السؤال شكله غريب، لكن في الحقيقة هو واحد من أهم الأسئلة اللي لازم كل أم تفكر فيه وهي بتربي ابنها. لأن الرجولة مش فطرية، ومش بتتولد مع الولد لمجرد إنه ذكر. الرجولة سلوك بيتعلم، وقيم بتتشرب، ومواقف بتترسخ من الطفولة. الرجولة مش هي الصوت العالي ولا السيطرة ولا إنك تبقى عنيف علشان الناس تحترمك. الرجولة الحقيقية هي إنك تكون إنسان، عارف يعني إيه مسؤولية، وعارف إمتى تتكلم وإمتى تسكت، وعارف تحتضن وتحب وتحمي من غير ما تفرض ولا تذل ولا تهين.
الولد اللي بيتربى على الحب والحنية عمره ما هيطلع ضعيف، بالعكس، ده اللي هيبقى عنده أمان داخلي يخليه أقوى بكتير من اللي اتربى على التهديد والعقاب والكسرة. في دراسة من جامعة هارفارد (Harvard Center on the Developing Child) أكدت إن الأطفال اللي بيتربوا في بيئات داعمة عاطفيًا عندهم فرص أعلى للنمو العاطفي والاجتماعي السليم، وإن وجود شخص بالغ مستقر وداعم في حياة الطفل – زي الأم – بيشكل عامل حماية ضد الاضطرابات النفسية مستقبلًا.
الأبحاث النفسية كمان بتأكد إن الولد اللي بيتمنع من التعبير عن مشاعره علشان “ماينفعش تعيط، إنت راجل”، بيكبر وهو مش قادر يفهم نفسه، وغالبًا بيترجم مشاعره دي في صورة سلوك عدواني أو انسحاب اجتماعي. في دراسة نُشرت في مجلة Emotion التابعة لجمعية علم النفس الأمريكية (APA)، لُوحظ إن الأولاد اللي اتعلموا إن البكاء أو التعبير عن الضعف “عيب”، كانت معدلات التوتر والاكتئاب عندهم أعلى في سن المراهقة.
الفرق كبير جدًا بين الذكورة والرجولة. الذكورة بيولوجيا، لكن الرجولة قرار. ممكن واحد يكون راجل في سن صغير لأنه بيتحمل نتيجة أفعاله، وبيحترم غيره، وبيفهم مشاعر اللي حواليه، وممكن واحد كبير في السن ولسه بيتعامل بأنانية وتسلط وكأنه طفل كبير. علشان كده، التربية هنا مش بس بتشكل شخص، دي بتصنع مجتمع.
دور الأم أساسي ومحوري. مش علشان هي اللي بتطبخ وتذاكر وتخسل، لكن علشان هي أول حضن وأول كلمة وأول رد فعل بيشوفه الولد. لو الأم استخفت بمشاعره، هيتعلم إن مشاعره مالهاش قيمة. ولو دايمًا بتغطي على غلطه لأنه “ولد”، هيتعود إنه دايمًا صح، ومحدش من حقه يوقفه. ولو شجعته يضرب أخته علشان يفرض رأيه، هيكبر فاكر إن القوة هي اللي تحكم، مش العقل ولا الاحترام. لكن لو نفس الأم علمته يشارك، يسمع، يعتذر، ويفهم إن الرجولة مش في القسوة، هيطلع راجل بجد.
في دراسة كبيرة اتعملت في جامعة ستانفورد سنة 2020، تابعوا فيها أطفال من أعمار مختلفة، ولقوا إن الأولاد اللي شاركوا في المهام المنزلية مع الأهل وكان عندهم مساحة للتعبير عن مشاعرهم بدون سخرية، كانوا أكتر تفاعلًا مع زملائهم، وعندهم قدرة أفضل على تكوين علاقات مستقرة، وده معناه إن الرجولة الحقيقة بتتبني في اللحظات البسيطة اليومية، مش بالكلام الكبير.
من أكبر الأخطاء اللي بنقع فيها إننا نبرر كل سلوك عدواني عند الولد علشان “ده طبيعي، ولد لازم يبقى كده”، ونمنع أي لحظة ضعف أو بكاء بحجة “ما يصحش، الرجالة ما تعيطش”. والنتيجة؟ جيل من الذكور اللي مش قادرين يعبروا عن نفسهم، ولا يتكلموا عن مشاكلهم، ولا حتى يكونوا علاقات صحية. الجيل ده محتاج أم شجاعة تكسر الدائرة دي، وتقول لابنها: "مشاعرك مهمة، تعال احكيلي، وأنا هفهمك يعني إيه تبقى راجل بجد".

الراجل الحقيقي هو اللي بيعرف يحتوي، مش يسيطر. اللي يعتذر لما يغلط، ويحمي من غير ما يؤذي. اللي لما يحب، يحب باحترام ومسؤولية، مش امتلاك وتحكم. والراجل ده مش بيطلع فجأة، ده بيتربى من وهو عنده ٣ أو ٤ سنين، بيتعلم من كل كلمة بتتقال، ومن كل تصرف بيتشاف، ومن كل رد فعل بيشوفه في عيون أمه.
تربية راجل مش معناها نخلق شخصية قوية ظاهريًا ومكسورة من جوه، لكن معناها إننا نخلق إنسان سوي، يفتخر بنفسه وبقيمه، ويحترم غيره، ويكون أمان لكل اللي حواليه. وكل ده بيبدأ من البيت، من كلمة، من حضن، من تفاهم، من أم مؤمنة إن ابنها مش لازم يبقى نسخة مكررة من أي حد، لكن نسخة أفضل، لأنه فهم الرجولة صح.