اقرأ في هذا المقال
- شحنات الغاز الأذربيجاني إلى سوريا تُعدّ جزءًا من خطوة إقليمية مدروسة بعناية
- ضخ الغاز الأذربيجاني إلى سوريا عبر تركيا يفتح آفاقًا واسعة للتعاون الإقليمي
- سوريا تُعدّ سوقًا طويلة الأجل ذات طلب كبير على الطاقة بعد الحرب
- دبلوماسية الطاقة تؤدي دورًا حاسمًا في حل النزاعات واكتساب النفوذ السياسي
يحمل ضخ الغاز الأذربيجاني إلى سوريا دلالات جيوسياسية مهمة، ويُعدّ خطوة متقدمة على طريق إعادة إعمار البلاد بعد سنوات الحرب الدامية.
في 2 أغسطس/آب 2025، بدأت أذربيجان بتزويد سوريا بالغاز الطبيعي عبر خط أنابيب يمتد من أذربيجان إلى مدينة حلب في سوريا، مرورًا بمحافظة كيليس جنوب تركيا.
وتعدّ اتفاقية تصدير الغاز الأذربيجاني إلى سوريا -أول نقل من نوعه للدولة العربية، منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2011- خطوةً بارزة نحو إعادة الإعمار بعد الحرب وإعادة التكامل الإقليمي.
وسيُنتَج نحو 900 ميغاواط من الكهرباء في سوريا باستعمال إمدادات اليوم الأول البالغة 3.4 مليون متر مكعب من الغاز، بهدف زيادة توافر الكهرباء يوميًا في المناطق الشمالية من 3 إلى 4 ساعات إلى نحو 10 ساعات.
تدفقات الغاز الأذربيجاني إلى سوريا
قد ترتفع تدفقات الغاز الأذربيجاني إلى سوريا في نهاية المطاف إلى 6 ملايين متر مكعب يوميًا، ما يسمح بإنتاج 1200 ميغاواط من الكهرباء.
بدورها، تقدّم قطر دعمًا ماليًا للمشروع، الذي يستند إلى اتفاقية مبادلة بين تركيا وأذربيجان.
وعلى الرغم من أن العمل يجري على إعادة تشغيل خط نقل الكهرباء بين حلب وتركيا، الذي كان يعمل سابقًا بقدرة 500 ميغاواط، وقد يخدم ما يصل إلى 1.6 مليون أسرة سورية، فقد أنجزت تركيا خط أنابيب كيليس-حلب في مايو/أيار 2025، وتعتزم إمداد ما يصل إلى 500 ميغاواط من شبكتها الكهربائية.
ويُعدّ هذا التعاون في مجال الطاقة جزءًا أساسيًا من مبادرات أوسع نطاقًا لاستعادة الاقتصاد السوري والبنية التحتية المتضررة بعد 14 عامًا من الحرب.
وتستغل أذربيجان -حليفة تركيا الغنية بالغاز- هذا المشروع لتعزيز حضورها الإقليمي والمساعدة في إعادة إعمار سوريا.
ومن خلال التركيز على دبلوماسية الطاقة المتنامية بين أذربيجان وتركيا وقطر، يُرسّخ هذا المسعى المشترك مكانة هذه الدول الـ3 بصفة لاعبين أساسيين في استقرار سوريا.

ويُظهر المشروع الهدف الإستراتيجي لأذربيجان المتمثل في استغلال البنية التحتية للطاقة التركية القائمة لدخول سوق الطاقة في الشرق الأوسط بفعالية.
من الناحية الإستراتيجية، تُعدّ شحنات الغاز الأذربيجاني إلى سوريا جزءًا من خطوة إقليمية مدروسة بعناية تجمع بين النفوذ الجيوسياسي والمصالح التجارية.
من جهتها، تُوسّع أذربيجان دبلوماسيتها في مجال الطاقة إلى ما وراء أوروبا وحوض بحر قزوين من خلال دخولها بشكل غير مباشر إلى مشهد الطاقة في الشرق الأوسط عبر تركيا.
ويُمكّن هذا الإجراء "باكو" من التفاعل مع الحكومة السورية الجديدة، إلى جانب تعزيز علاقاتها مع أنقرة.
بالإضافة إلى ذلك، يُعبّر عن نية أذربيجان استعمال البنية التحتية الحيوية مبادرةَ قوة ناعمة للتأثير في الديناميكيات الإقليمية دون اللجوء إلى القوة.
ونتيجة لتحوُّلها من ممر عبور إلى مركز إقليمي حيوي للطاقة، تُعدّ تركيا طرفًا رئيسًا في هذه الشراكة الثلاثية، ومن خلال تسهيل شحنات الغاز إلى سوريا، يُمكن لتركيا ترسيخ مكانتها السياسية وإعادة التواصل مع دمشق بعد سنوات من العزلة.
