ضمن مبادرة "ميراثك تراثك" التي تنظمها وزارة الثقافة على مدار شهر يوليو ٢٠٢٥، عقدت بالمجلس مائدة مستديرة بعنوان "من القلب إلى القلب: الأم حارسة تراث أغاني الأطفال"، أدارتها الأستاذة فاطمة المعدول رائدة أدب الأطفال.
وشارك بها الكاتب أحمد طوسون القاص والروائي وكاتب أدب الأطفال، والذي أكد أن أول شكل من الفنون عرفه البشر هو فن الغناء، وأضاف أن الهدهدة؛ تلك الأصوات المنغمة التي تستخدمها الأم لتهدئة طفلها، هي لغة واحدة مشتركة في العالم كله، وأشار إلى أن التراث الشعبي دائمًا وأبدًا يصحح نفسه، فمثلاً في بعض الأوقات كانت النظر الذكورية مسيطرة على الوجدان الشعبي، فردد الناس: "لما قالوا دا ولد اتشد ضهري واتسند، ولما قالو دي بنية اتهد البيت عليا" ، ثم صحح نفسه فقال: "لما قالوا دي بنية قلت الحبيبة جاية"، مؤكدًا أن التراث الشعبي جماله في أنه يصحح نفسه دائمًا، وأضاف أن المرأة الصعيدية لها النصيب
الأكبر في التراث الذي تم جمعه.
الأم حارسة الثقافة
وتساءل: هل ما زالت الأم حارسة لثقافتنا الشعبية وتراثنا، أم تترك أولادها أمام وسائل التواصل الحديثة؟
وأخيرًا أكد ضرورة توظيف ودراسة التراث الشعبي في التعليم الأساسي، وأن حفظ التراث الشعبي دور الدولة وليس فقط هيئة قصور الثقافة.
كما شارك بالمائدة الكاتب أحمد عبد العليم، رئيس المركز القومي لثقافة الطفل، والذي أوضح أن التراث الشعبي والهوية مسئولية المجتمع ككل، وقال إن المشكلة تكمن في التطور التكنولوجي في العصر الحديث، والذي نتج عنه سيطرة رؤية ثقافية واحدة على العالم.
التربية في المنزل
كما شاركت باللقاء الكاتبة صفاء عبد المنعم، القاصة والروائية، والتي أكدت أن قديمًا كان التعليم الأساسي في مختلف المدارس متشابه، أما الآن فنجد أمهات لا يتحدثن مع أبنائهن في البيت إلا بلغة أجنبية ولا تتحدث باللغة العربية تمامًا لأن لغة الدراسة في المدرسة هي الإنجليزية أو سواها، فلم يعد للشعب ثقافة واحدة، والأم حاملة التراث لم تعد هي من تعلم أبناءها، أو تشارك في تعليمهم حتى تغذيهم بالتراث، ما يجعلنا بالفعل في كارثة مجتمعية، والحل يكمن في دور الدولة وليس فقط الأفراد.
وقال الشاعر عبده الزراع، كاتب الأطفال، في مشاركته، إن علاقته بالتراث ممتدة منذ الطفولة،
حفظ الأغاني الشعبية
مشيرًا إلى أنه قد حفظ الأغاني الشعبية عن ظهر قلب، وأضاف أن الأغنية الشعبية يرددها الشعب في كل حالاته منذ لحظة الميلاد حتى الوفاة، فالأم تبدأ الغناء للطفل أثناء الهدهدة، وتأتي في إطار ذلك أغاني الاحتفال بالسبوع وختان الأولاد (الطهور) مما يحتفى به من خلال أغانٍ خاصة به، وأوضح أن هناك حوارية طول الوقت بين الجدة والبنات والصبيان، ولكننا نفتقد ذلك الدور الآن، فلم تعد هناك الجدة أو الأم الحكاءة إلا فيما ندر، مؤكدًا أننا نحتاج وعيًا جمعيًّا وثقافة حقيقية مطلعة على التراث، مشيدًا بدور الدولة والمجتمع على حد سواء في توظيف هذا الموروث.
وشارك في اللقاء أيضًا الدكتور محمد شبانة، أستاذ الموسيقى الشعبية المتفرغ بالمعهد العالي للفنون الشعبية، قائلًا إن الحديث في هذا الإطار ذو شجون، فنحن بصدد قضية بقدر وضوحها فهي قضية صعبة، فالذي يشكل وجدان الطفل الآن ليس الأم، وإنما التليفون المحمول؛ القضية جد خطيرة، ولا بد من تضافر دور الدولة والأفراد في المحافظة على التراث الشعبي.
وأكد الكاتب المسرحي والناقد محمد عبد الحافظ ناصف، نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، في مشاركته، أهمية التراث الشعبي، وقال إنه ليس هناك منهج من مناهج التعليم الأساسي إلا وكان يعتمد على الأغنية في التعلم والتعليم، لما لها من تأثير في سلوك وثقافة الطفل، وأكد أن الهيئة العامة لقصور الثقافة تهتم بالتراث الشعبي وأغنيات التراث في مختلف الفاعليات الثقافية.
الشخصية المصرية
وأوضح الدكتور مسعود شومان، الشاعر والباحث في الدراسات الشعبية والأنثروبولوجية، في مشاركته، عدم وجود نموذج واحد للشخصية المصرية، فالشخصية المصرية ليست صوتًا واحدًا فقط، وقد تختلف الحكاية من مكان إلى آخر حسب الراوي، وأضاف أن الأغنية الشعبية ليست أمرًا بسيطًا، فهي تحتوي التعليم والقيم، ما يريد العالم من حولنا أن يمحوه حتى يظل البشر متشابهين في حياتهم وتكون الحياة كالماكينة بلا أي تميز أو خصوصية إبداعية لدولة أو لفرد.


