى أن حاكم تكساس جريج أبوت وحاكم كاليفورنيا جافن نيوسوم يفرضان إرادتهما على الجميع، متجاهلين حقوق الأقليات في ولاياتهما.
وأشار إلى أن هذه المعارك ليست مجرد نزاعات سياسية، بل "اختبار إجهاد" للنظام الدستوري، حيث يتحدى ترامب الحدود الدستورية، بينما يتبنى الديمقراطيون نهج "مكافحة النار بالنار"، مما يبرر أفعالًا أو تصرفات غير أخلاقية ويفاقم الاستقطاب.
وأكد تود أن الجمهوريين في الكونجرس لم يمارسوا أي رقابة على ترامب، مما يترك الدستور "مجرد كلمات على ورق قديم" دون تطبيق فعلي.
وأشار تود إلى أن الديمقراطيين، بدلًا من التمسك بالمبادئ الدستورية، انساقوا وراء استراتيجية ترامب التصعيدية، مما يجعل الطرفين يساهمان في تفاقم الأزمة.
وأضاف أن الآباء المؤسسين كانوا سيصابون بالذهول إزاء هذا التجاهل للضوابط الدستورية، محذرًا من أن استمرار هذا النهج قد يؤدي إلى انهيار النظام الديمقراطي.
وفي سياق متصل، وثمة رأي آخر يستنتج أن ترامب قد يستغل أي أزمة، مثل هجوم خارجي، لإعلان الأحكام العرفية أو إلغاء الانتخابات، مستندًا إلى تحذيرات من أن مشروع 2025 يوفر خريطة طريق لهذا السيناريو.
مخاطر أمنية ودولية
تعج الساحة السياسية في أمريكا بالكثير من التحذيرات من المخاطر الأمنية الناتجة عن تعيينات ترامب في أجهزة الاستخبارات، كما ناقشها مقال كتبه تيم وينر، الحائز على جائزة بوليتزر للتقارير الوطنية.
ووصف وينر تعيين أشخاص مثل جون راتكليف وتولسي جابارد بأنهم "مجانين"، مشيرًا إلى أن راتكليف عمل على تبرئة روسيا من التدخل في الانتخابات، بينما وصف جابارد بأنها "عميلة" للكرملين.
وحذر وينر من أن هذه التعيينات قد تؤدي إلى "فشل كارثي" في الاستخبارات، مما قد يمنح ترامب ذريعة لإعلان الأحكام العرفية أو إلغاء الانتخابات في حالة هجوم خارجي.
وأشار إلى أن ترامب "هدم الأمن القومي" بتعييناته، مما أدى إلى تردد الحلفاء في مشاركة المعلومات الاستخباراتية حول روسيا وغيرها من التهديدات.
وأضاف أن علاقة ترامب مع بوتين، التي وصفها بأنها "تحالف" وليس وكالة، تزيد من المخاطر الدولية التي قد تؤثر على الاستقرار الداخلي.