على غرار "البيض الممشش"، الذي به عيوب في القشرة أو في تكوينه الداخلي، لدينا ملايين من أصحاب القلوب "الممششَة"، غير الصالحة للحب، بسبب تلوثها بالبكتيريا السامة والكراهية المدمرة. هؤلاء يظهرون بقلة ذوقهم وبلادة حسهم وغياب عقلهم، فور موت أي مسيحي – كما حدث مؤخرًا مع الفنان لطفي لبيب، وسوف يتكرر مع غيره – ليعلنوا تحريم الترحم عليه.
هؤلاء الملايين من "الممششين" تنتابهم حالة من الذعر والرعب، لأنهم يظنون أنهم قادرون، من خلال دعاء الرحمة الإنساني، على التدخل في القرار الإلهي وتغيير مساره نحو الراحل، بين الرحمة والعدل!
يا للمصيبة!
إنهم يخشون تسلل الراحل غير المنتمي لعقيدتهم أو مذهبهم إلى جنتهم، تلك الجنة التي يحتكرونها لأنفسهم فقط، كالفريك "من غير شريك"!
ولا أدري، هل يدرك هؤلاء أن لكل دين جنته؟
وأن أتباع الديانات لا يحتاجون إلى جنة الآخرين، ولا يطمعون فيها، بل لا يحلمون بها أصلًا؟
وأن الترحم عمل إنساني، ينبع من المحبة والرحمة والذوق؟
فقد تصوّر قدماء المصريين الجنة – أو "حقول يارو" – كحقل قصب واسع يقع في الشرق، حيث تشرق الشمس، واعتبروها امتدادًا لحياتهم في العالم الآخر. آمنوا بأن الموتى يعيشون هناك حياة أبدية، ويستعيدون كل ما فقدوه في حياتهم الدنيوية، دون ألم أو حزن.
كما تؤمن الديانة الزرادشتية بالجنة (بهِشت) والنار (دوزخ) كمكانين للمكافأة والعقاب بعد الموت، وتعتقد أن الروح تمر فوق جسرٍ يُقيَّم عليه عملها؛ فالأرواح الطيبة تعبر إلى الجنة، والشريرة تسقط في الجحيم.
أما في الهندوسية، فالجنة ليست مكانًا أبديًا، بل مرحلة مؤقتة ضمن دورة التناسخ. يعتقد الهندوس أن من يقوم بأعمال صالحة يدخل الجنة كمكافأة، لكنها ليست نهاية الرحلة؛ فالروح تعود إلى التناسخ، لتواصل طريقها نحو النور والاتحاد مع الإله الأعظم "برهمن".
ولا يؤمن البهائيون بالجنة والنار بالمعنى التقليدي. فهم يرون أن الجنة هي حالة القرب من الله، وأن النار هي حالة البعد عنه. الجنة والنار لديهما حالتان روحيتان، لا مكانان ماديان.
أما في المسيحية، فهناك "الفردوس" كمكان انتظار للأبرار، ينتقلون منه إلى الملكوت السماوي، و"الجحيم" كمكان انتظار للأشرار، ينتقلون منه إلى جهنم. وجنة المسيحيين – في أغلب التفسيرات – غير مادية، بل مكان روحاني فيه ما "لم يخطر على قلب بشر".
إذن، لا أحد من أتباع الديانات – سواء السماوية أو الأرضية – طامع في جنتك. ودعاؤك له بالرحمة لن يغيّر مصيره الأبدي الذي يقرّره الله وحده، لا دعاؤك ولا صمتك.
فاطمئن، ونم قرير العين، وجرب – ولو لمرة – محبة البشر ورقي الإنسانية.
فكيف تطمع في الجنة، وقلبك لا يشعر – من شدة سواده – بألم الفراق عند أهل الراحل؟
وكيف تظن أن كراهيتك للآخر طريق إلى النعيم الأبدي؟
الجنة هي الآخرون.
أفيه قبل الوداع
* كتب حسين السيد في أغنية "مرسال الهوى"، التي أطربتنا بها نجاة، من ألحان محمد عبد الوهاب:
"يا قلبي عيش وارتاح، جنة حبيبي براح"
* شوف! حتى نجاة عندها "جنة"، وكمان "براح"!
فلا تقلق، لن يسرق أحد جنتك، وإذا لم نجد لنا مكانًا، فسنذهب إلى جنة حبيب نجاة