ويتوافق ذلك مع هدف أنقرة طويل الأمد المتمثل في أن تصبح مركزًا رئيسًا للطاقة يربط المستهلكين في أوروبا والشرق الأوسط بالمنتجين في الشرق والجنوب.
وبفضل بُنيتها التحتية القائمة، مثل محطات الغاز المسال وخطوط الأنابيب، تُعزز تركيا مكانتها المزدوجة المتمثلة في التسهيلات التقنية والوساطة الجيوسياسية، حيث تُتيح الاتفاقية آفاقًا اقتصادية واعدة لأذربيجان.
ونظرًا لأن النفط والغاز يُمثّلان أكثر من 90% من صادرات أذربيجان، فإن تنويع قاعدة عملائها أمرٌ بالغ الأهمية.
من ناحيتها، تُعدّ سوريا سوقًا طويلة الأجل ذات طلب كبير على الطاقة بعد الحرب.
ويُعزز دعم إعادة الإعمار مكانة أذربيجان بصفتها لاعبًا إقليميًا إيجابيًا، لا سيما في المناطق الشمالية الأكثر تضررًا من الحرب.
ومن خلال خفض التكاليف وزيادة كفاءة التصدير، يُعدّ استعمال طرق النقل التركية حجة قوية للتعاون المستمر في مجال الطاقة.
إضافة إلى ذلك، يُمثّل مشروع الغاز ثقلًا موازنًا دقيقًا للنفوذ الجيوسياسي الإيراني طويل الأمد في سوريا، وعلى الرغم من أن مشاركة أذربيجان في مجال الطاقة، بدعم من قطر وتركيا، تُقدّم لدمشق نموذجًا تعاونيًا بديلًا، فإن طهران كانت داعمًا رئيسًا لحكومة الأسد.
وتُعزّز أذربيجان وحلفاؤها نفوذهم بينما يُضعِفون النفوذ الإيراني من خلال دعم الحكومة السورية الجديدة والمساعدة في تعافيها.
لذلك، يعتمد تشكيل النظام السوري ما بعد الحرب على هذا المثلث الإستراتيجي، الذي يتألف من قطر وتركيا وأذربيجان.

علاقات الطاقة في المنطقة
التداعيات الاقتصادية:
من خلال توفير مصدر دخل جديد من الشرق الأوسط، يُوسّع هذا النقل للغاز أسواق صادرات أذربيجان بشكل كبير، ويُقلّل اعتمادها على أوروبا وبحر قزوين.
ويُعزّز تطوير البنية التحتية والتكامل الإقليمي في مجال الطاقة، لا سيما من خلال إعادة تأهيل خطوط الكهرباء السورية وتحسين قدرات نقل الطاقة في تركيا.
في شمال سوريا، ستُسهم زيادة التغذية الكهربائية من 3 إلى 4 ساعات إلى ما يصل إلى 10 ساعات في رفع مستوى المعيشة، وزيادة الإنتاج الصناعي، وتقليل الاعتماد على مصادر الوقود المُكلفة والضارة بالبيئة.
تُعزّز هذه المبادرة فرص العمل، وتُشجّع النشاط الاقتصادي، وقد تجذب المزيد من رؤوس الأموال إلى إعادة الإعمار وقطاع الكهرباء في المنطقة.
وتدعم هذه النتائج استقرارًا اقتصاديًا أوسع في بلاد الشام، وهي ضرورية لتعافي سوريا الهشّ بعد الحرب.
التداعيات السياسية:
من الناحية السياسية، يُعزز نقل الغاز مكانة تركيا بصفتها جهة رئيسية مُيسّرة للطاقة وفاعلة دبلوماسية في المنطقة، وتؤدي تركيا دورًا محوريًا في تحديد سياسات المنطقة بعد الحرب، وتزيد نفوذها في سوريا من خلال ربط الموردين والعملاء عبر أراضيها.
في المقابل، تُوسّع أذربيجان نفوذها الجيوسياسي في الشرق الأوسط من خلال تشكيل تحالف إستراتيجي مع قطر وتركيا، ما يُعزّز نفوذها في المنطقة دون اللجوء إلى العمل العسكري المباشر.
إضافةً إلى ذلك، يهدف المشروع إلى مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا، حيث تحصل الحكومة السورية على بدائل للبنية التحتية المدعومة من إيران من خلال تأييدها خطَّ أنابيب طاقة تدعمه باكو وأنقرة، ما يُغيّر ميزان القوى بشكل طفيف.
ويُساعد هذا على إعادة توازن التحالفات الإقليمية، ويُرسّخ مثلث أذربيجان وتركيا وقطر بصفته بديلًا قويًا للتكتلات المتنافسة.
