أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات، برئاسة المستشار حازم بدوي، النتيجة الرسمية للجولة الأولى من انتخابات مجلس الشيوخ 2025، لتكشف الأرقام عن 11 مليونًا و650 ألف ناخب أدلوا بأصواتهم، بنسبة مشاركة بلغت 17.1% من إجمالي من لهم حق التصويت.
نسبة قد يراها البعض متواضعة، لكنها تحمل أكثر من قراءة: فهي، من ناحية، تعكس وجود شريحة من المواطنين ما زالت ترى في المشاركة الانتخابية واجبا وطنيا، لكنها، من ناحية أخرى، تدق ناقوس تساؤل عن الغياب الكبير للأغلبية، وعن الأسباب التي تجعل صوت الصندوق يفقد جاذبيته لدى قطاعات واسعة من الشعب.
لقد تمّت الانتخابات في 8 آلاف و286 مقرًا انتخابيا، تحت إشراف قضائي كامل، وبحضور منظمات دولية ومحلية ووسائل إعلام متعددة، وهو ما يضمن – على الورق – أعلى درجات النزاهة والشفافية. لكن السؤال الذي لا يمكن تجاوزه: إذا كان الإطار القانوني والرقابي متكاملًا، فلماذا بقيت لجان كثيرة في لجان الاقتراع خالية إلا من المقاعد والهواء؟
الوعي الذي ثمنته الهيئة الوطنية للانتخابات في بيانها لا ينفصل عن ثقة المواطن في جدوى صوته، وعن إحساسه بأن مجلس الشيوخ أو النواب، قادر على تمثيل قضاياه الحقيقية، وحماية مصالحه، والدفاع عن حقوقه في مواجهة أعباء الحياة وتحديات الداخل والخارج. وحين يشعر المواطن أن صوته يغير، فإنه يذهب إلى الصندوق طوعا، لا استجابة لنداء عابر.
إن مصر التي خاضت معارك وجودها عبر التاريخ لا يمكن أن ترضى بنصف مشاركة أو ربع إقبال. فالديمقراطية ليست أرقامًا في مؤتمر صحفي، بل روحا حية تتنفس من مشاركة الناس، ومن إحساسهم بأنهم شركاء في القرار، لا متفرجون على مسرح السياسة.
ويبقى الأمل أن تكون انتخابات مجلس النواب المقبلة فرصة حقيقية لتصحيح المعادلة، وأن تتحول النسبة من مجرد مؤشر إحصائي إلى شهادة حية على أن مصر، بكل أبنائها، حاضرة وفاعلة في صياغة مستقبلها. فالوطن الذي نحب لا نحميه فقط بالجيش والسلاح، بل نحميه أيضا بالصوت الحر، والإرادة التي لا تعرف الانكسار.!