اقرأ في هذا المقال
- الحكومة الأرمينية سعت إلى استيراد غاز النفط المسال من إيران
- إيران تُصنّف ثاني أكبر مورد للغاز إلى أرمينيا بعد روسيا
- أرمينيا تستورد نحو 2.7 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا من روسيا
تواجه شراكة الطاقة بين إيران وأرمينيا، التي شهدت تطورات مهمة في العقود الأخير، تحديات التسعير والقيود التقنية والضغوط الجيوسياسية.
وقد تعمّقت هذه الشراكة عقب انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، حيث سعت أرمينيا إلى تلبية احتياجاتها من الطاقة من خلال التعاون مع طهران الغنية بالموارد.
وفي عام 2004، حدثَ تطور رئيس تَمثَّل في اتفاقية مدّتها 20 عامًا لتبادل الغاز والكهرباء، تلاها إطلاق خط أنابيب الغاز الإيراني الأرميني عام 2007.
وقد مكّن هذا الخط أرمينيا من استيراد ما يصل إلى 2.5 مليار متر مكعب من الغاز الإيراني سنويًا مقابل صادرات الكهرباء.
شراكة الطاقة بين إيران وأرمينيا
بمرور الوقت، نمت شراكة الطاقة بين إيران وأرمينيا لتشمل مشروعات مشتركة لتوليد الطاقة الكهرومائية على نهر أراس وإنشاء خطوط نقل كهرباء مترابطة.
ورغم أن الشراكة كانت مدفوعة في البداية بأهداف مشتركة -رغبة أرمينيا في تقليل الاعتماد على الطاقة الروسية وسعي طهران إلى التكامل الإقليمي-، فإنها واجهت عقبات مستمرة.
فقد حدّت الخلافات حول التسعير، والقيود التقنية، والضغوط الجيوسياسية، ولا سيما قبضة روسيا القوية على قطاع الطاقة الأرميني، من نطاق التعاون.
في العقدين الثاني والثالث من القرن الـ21، طُرحت مقترحات لاستعمال أرمينيا بصفتها طريقَ عبور للغاز الإيراني إلى أوروبا، إلّا أن هذه المقترحات واجهت تحديات بسبب الجدوى التجارية والمنافسة الإقليمية والتوترات السياسية.

رغم ذلك، ما تزال هذه العلاقة حيوية إستراتيجيًا، مع استمرار الجهود لتعزيز تبادلات الكهرباء وتوسيع نطاق التجارة.
من ناحيتها، تستكشف أرمينيا سبلًا جديدة لتنويع إمداداتها من الغاز.
واستجابةً لارتفاع الأسعار المحلية وانقطاعات الإمدادات، سعت الحكومة إلى استيراد غاز النفط المسال (LPG) من إيران.
وقد طلب وزير الاقتصاد الأرميني، جيفورغ بابويان، رسميًا حصة من غاز النفط المسال لتنويع المورّدين، وتعزيز المنافسة في السوق المحلية، واستقرار الأسعار.
ويعود هذا التحرك جزئيًا إلى الانقطاعات الأخيرة في إمدادات الوقود الروسية بسبب مشكلات العبور عبر الحدود، ما يُبرِز ضعف أرمينيا في الاعتماد على مورد واحد.
اعتماد أرمينيا على الغاز الروسي
تعتمد أرمينيا حاليًا أساسًا على روسيا في الحصول على الغاز الطبيعي، ولكنها تستورد كميات أقل من طهران بموجب اتفاقية المقايضة، التي تُستبدَل فيها صادرات الكهرباء بواردات الغاز.
وعلى الرغم من أن أرمينيا تتعاون مع طهران لتأمين حصص غاز النفط المسال، فإن التوسع في واردات الغاز محدود بعوامل فنية واقتصادية.
وتبلغ القدرة القصوى النظرية لخطّ أنابيب إيران-أرمينيا نحو 6 ملايين متر مكعب يوميًا، إلّا أن قدرة إيران على توفير كميات أكبر، لا سيما في فصل الشتاء، محدودة، بسبب نقص الإمدادات في مناطقها الشمالية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تكلفة الغاز الإيراني تعادل ضعف تكلفة الغاز الروسي تقريبًا، كما أن قيمته الحرارية أقل، ما يتطلب من أرمينيا استيراد كميات أكبر لتحقيق إنتاج الكهرباء نفسه.
ونتيجة لذلك، لا يمكن للغاز الإيراني أن يحلّ محلّ الغاز الروسي بشكل كامل بصفته مصدرًا رئيسًا للطاقة في أرمينيا.
وعلى الرغم من هذه القيود، تنمو الشراكة بين البلدين في مجالات أخرى. ويجري العمل على مشروع مشترك لتعزيز قدرة تبادل الكهرباء عبر خطوط نقل الكهرباء.
وتُجري أرمينيا محادثات مع تركمانستان لاستكشاف إمكان استيراد الغاز الطبيعي عبر إيران.
وازدادت أهمية جهود التنويع هذه بعد إعلان شركة غازبروم أرمينيا توقُّفًا مؤقتًا لإمدادات الغاز بسبب إصلاحات طارئة لخطّ الأنابيب في جورجيا.
