يحتفل في الأسبوع الأول من أغسطس من كل عام بـ"الأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية"، الذي أقرته منظمة الصحة العالمية واليونيسيف عام 1992 بهدف التوعية بأهمية الرضاعة الطبيعية لصحة الطفل والأم معًا فهى الاساس وركيزة التنمية المستدامة ويُعد هذا الأسبوع فرصة عالمية لتسليط الضوء على الحقوق الصحية والغذائية للأطفال في بداية حياتهم،وهو أسبوع عالمي لتعزيز وعي الأمهات وربط الرضاعة بأهداف التنمية المستدامة.
وتأتي فعاليات هذا الأسبوع في إطار الجهود الدولية لمكافحة سوء التغذية وتقليل معدلات الأمراض المرتبطة بالتغذية الصناعية، وعلينا ان نعترف بان الرضاعة الطبيعية هى أساس صحة الأجيال ، فبينما تتعرض الرضاعة الطبيعية في بعض المجتمعات للتراجع نتيجة المفاهيم الخاطئة أو ضغط العمل، تسعى المؤسسات الصحية العالمية والمحلية لإعادة إحياء هذه العادة الصحية السليمة ان الرضاعة الطبيعية هى أساس صحة الأجيال .
مناعة طبيعية منذ الولادة
توفر الرضاعة الطبيعية مناعة طبيعية منذ الولادة للرضيع مناعة طبيعية قوية ضد كثير من الأمراض مثل الالتهابات الصدرية، والإسهال، والحساسية. يحتوي حليب الأم على الأجسام المضادة والبروتينات التي تدعم الجهاز المناعي للطفل وتُسهم في بناء مقاومته للأمراض. كما أن الحليب الطبيعي سهل الهضم وآمن تمامًا على معدة الرضيع مقارنة بالألبان الصناعية. وتوصي منظمة الصحة العالمية بالرضاعة الطبيعية الحصرية لمدة 6 أشهر على الأقل من عمر الطفل، مع إمكانية الاستمرار بجانب الطعام التكميلي حتى عمر السنتين. كما أن الأبحاث الحديثة تشير إلى أن الأطفال الذين يرضعون طبيعيًا أقل عرضة للإصابة بالسمنة وأمراض القلب لاحقًا في حياتهم.
صحة الأم النفسية والجسدية
لا تقتصر فوائد الرضاعة الطبيعية على الطفل فقط، بل صحة الأم النفسية والجسدية فتعود على الأم بصحة نفسية وجسدية محسّنة. فالرضاعة تُسهم في تقليل خطر الإصابة بسرطان الثدي والمبايض، وتحفز إفراز هرمون "الأوكسيتوسين" الذي يعزز ارتباط الأم بطفلها ويقلل من التوتر والقلق. كما تساعد الرضاعة على تقليص حجم الرحم بعد الولادة وتسريع عملية التعافي. وتشير دراسات حديثة إلى أن الأمهات اللاتي يرضعن طبيعيًا يتمتعن بمعدلات أقل من الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة، مما ينعكس إيجابيًا على الرضيع والأسرة بأكملها.
“اللبأ” أو القطرات الاولى من لبن الام الذهب السائل
من جانبه قال استشاري طب الأطفال وحديثي الولادة الدكتور أحمد نبيل لـ"البوابة نيوز" : اللبأ او القطرات الاولى من لبن الام الذهب السائل ،بمعنى أن أول قطرات من حليب الأم، والتي تُعرف باللبأ، هي كنز لا يُقدّر بثمن. ويوضح قائلاً: "اللبأ غني جداً بالبروتينات والمضادات الحيوية الطبيعية، وهو بمثابة اللقاح الأول للطفل". ويضيف أن كثيراً من الأمهات، للأسف، يتجاهلن أهميته نتيجة لعدم الوعي الكافي أو اتباع بعض التقاليد القديمة التي تقلل من شأنه. ويشدد د. نبيل على ضرورة بدء الرضاعة خلال الساعة الأولى من الولادة لتعزيز الترابط بين الأم وطفلها وضمان حصول الطفل على أفضل تغذية ممكنة من اللحظة الأولى.
