أخبار عاجلة
تعرف على طريقة حجز العمرة عبر منصة “نسك” -

تريندات بلا ضمير.. ومجتمع يدفع الثمن

تريندات بلا ضمير.. ومجتمع يدفع الثمن
تريندات بلا ضمير.. ومجتمع يدفع الثمن
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في زمنٍ تحولت فيه منصات التواصل الاجتماعي إلى مصانع يومية لإنتاج القيم، ومعامل خفية لإعادة صياغة الوجدان الجمعي، وغرف عمليات غير مرئية تؤثر بعمق في السلوكيات، لا سيما لدى الأجيال الأصغر سنًا، لم يعد دور الدولة في مراقبة هذا الفضاء الرقمي ترفًا سياسيًا أو استعراضًا سلطويًا، بل بات ضرورة وطنية لحماية الأمن الثقافي والاجتماعي من التآكل والانهيار.

فالمعركة على الأخلاق والقيم أصبحت تدور رحاها في قلب "التريند" و"الريتش" و"اللايك"، حيث تُستهلك القيم وتُعاد صناعتها في ثوانٍ معدودة، بلا رقابة ولا مساءلة، لنجد مشاهد الانحطاط تتصدر قوائم الأكثر تداولًا، وتُكافأ التفاهة بالشهرة، وتتحول القدوة إلى شاب أو فتاة لا يملكان من المؤهلات سوى الجرأة على انتهاك الخطوط الحمراء.

ما يحدث اليوم لا يقل خطورة عن الحروب الناعمة التي طالما حذّرت منها نظريات الأمن القومي، فنحن نواجه موجات من المحتوى الذي ينقض على قيم الاحترام والانضباط والهوية الثقافية، في ظل غياب أي ضوابط مُلزمة أو مسئوليات قانونية واضحة، وترك هذا الفضاء يتمدد بلا تنظيم ولا رادع قانوني، يعد تفريطًا فاضحًا في السيادة الأخلاقية للدولة. فلا يُعقل أن تُترك الأجيال الصاعدة فريسة للابتذال والتفكك القيمي باسم حرية التعبير، بينما هذه الحرية ذاتها مقنّنة بصرامة في الدول التي تنتج هذه المنصات وتُصدرها للعالم.

وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل الخطوات الأخيرة التي اتخذتها الدولة المصرية لمواجهة بعض صناع المحتوى المنحرفين، حيث جاءت التحركات الأمنية السريعة لتؤكد أن الدولة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا الانفلات القيمي، فالقبض على عدد من التيك توكرز ممن تورطوا في بث محتوى خادش أو مهين يعكس بداية استعادة الدولة لمسؤوليتها في ضبط إيقاع هذا الفضاء المفتوح وهي خطوة تستحق الإشادة، ليس لأنها تضع حدًا للفوضى، بل لأنها تُعيد التأكيد على أنه لا أحد فوق القانون، وأن منصات التواصل ليست مناطق معزولة عن الرقابة المجتمعية أو القانونية.

وهنا، تبرز الدولة ليس كمراقب أمني أو خصم للحريات، بل كضامن للتوازن بين حرية التعبير والحفاظ على الثوابت المجتمعية التي تُبقي على الحد الأدنى من الانسجام والهوية. فلا بد من الاعتراف أن حرية التعبير لا تعني إباحة الإسفاف، تمامًا كما أن الرقابة لا تعني تكميم الأفواه، فالدولة القوية ليست تلك التي تفرض الصمت، بل التي تمتلك شجاعة المواجهة، وتضع قواعد عادلة للّعبة.

ما نحتاجه اليوم لا يتوقف عند سنّ القوانين لضبط سلوك المؤثرين الرقميين، بل يتعدى ذلك إلى ضرورة وجود إرادة سياسية حقيقية لإنفاذ هذه القوانين، والدخول في اشتباك مؤسسي مباشر مع شركات التكنولوجيا العالمية، من أجل حماية الخصوصية الثقافية للمجتمعات وصيانة نسيجها الأخلاقي، ولا يمكن أن يستمر الوضع كما هو، حيث يحقق البعض أرباحًا طائلة من محتوى ملوّث، بينما تدفع المجتمعات ثمنًا باهظًا من استقرارها النفسي والأسري.

نحن بحاجة إلى نظام ترخيص واضح لأي نشاط رقمي تجاري، وتحديد مسئولية قانونية دقيقة للمحتوى المنشور، والتوقف عن الاكتفاء بردود الأفعال المؤقتة التي تنتهي بانتهاء الضجة، كما تقع على الدولة مسئولية إطلاق حملات توعية وتثقيف رقمي تستهدف الأطفال والمراهقين وأولياء الأمور، تُعرّفهم بالأخطار التي تحيط بالفضاء الرقمي، وتبني وعيًا قادرًا على التمييز بين المحتوى السام والمحتوى القيمي.

أخيرًا.. إذا كانت المجتمعات تُقاس بما تنتجه من قيم، فإن بوصلتها لا ينبغي أن يُحدّدها مؤثر لا يتعدى عمره العشرين، مدفوعًا بالربح السريع وتصفّق له خوارزميات لا تفهم شيئًا عن الأخلاق. فالمطلوب ليس مصادرة الفضاء الرقمي، بل تنظيمه، ولا إسكات الأصوات، بل تصويبها. فالدولة التي تملك رؤية للمستقبل، لا بد أن تملك كذلك الجرأة لضبط الحاضر.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق ترامب: سأعين رئيسا جديدا للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في أقرب وقت
التالى نقابة الصحفيين المصريين تجدد إدانتها للجرائم الوحشية للعدوان الصهيوني في غزة