في خطوة وُصفت بأنها اختراق دبلوماسي وتجاري، أعلن وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت أن الولايات المتحدة والصين توصّلتا إلى اتفاق إطاري بشأن مستقبل تطبيق تيك توك داخل الأراضي الأمريكية.
التصريحات جاءت خلال مؤتمر صحفي عقده الوزير في مدريد، بعد يومين من المحادثات المكثفة مع وفد صيني رفيع المستوى، وأكد خلالها أن الاتفاق "بين طرفين خاصين، لكنه يضع الشروط التجارية الأساسية التي تم التوافق عليها".
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب علّق على هذه التطورات عبر منشور على منصته "تروث سوشيال"، معلنًا أنه سيجري محادثة هاتفية مع نظيره الصيني شي جين بينغ يوم الجمعة المقبل لمناقشة الصفقة المرتقبة إلى جانب ملفات أخرى.
خلفية الأزمة مع تيك توك
تيك توك، تطبيق الفيديوهات القصيرة الذي يستخدمه أكثر من 150 مليون أمريكي، يواجه منذ سنوات ضغوطًا متزايدة في الولايات المتحدة بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي، تعود جذور الأزمة إلى أغسطس 2020 حين أصدر الرئيس ترامب أمرًا تنفيذيًا بحظر التطبيق ما لم يتم سحب استثماراته من الشركة الأم "بايت دانس" الصينية، إلا أن المحاكم الأمريكية عطّلت تنفيذ القرار، ما أدى إلى استمرار التطبيق رغم التوترات.
الأزمة تصاعدت مجددًا مع إقرار الكونغرس الأمريكي في 2024 لقانون حماية الأمريكيين من التطبيقات الخاضعة لسيطرة الخصوم الأجانب (PAFACA)، الذي وقّعه الرئيس جو بايدن ليصبح قانونًا نافذًا. هذا التشريع منح الإدارة الأمريكية أدوات قانونية أقوى للتحكم في التطبيقات الأجنبية المثيرة للجدل، وعلى رأسها تيك توك، لكن تطبيق القانون جرى تأجيله أكثر من مرة، على أمل التوصل إلى صفقة استحواذ أمريكية تحل الأزمة جذريًا.
إدارة ترامب مددت حظر تيك توك ثلاث مرات متتالية خلال صيف 2025، مانحة الشركة الصينية مهلة نهائية تنتهي في 17 سبتمبر الجاري، وبموجب التهديد المستمر بالحظر، دخلت واشنطن وبكين في مفاوضات ماراثونية أسفرت عن الاتفاق الإطاري الحالي.
مع ذلك، يشير مراقبون إلى أن الاتفاق لا يمثل صفقة مكتملة، بل هو مجرد إطار يحدد كيفية وضع تيك توك تحت سيطرة أمريكية جزئية أو كاملة، شركات أمريكية كبرى، بينها أوراكل ومايكروسوفت، أبدت اهتمامًا بالاستحواذ على التطبيق أو المشاركة في إدارته، فيما شدد الرئيس ترامب على أنه يفضل أن تكون الصفقة لصالح "شركة أمريكية خالصة".
هل ينجو تيك توك من الحظر؟
الموعد النهائي في 17 سبتمبر يظل العقبة الأكبر أمام التطبيق. الممثل التجاري الأمريكي جيميسون جرير أكد هذا الأسبوع أن إبرام الصفقة قد يتطلب تأجيلًا إضافيًا، ما يعني أن خيار التمديد لا يزال مطروحًا بقوة.
ورغم الإعلان عن الاتفاق الإطاري، يبقى مستقبل تيك توك في الولايات المتحدة معلّقًا بين عدة سيناريوهات: إما المضي قدمًا في صفقة استحواذ أمريكية تضمن بقاء التطبيق، أو الفشل في التوصل لاتفاق نهائي، وهو ما قد يعيد شبح الحظر إلى الواجهة.
الصفقة المحتملة تمثل أكثر من مجرد قضية تجارية، فهي اختبار حقيقي للعلاقات الاقتصادية بين واشنطن وبكين في وقت تتصاعد فيه التوترات حول ملفات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وسلاسل التوريد، نجاح هذا الاتفاق قد يفتح الباب أمام تفاهمات جديدة في مجالات أخرى، فيما قد يؤدي فشله إلى تعميق الهوة بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم.
في المحصلة، الاتفاق الإطاري بين الولايات المتحدة والصين بشأن تيك توك يعد خطوة مهمة، لكنه لا يزال بحاجة إلى خطوات تنفيذية واضحة وتحالفات تجارية قوية تضمن استمرارية التطبيق في السوق الأمريكية، بعيدًا عن شبح الحظر الذي لاحقه منذ سنوات.