وقاية ممتدة على المدى الطويل
وفى ذات السياق قال أستاذ طب الباطنة بجامعة عين شمس الدكتور خالد الشرقاوي لـ"البوابة نيوز" : وقاية ممتدة على المدى الطويل ، بمعنى أن الرضاعة الطبيعية ليست فقط وسيلة لتغذية الرضيع، بل هي استثمار صحي طويل الأمد. ويوضح أن الأطفال الذين يرضعون طبيعيًا يقل لديهم خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، وارتفاع ضغط الدم، وبعض أمراض المناعة الذاتية. كما يشير إلى أن الأمهات اللواتي يُرضعن أطفالهن لمدة عام أو أكثر يتمتعن بمعدلات أقل من أمراض القلب والسكري وارتفاع الكوليسترول. ويضيف: "الرضاعة الطبيعية تقلل من العبء على الأنظمة الصحية الوطنية، فهي تساهم في تقليل الإنفاق على الأدوية والاستشفاء".
دعم المجتمع والسياسات لتشجيع الرضاعة
وأضاف : لكي تستمر الرضاعة الطبيعية بالشكل الأمثل،يجب ان تحصل الام على دعم المجتمع والسياسات لتشجيع الرضاعة ، بمعنى أنه لا بد من دعم المرأة من خلال سياسات مرنة في العمل وإجازات الأمومة الكافية. يشير خبراء الصحة العامة إلى أن بيئة العمل الصديقة للأم المرضعة — من حيث وجود أماكن للرضاعة أو لضخ الحليب — تؤثر بشكل مباشر في استمرارية الرضاعة. كما تلعب حملات التوعية وورش العمل دورًا مهمًا في إزالة المفاهيم الخاطئة التي ترتبط بالحليب الصناعي أو بتأثير الرضاعة على مظهر الجسم. في مصر، أطلقت عدة مؤسسات طبية ومنظمات أهلية مبادرات هذا الأسبوع لتشجيع الأمهات على الرضاعة الطبيعية، خاصة في المناطق الريفية والشعبية التي تعاني من نقص الوعي الصحي.
ركيزة التنمية المستدامة
وأوضح : تسهم الرضاعة الطبيعية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، فهى دعم المجتمع والسياسات لتشجيع الرضاعة ، لا سيما في ما يتعلق بصحة الطفل، والمساواة، وتقليل الفقر، وحماية البيئة. فهي وسيلة طبيعية لا تتطلب تصنيعًا أو تغليفًا أو نقلًا، مما يقلل من التلوث والنفايات البلاستيكية المرتبطة بالرضاعة الصناعية. كما تساهم في تقليل العبء الاقتصادي على الأسر، خصوصًا ذات الدخل المحدود. تؤكد تقارير اليونيسف أن تعزيز الرضاعة يمكن أن ينقذ حياة نحو 820 ألف طفل سنويًا دون سن الخامسة، ويمنع أكثر من 20 ألف وفاة بسرطان الثدي سنويًا بين الأمهات.
رسالة عالمية تبدأ من الأم
يمثل "الأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية" فرصة لتجديد التوعية بأهمية هذا السلوك الفطري الذي يشكل قاعدة ذهبية لصحة الإنسان منذ لحظة ولادته. ومع تزايد التحديات الاقتصادية والصحية، فإن العودة إلى الرضاعة الطبيعية ليست فقط خيارًا صحيًا، بل ضرورة مجتمعية وصحية واستراتيجية. فالأم التي تُرضع تُسهم في بناء جيل أقوى، ومجتمع أكثر صحة، واقتصاد أكثر توازنًا. إنها دعوة عالمية تنطلق من صدر الأم، لتصل إلى قلب الإنسانية جمعاء.