في زمنٍ تحكمه الشاشات، وتتحكم فيه الخوارزميات، لم تعد القصة عن الإبداع أو الموهبة أو حتى الفكرة الجيدة، بل عن من يستطيع أن يلفت الانتباه بأي طريقة، ولو على حساب نفسه وكرامته.
هنا، في "سوق الترند"، البضاعة ليست ملابس أو طعامًا أو تكنولوجيا، بل هي الهوية والقيم والمبادئ.
شاب قرر أن يتقمص دور فتاة، يتحدث بصوتها، يتحرك بحركاتها، يختار كلماتها بعناية مدروسة، لا بدافع الفن أو التجربة، بل لأن المشاهدات والأموال تتدفق كلما كان أكثر إقناعًا… على الجانب الآخر، فتاة اختارت أن تتنكر في هيئة رجل، تبحث عن شهرة أو حضور طاغٍ، حتى لو كان الثمن هو التخلي عن أنوثتها.
لكن المشهد لا يتوقف هنا. هناك موجة عارمة من صُنّاع المحتوى، يظنون أن الطريق الأقصر إلى الجمهور يمر عبر الجسد المكشوف أو الكلمة البذيئة. صور مستفزة، إيحاءات مباشرة، وعبارات تُقال بلا خجل، كل ذلك تحت لافتة "الترفيه" أو "الحرية".
ورغم أن المتابع قد يضحك أو يندهش، إلا أن السؤال العميق يظل قائمًا: هل نحن أمام محتوى يُثري العقول، أم سوق مفتوح تُباع فيه القيم والهوية مقابل مشاهدات سريعة؟
في زمن صارت فيه الهوية أداة تسويق، صار من السهل أن ترى رجالًا في هيئة نساء ونساءً في هيئة رجال، وأجسادًا تُعرض كما تُعرض البضائع، وكلمات تُقال بلا وزن ولا وعي. لكن من قليلا ما تجد من يحافظ على نفسه كما هي، مهما كان الثمن إلا من رحم ربي.
لكن وسط هذا الضجيج الرقمي، يظل هناك من يحاول وضع حدود تحفظ للمجتمع توازنه. الأجهزة الأمنية، وعلى رأسها الشرطة، تقوم بدور حاسم في مواجهة المحتوى المخالف على منصات التواصل الاجتماعي، سواء كان تحريضًا، أو خدشًا للحياء، أو انتهاكًا للقيم العامة. تدخلهم لا يعني تقييد الحريات، بل حماية من أن يتحول المجتمع إلى فوضى أخلاقية، وضمان أن تظل حرية التعبير في إطار يحترم كرامة الإنسان وقيم المجتمع..
ففي زمن تتلاعب فيه الخوارزميات بعقولنا، يصبح وجود عين ساهرة تحمي الصالح العام ضرورة لا رفاهية.
في النهاية، ستظل المشاهدات أرقامًا، لكن الكرامة إذا بيعت مرة… لا تُشترى مرة أخرى.