خلال هذه المدة، اعتمدت أرمينيا على الاحتياطيات المحلية، وزادت من وارداتها من الغاز الإيراني لإدارة الإمدادات، وهو ما يؤكد الأهمية العملية للغاز الإيراني، على الرغم من أن أحجامه ما تزال أصغر من الإمدادات الروسية.

تأثير إمدادات الغاز بين إيران وأرمينيا في الواردات الروسية
على الرغم من أن طهران تُصنّف ثاني أكبر مورد للغاز إلى أرمينيا بعد روسيا، فإن وارداتها لم تُخفّض بشكل كبير من اعتمادها على الغاز الروسي.
وتستورد أرمينيا نحو 2.7 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا من روسيا، مقارنةً بنحو 365 مليون متر مكعب من إيران.
وتُساعد اتفاقية مقايضة الغاز بالكهرباء على إدارة الطلب الموسمي، لكنها لا تُشكّل تحديًا لهيمنة روسيا بصفتها موردًا رئيسًا.
وتتعزز سيطرة روسيا بانخفاض الأسعار ومزايا البنية التحتية، فالغاز الروسي أيسر سعرًا، بينما يُباع الغاز الإيراني بسعر يُقارب ضعف سعره.
من جهتها، تُقيّد قيود البنية التحتية كميات الغاز الإيراني، خصوصًا في فصل الشتاء.
إضافةً إلى ذلك، تُملي شركة غازبروم الروسية (Gazprom)، المالكة لشبكة توزيع الغاز في أرمينيا وخط أنابيب إيران-أرمينيا، شروط دخول سوق الغاز الإيراني.
وهناك مزاعم مستمرة بأن غازبروم عمدت إلى خفض قُطر خط الأنابيب خلال الإنشاء للحدّ من قدرة إيران على التصدير إلى أرمينيا وخارجها، ما يُحافظ على هيمنة روسيا على السوق.
وتُقرّ حكومة أرمينيا بهذه التحديات، لكنها تعدّ الغاز الإيراني جزءًا أساسيًا من إستراتيجيتها لتنويع مصادر الطاقة.
وتتماشى المفاوضات بشأن زيادة حصص غاز النفط المسال من إيران مع الجهود المبذولة لتعزيز المنافسة وخفض التكاليف.
وفي الوقت نفسه، فإن ارتفاع أسعار طهران وهيمنة شركة غازبروم على البنية التحتية يضمنان بقاء الغاز الروسي المصدر الرئيس لأرمينيا في المستقبل القريب.
ويتطلب أيّ تحول كبير تغييرات جيوسياسية، مثل تحسين العلاقات مع أذربيجان وتركيا، لإضعاف نفوذ روسيا وفتح آفاق جديدة لتكامل الطاقة الإقليمي.
بدورها، ستحتاج إيران إلى معالجة قيودها الخاصة، بما في ذلك البنية التحتية التصديرية المحدودة، والعقوبات، ونقص الإمدادات الموسمية المحلية.

غازبروم أرمينيا: ملكية الأنابيب وتحولات الإمداد
تُعدّ ملكية أرمينيا للبُنية التحتية لخطوط أنابيب الغاز من أهم العوامل المؤثّرة في ديناميكيات الإمداد بين روسيا وإيران.
وتتمتع غازبروم بسيطرتها المباشرة على الشروط التقنية والتعاقدية للواردات البديلة، كونها مالكة خط الأنابيب الذي ينقل الغاز الإيراني، بالإضافة إلى شبكة توزيع الغاز.
ومن خلال الحدّ من تدفُّق الغاز الإيراني وعرقلة تنويع الإمدادات على نطاق أوسع، تستطيع غازبروم الحدّ من المنافسة.
وتدعم الادّعاءات بأن روسيا حدّت عمدًا من إمكانات إيران التصديرية مزاعم بأن غازبروم قلّصت قُطر خط الأنابيب خلال بنائه.
من ناحية ثانية، فإن السيطرة على هذه البنية التحتية تضمن مصالح غازبروم التجارية وتمنحها نفوذًا سياسيًا، ما يُبقي أرمينيا تحت النفوذ الروسي.
لذلك، ما تزال جهود أرمينيا لتنويع مصادر الطاقة محدودة هيكليًا.
قدرة الغاز التركماني عبر إيران على تلبية طلب أرمينيا الشتوي
تدرس أرمينيا إمكان استيراد الغاز التركماني عبر طهران، حيث تُركّز المحادثات على كميات سنوية تتراوح بين 600 مليون ومليار متر مكعب.
ورغم أن هذا قد يُعزز إمدادات أرمينيا من الغاز، فإنه ما يزال متواضعًا مقارنةً باستهلاك البلاد السنوي البالغ نحو 3 مليارات متر مكعب، الذي يرتفع بشكل كبير خلال أوقات الذروة الشتوية.
وتُقيّد التحديات الداخلية قدرة إيران على تسهيل نقل الغاز التركماني؛ فالطلب الشتوي المرتفع في شمال إيران يُرهق نظامها، ما يحدّ من القدرة المتاحة لإعادة تصدير الغاز.