وقد شجّع المشروع على مزيد من الاستقرار في المنطقة، حيث تتزايد فرص التطبيع الدبلوماسي وتقليل إراقة الدماء مع إعادة بناء سوريا لاقتصادها وقطاع الطاقة لديها.
ومن خلال التجارة والبنية الأساسية، قد يعمل هذا التعاون في مجال الطاقة على تعزيز بناء السلام في مختلف أنحاء الشرق الأوسط ويكون بمثابة نموذج لمبادرات مماثلة.

دور تركيا ورؤيتها الإستراتيجية
يكمن هدف تركيا في أن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة بتشجيعها التعاون بين أذربيجان وسوريا.
وتستغل أنقرة هذه المبادرة لإثبات أهميتها الإستراتيجية في تدفقات الطاقة الإقليمية والدبلوماسية، إذ لم تعد تكتفي بكونها دولة عبور.
ومن خلال تنظيم هذا الجهد، تعزز تركيا مكانتها بصفتها قوة إقليمية مؤثرة، وتعزز علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا، وتُظهر قوّتها التكنولوجية.
ويتوافق المشروع مع خطة تركيا طويلة الأجل لاستعمال شبكة متكاملة من خطوط الأنابيب ومحطات الغاز المسال لربط منتجي الغاز في الشرق والجنوب بالعملاء في أوروبا والأسواق المجاورة.
إلى جانب ذلك، تعزز شراكة تركيا مع قطر وأذربيجان مكانتها في النظام الشرق أوسطي المتغير، وترسّخ ريادتها في دبلوماسية الطاقة الإقليمية.
ومن بين الأهداف الإستراتيجية لتركيا تعزيز الاستقرار الإقليمي، ومساعدة سوريا على التعافي، وتوطيد العلاقات مع حلفاء مهمّين، وتحويل دورها في البنية التحتية إلى رصيد سياسي.
وتُظهر هذه الإستراتيجية متعددة الجوانب قدرة أنقرة على الإشراف على مشروعات معقّدة في مواقع حسّاسة، مع توظيف دبلوماسية الطاقة لتحقيق مكاسب جيوسياسية أوسع.

الخلاصة
يُعدّ قرار أذربيجان البدء بتصدير الغاز الطبيعي إلى سوريا عبر تركيا خطوة مهمة في التعاون الإقليمي بمجال الطاقة وإعادة التوازن الجيوسياسي.
وستبدأ أذربيجان بتزويد مدينة حلب السورية بما يتراوح بين 3.4 و6 ملايين متر مكعب من الغاز يوميًا في أغسطس/آب 2025 عبر خط أنابيب يمرّ عبر ولاية كيليس التركية.
ومن المتوقع أن يُنتج هذا الغاز ما يصل إلى 1200 ميغاواط من الكهرباء، ما سيزيد من إمكان حصول شمال سوريا على الكهرباء من بضع ساعات إلى ما يقرب من نصف اليوم.
ومن خلال ذلك، يُسهم المشروع في استقرار المنطقة وإعادة الإعمار بعد الحرب، بالإضافة إلى دعم البنية التحتية للطاقة التي تضررت جراء الحرب في سوريا.
وبتمكين هذه الخطوة، تُعزز تركيا مكانتها بصفتها محورًا دبلوماسيًا ومركزًا للطاقة في المنطقة.
وتُعزز علاقاتها مع سوريا وتزيد من أهميتها الإستراتيجية في تدفقات الطاقة الإقليمية، من خلال كونها طريقًا حيويًا للغاز الأذربيجاني.
وفي الوقت نفسه، تُعزز هذه الشراكة الثلاثية -التي تدعمها قطر ماليًا- تحالفًا متوسعًا لديه القدرة على تغيير التوجهات الإقليمية والتأثير بمسار تعافي سوريا.
ويمثّل هذا المشروع خطة أذربيجان الطموحة للوصول إلى جمهور أوسع، واستعمال صادرات الطاقة - بدلًا من الإكراه - لترسيخ النفوذ.
وهو بمثابة ثقل موازن للنفوذ الإيراني في سوريا، ويمثّل تلاقي الحسابات الجيوسياسية والمصالح الاقتصادية ودبلوماسية القوة الناعمة.
وبالنظر إلى هذه المبادرات عمومًا، فإنها تُمثّل بداية مرحلة جديدة في التكامل الإقليمي، حيث تؤدي دبلوماسية الطاقة دورًا حاسمًا في حل النزاعات، واكتساب النفوذ السياسي، وإنعاش الاقتصاد.
ويمكن للتحالفات المستقبلية التي تسعى إلى تغيير المشهد السياسي والطاقة في الشرق الأوسط أن تستلهم من التعاون بين أذربيجان وتركيا وقطر.
الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..