أخبار عاجلة

الاهتمام الزائد.. يفسد النَص!

الاهتمام الزائد.. يفسد النَص!
الاهتمام الزائد.. يفسد النَص!
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

حين تضيق بنا الحياة، ونثقل بحمولٍ لا تُحتمل، نلجأ إلى لغة لا تُرهقنا، نبحث بين الحروف عن مهرب، لا لنُفصح، بل لنجد سلامًا داخليًا في حضرة الصمت. من هنا انطلقت الكتابة لدى "هان كانغ"، الكاتبة الكورية التي نالت نوبل...

أنت تعرف أنها ليست مجرد اسم لامع، بل صوت خافت يسير عكس التيار، لا تصرخ، بل تهمس...

في روايتها "النباتية" كتبت عن الجسد، وفي رواية "الدرس الإنساني" كتبت عن الكرامة، لكنها في رواية "الكتاب الأبيض" تجاوزت اللغة، وكتبت عن شيء لا يُروى: أخت ماتت بعد ساعة من الولادة، طفولة انكسرت قبل أن تبدأ، وجرح لا يزال يتنفس في ذاكرة أمها، تلك الأم التي ما زال صوتها يطارد الكاتبة:

"يا صغيرتي، من أجل الرب، لا تموتي..."

"الكتاب الأبيض" ليس رواية تقليدية، بل ترياق شفاف يُكتَب بصمت، في عالم يعج بالحركة والضجيج، اختارت "هان كانغ" أن تكتب عن السكون، عن البياض، عن الجراح الخفية التي لا يراها أحد، لكنها تنزف باستمرار في داخلها...

ليست "هان كانغ" كاتبة عادية في كوريا الجنوبية؛ هي تجربة وجودية تكتب الألم قطرة قطرة، كأن الكلمات نفسها تمارس فعل الشفاء...

منذ بداياتها، لم تسعَ للشهرة، ولم تغرِها العوالم الخيالية، بل ظلت تمسك بتلك اللحظة الدقيقة بين الحياة والموت، بين الحضور والغياب، بين ما كُتب وما ظلّ عالقًا في الأعماق.

أعمالها المتعددة تميزت بخصوصيتها، وأبرزها رواياتها "النباتية" التي أثارت جدلًا عالميًا وحازت جائزة "مان بوكر" الدولية عام 2016، وتلتها رواية "الدرس الإنساني"، إلى أن وصلت إلى أكثر أعمالها صفاءً وخصوصية: رواية "الكتاب الأبيض"...

هذه الرواية لا تُقرأ كما تُقرأ الروايات، بل تُشعر كما تُحسّ القصيدة،تبدو كدفتر تأملاتٍ هادئ، أو كطقس ربيعي مكتوب تسير فيه الكاتبة عبر دروب الفقد، ممسكة بالخيط الأبيض الذي يشدّ بين الحداد والرجاء، بين أخت لم تُمنح من الحياة سوى ساعة واحدة، وصورة لم تغادر ذاكرة أمها...اقرأ:

"استلقى الجسدان على أرضية المطبخ، الأم على جنبها، والطفلة ملتصقة بصدرها...شعرت الأم ببرودة تتسلل إلى جسد صغيرتها، فأدركت أنها سترحل فورًا إلى عالمٍ آخر..."

ولذا  فان البياض لم يكن مجرد لونٍ في هذا الكتاب، بل بطل فى الرواية، بياض القماط، الثلج، الكفن، الورقة، الضوء... كلها رموز تكررت، كأنها طقس تطهير داخلي، تُهدئ به الكاتبة أوجاعًا لم تتكلم عنها من قبل...

ولفهم رؤيتها وأعماقها، لا بد من التوقف عند حوار أجرته معها صحيفة "الجارديان" البريطانية، كانت إجاباتها صافية، مثل صوتها في الرواية، تحدّثت فيه عن الطقوس والكتابة والصداع الذي علمها التواضع...!

عندما سُئلت: تكررين في صفحاتك الأولى أنكِ "ترغبين في أن تكتبي"... هل هذا الكتاب تحوّل جذري؟أجابت:

"الأسلوب الذي كتبته به كان كطقس صغير أمارسه يوميًا، تطهير ذاتي،شعرت بأنني أقترب يومًا بعد يوم من شيءٍ في داخلي لا يُدمَّر، لا يُشوَّه...

ثم جاء السؤال الشخصي عن الصداع النصفي:

"يُذكرني بأني إنسانة. حين يهاجمني، يُجبِرني على التوقّف، ويجعلني متواضعة دائمًا. لولاه، لو كنتُ في صحة ممتازة، ربما لم أكن لأصبح كاتبة...!

وحين سُئلت: ومتى أدركتِ أنكِ كاتبة؟

"في الرابعة عشرة. كنت أبحث عن إجابات، ثم أدركت أن كل الكتّاب يكتبون بحثًا عن أجوبة لا يصلون إليها. فقلت: لماذا لا أفعل مثلهم؟"

وعن والدها الروائي، أجابت ببساطة:

"كان في بيتنا الكثير من الكتب... هذا كل شيء."

لكن أكثر الإجابات دهشة جاءت حين سُئلت عن الكُتاب الذين تتمنى لقاءهم أجابت:

"لا أرغب في لقائهم، لقد التقيتُ بهم بالفعل عبر كتبهم،  إن شعرتُ بشيء وأنا أقرأ، فهذا لا يُقدّر بثمن، الكاتب يُقدّم أفضل ما عنده في كتابه، وهذا يكفيني."

أما عن أثر فوزها بجائزة "البوكر"، فقد كانت صادقة حين  قالت:

"ساعدني على الوصول إلى جمهور أوسع، لكنه جلب معه اهتمامًا زائدًا... وبعد شهور قليلة، تمنيت أن أستعيد خصوصيتي، لأن الاهتمام الزائد...ليس جيدًا للكاتب."

نلتقي الأسبوع القادم بإذن الله، مع قراءة مختلفة، وكتاب آخر.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق ميدبنك يتيح القرض الشخصي المضمن بتمويل حتى 95% من قيمة الشهادة وسداد حتى 10 سنوات
التالى لنقل ألف عائد سودانى.. انطلاق أولى رحلات عودة السودانين إلى بلادهم غدًا