إضافةً إلى ذلك، فإن خط أنابيب إيران-أرمينيا، بسعة سنوية تبلغ 2.3 مليار متر مكعب وقطره المحدود، غير مُهيَّأ لاستيعاب كميات أكبر.
وستعتمد معظم الترتيبات على اتفاقيات المبادلة، حيث يُورَّد الغاز التركماني إلى إيران مقابل كميات مُماثلة تُسلّم إلى أرمينيا، ما يُسبِّب تعقيدات لوجستية وسياسية.
ومن ثم، في حين يُمكن للغاز التركماني أن يُؤدي دورًا مُكملًا، فمن غير المُرجّح أن يُلبّي طلب أرمينيا الشتوي بالكامل في ظل الظروف الحالية.
القيود التقنية التي تمنع إيران من إزاحة روسيا في الشتاء
لا تستطيع إيران أن تزيح روسيا بصفتها موردًا رئيسًا لأرمينيا في الشتاء، بسبب عدّة مشكلات تقنية ومالية؛ فالسعة المحدودة لخط أنابيب إيران-أرمينيا، الذي يُزعَم أن صغر قُطره يعوقه، تُحدّ من الكميات خلال أوقات ارتفاع الطلب.
إضافةً إلى ذلك، تُعاني إيران من نقصٍ حادٍّ في الغاز المحلي خلال الشتاء، لا سيما في مقاطعاتها الشمالية، ما يُقلّل من موثوقية الصادرات.
من جهة ثانية، يُقارب سعر الغاز الإيراني ضعف سعر الغاز الروسي، ولأن قيمته الحرارية أقل، يلزم إنتاج كمية أكبر منه.
وتضمن هذه القيود المالية واللوجستية والتكنولوجية، إلى جانب اتفاقيات التوريد طويلة الأجل لشركة غازبروم وملكيتها للبُنية التحتية للغاز في أرمينيا، استمرار روسيا في كونها المورد الأساس طوال فصل الشتاء.

التداعيات الإستراتيجية
تُعدّ جهود أرمينيا لتأمين الغاز الإيراني جزءًا من إستراتيجية أوسع نطاقًا لتنويع مصادر الطاقة وتقليل اعتمادها على روسيا.
وقد سلّط ارتفاع أسعار الغاز، وانقطاعات الإمدادات، والشكوك الجيوسياسية الضوء على مخاطر الاعتماد بشكل كبير على مورد واحد.
ومن خلال المفاوضات بشأن حصص غاز النفط المسال من إيران، وتوسيع نطاق اتفاقية مقايضة الغاز بالكهرباء، واستكشاف استيراد الغاز التركماني عبر إيران، تهدف أرمينيا إلى تعزيز مرونة نظام الطاقة لديها تدريجيًا.
رغم ذلك، فإن نطاق التنويع محدود بسبب العوائق التقنية، والأسعار غير المواتية، وسيطرة روسيا على البنية التحتية الرئيسة.
في المقابل، فإن ملكية شركة غازبروم لشبكة توزيع الغاز الأرمينية وخط أنابيب إيران-أرمينيا تُقيّد قدرة البلاد على زيادة الإمدادات البديلة بشكل كبير.
وتواجه إيران -على الرغم من كونها شريكًا مهمًّا- تحدياتها الخاصة مع نقص الإمدادات في فصل الشتاء ومحدودية البنية التحتية للتصدير.
ومع أن الغاز التركماني العابر عبر إيران قد يُخفِّف من وطأة هذه الأزمة، فإنه من غير المرجّح أن يُلبّي الطلب في أوقات الذروة.
وعلى الرغم من هذه التحديات، ما تزال إيران لاعبًا رئيسًا في إستراتيجية أرمينيا لتنويع مصادر الطاقة.
ويمكن للزيادات التدريجية في إمدادات الغاز الإيراني، وربما التركماني، إلى جانب مبادرات البنية التحتية المشتركة للطاقة، أن تُقلل تدريجيًا من تأثُّر أرمينيا بالنفوذ الروسي.
على المدى الطويل، يمكن للتطورات الجيوسياسية - مثل تحسن العلاقات مع الدول المجاورة وتحولات الهيمنة الإقليمية لروسيا - أن تخلق المزيد من الفرص لمشاركة إيران.
خلاصة القول، تُبرِز شراكة الطاقة بين أرمينيا وإيران إمكانات وقيود التنويع في منطقة تُشكّلها سيطرة البنية التحتية، والمنافسة الجيوسياسية، وتوجهات السوق.
وعلى الرغم من أن الغاز الروسي ما يزال مهيمنًا، فإن التزام أرمينيا بالسعي وراء البدائل يُبرز القيمة الإستراتيجية حتى لخطوات التنويع الصغيرة.
وبمرور الوقت، قد تُسهم هذه الجهود في محفظة طاقة أكثر توازنًا ومتانة لأرمينيا، على الرغم من أن الرحلة ستكون بطيئة ومليئة بالعقبات الهيكلية.
الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..