على الرغم من التصريحات الرسمية الأمريكية الكثيرة التي أعلنت نجاحًا كبيرًا للضربات العسكرية الأمريكية ضد المنشآت النووية الإيرانية في يونيو الماضي، يبدو أن ملف إيران النووي لم يغلق بعد، وقد أدى تقرير استخباراتي أولي إلى إقالة الجنرال جيفري كروز، مدير وكالة الاستخبارات الدفاعية (DIA) في البنتاجون، وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية، بي بي سي.
وأعلن وزير الدفاع بيت هيجسيث إقالة كروز، بعد أسابيع قليلة من إصدار الوكالة تقريرًا يشير إلى أن الضربات الأمريكية على ثلاثة مواقع نووية إيرانية رئيسية – هي: فوردو وناتانز وأصفهان – لم تدمر البرنامج النووي الإيراني تمامًا، بل تسببت على الأرجح في تأخير تقدمه لبضعة أشهر فقط، خلافًا لادعاءات الرئيس دونالد ترامب الذي وصف المواقع بأنها "دمرت تمامًا وممحية".
وأشارت صحيفة ميامي هيرالد إلى أن التقييم الاستخباراتي، الذي اعتمد على تقييم أولي للأضرار بعد 24 ساعة فقط من الضربات، أكد أن بعض اليورانيوم المخصب عاليًا تم نقله خارج المواقع قبل الهجوم، وأن الطرديات المركزية بقيت سليمة إلى حد كبير، مما يعني أن إيران يمكنها إعادة بناء قدراتها بسرعة نسبية.
وفي تفاصيل التقرير الذي سرب جزئيًا، أوضحت الوكالة أن الضربات ألحقت أضرارًا كبيرة بالبنية التحتية السطحية، مثل انهيار مدخل منشأة فوردو المدفونة تحت الأرض، لكن البنية التحتية الجوفية الأساسية لم تتأثر بشكل كامل، مما يتطلب وقتًا محدودًا للإصلاح يقدر بأشهر قليلة فقط، لا سنوات كما كان متوقعًا من بعض المسؤولين. وأثار هذا التقييم غضبًا شديدًا في الإدارة الأمريكية، حيث وصف ترامب التقرير بأنه "خاطئ تمامًا" و"مسرب بأجندة سياسية"، معتبرًا أنه يقلل من شأن "الضربة التاريخية" التي نفذتها الطائرات الأمريكية بمشاركة أكثر من 125 طائرة وغواصة صواريخ موجهة.
كما انتقد هيجسيث التقرير علنًا، مشيرًا إلى أنه مبني على "استخبارات منخفضة الثقة" ولم يتم تنسيقه مع باقي الوكالات الاستخباراتية، مما يعكس توترًا داخليًا حول كيفية تقييم النتائج العسكرية تجاه إيران، خاصة بعد أن أعلن ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن البرنامج النووي الإيراني "دمر بالكامل".
ولم يقدم البنتاجون تفسيرًا رسميًا مباشرًا لإقالة كروز، الذي تولى المنصب في أوائل 2024 بعد تعيينه في عهد الرئيس السابق جو بايدن، لكن مصادر دفاعية متعددة أشارت إلى "فقدان الثقة" في قدراته، وسط اتهامات بأن التقرير كان جزءًا من محاولة لتقويض الإدارة. وجاءت الإقالة كجزء من حملة تصفيات أوسع في وزارة الدفاع، شملت إقالة مسؤولين آخرين مثل نائبة الأدميرال نانسي لاكور، رئيسة احتياطي البحرية، ورئيس الأدميرال ميلتون ساندز، قائد قوات الحرب الخاصة البحرية، بالإضافة إلى إقالات سابقة لقادة كبار مثل رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال تشارلز براون، ورئيس وكالة الأمن القومي الجنرال تيموثي هاه، وسط مخاوف من تسييس الاستخبارات العسكرية وفرض اختبارات ولاء سياسي. وقد عبر السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، عضو لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، عن قلقه الشديد من أن هذه الإقالات تحول الاستخبارات إلى "أداة سياسية" بدلًا من مصدر محايد للمعلومات، مشيرًا إلى نمط سابق في إدارة ترامب بإزاحة المسؤولين الذين يقدمون تحليلات مخالفة لآراء الرئيس، مثل رفض تقارير سابقة عن تدخل روسيا في الانتخابات أو تغير المناخ.
وأكد هذا الحدث أن ملف إيران لا يزال مفتوحًا، إذ يشير التقييم الاستخباراتي إلى أن الضربات لم تقضِ تمامًا على القدرات النووية الإيرانية، مما قد يستدعي إجراءات إضافية أو تصعيدًا محتملًا في المستقبل، خاصة مع تقارير تفيد بأن إيران احتفظت بمواد نووية حاسمة ويمكنها إعادة بناء البرنامج خلال 1-2 سنوات على الأكثر حسب تقديرات البنتاجون اللاحقة.
وفي هذا السياق، أفادت مصادر أن التقرير الأولي للوكالة أثار جدلًا داخليًا حول فعالية الضربات، التي شاركت فيها إسرائيل أيضًا، وأدى إلى انتقادات من قبل هيجسيث نفسه الذي وصف التقييم بأنه "غير منسق" ومبني على بيانات أولية، بينما حذر خبراء من أن مثل هذه الإقالات قد تؤثر سلبًا على جودة التحليلات الاستخباراتية المستقبلية، مما يعرض الأمن القومي الأمريكي للخطر.
وتزيد هذه التطورات من الشكوك حول موقف السياسة الأمريكية الحقيقي تجاه إيران، حيث يرى مراقبون أن التصفيات المتكررة في البنتاجون – التي شملت أكثر من 20% من الجنرالات ذوي النجوم الأربعة – قد تكون جزءًا من جهود الإدارة لإعادة هيكلة الجهاز العسكري ليتناسب مع أولويات ترامب، بما في ذلك تقليل الاعتماد على التقارير الاستخباراتية التقليدية وتعزيز الاعتماد على أنظمة تجارية أو تقنيات خاصة.
كما حذر خمسة وزراء دفاع سابقين، بما فيهم الجنرال جيم ماتيس، من أن هذه الإجراءات "متهورة" وتستدعي جلسات استماع فورية في الكونغرس لتقييم تأثيرها على الأمن القومي. في النهاية، يبقى ملف إيران مفتوحًا، مع إمكانية تصعيد جديد إذا أعادت طهران بناء قدراتها النووية، مما يعزز من التوترات الإقليمية والدولية في ظل هذه الاضطرابات الداخلية في الولايات المتحدة.