فى تطور جديد يعكس تصاعد حدة المواجهة بين الدول الغربية والنظام الإيراني، أطلق تحالف غربى يضم الولايات المتحدة وثلاث عشرة دولة أخرى، من بينها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وكندا، تحذيرًا شديد اللهجة بشأن ما وصفوه بـ"التهديد الأمنى الإيرانى العابر للحدود".
والذى تجاوز حدود التجسس والتدخل السياسى ليأخذ طابعًا أكثر خطورة وترويعًا، إذ يتهم البيان طهران بالتورط فى أعمال إرهابية موجهة ضد معارضين وصحفيين ونشطاء، بل وحتى مواطنين عاديين فى أوروبا وأمريكا الشمالية.
تحذير غربى مشترك
التحذير، الذى جاء عبر بيان مشترك نُشر هذا الأسبوع، اتهم الاستخبارات الإيرانية مباشرة بتنفيذ أو تدبير مؤامرات اغتيال واختطاف ومضايقات ممنهجة ضد من تعتبرهم طهران أعداءً أو خصومًا لها فى الخارج.
ووفقًا لموقع "المونيتور"، فإن هذه الأنشطة لم تعد مجرد أعمال فردية أو حالات شاذة، بل باتت تُنفذ ضمن خطط منسقة ومتكررة، وبالتحالف مع شبكات إجرامية دولية تتولى التنفيذ مقابل المال، ما يضع هذه التحركات فى إطار "الإرهاب المعولم".
وفيما وصفه مراقبون بأنه أحد أكثر ردود الفعل الغربية شمولًا وتنسيقًا تجاه أنشطة طهران السرية، لم تتأخر إيران فى الرد، إذ سارعت وزارة خارجيتها إلى إصدار بيان رفضت فيه الاتهامات ووصفتها بـ"الادعاءات السخيفة والخالية من الأدلة"، بل وزادت على ذلك باتهام الدول الغربية بـ"الدعم الصريح للإرهاب" عبر توفير الملاذات الآمنة لمن تعتبرهم طهران "إرهابيين معادين للدولة".
لكن الواقع الأمنى على الأرض يتحدث بلغة مختلفة، فالتقارير الاستخباراتية الغربية، بما فيها ما صدر مؤخرًا عن لجنة الأمن والاستخبارات البريطانية، تشير إلى أن إيران قد تورطت فى ما لا يقل عن ١٥ محاولة لاغتيال أو اختطاف شخصيات معارضة داخل الأراضى البريطانية فقط منذ عام ٢٠٢٢.
وتم تنفيذ عدد من هذه المحاولات من خلال وسطاء إجراميين، وهى استراتيجية تعتمدها إيران على نحو متزايد، بحسب نائب وزير الداخلية البريطاني، دان جارفيس، الذى أشار فى كلمة أمام البرلمان إلى أن طهران تحاول "إخفاء بصماتها" عبر تسليم المهام التنفيذية إلى جماعات منظمة لها سوابق فى تجارة المخدرات أو السلاح.
وفى مثال بارز على هذا النمط من العمليات، كشفت أجهزة الأمن الهولندية فى بداية عام ٢٠٢٤ عن إحباطها لمحاولة اغتيال إيرانى معارض يقيم فى البلاد، كانت مخططة بعناية وممولة من أطراف ذات صلة بأجهزة الاستخبارات الإيرانية.
وفى الولايات المتحدة، وُجهت فى عام ٢٠٢٣ تهم إلى ثلاثة أعضاء فى عصابة إجرامية أوروبية لتورطهم فى مخطط لاغتيال الصحفية والناشطة الإيرانية-الأمريكية مسيح على نجاد، وهى من أبرز الأصوات المعارضة للنظام الإيراني.
مؤامرات واغتيالات
الخطير فى هذه القضية لا يتمثل فقط فى الخطر الذى يتعرض له الأفراد المستهدفون، بل فى الأثر الواسع لهذه السياسات على النظام الدولى ككل.
فقيام دولة ذات سيادة بإرسال أو تمويل جماعات إجرامية لتنفيذ اغتيالات على أراضٍ أجنبية يُعد انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية، ويقوض الأعراف التى تحكم العلاقات بين الدول، خاصة فى ظل غياب أى محاسبة حقيقية أو عواقب مباشرة على النظام الإيراني.
هنا تتقاطع هذه التحركات مع التعريف الواسع للإرهاب، إذ لم تعد هذه الأفعال مجرد أدوات للترهيب أو تصفية حسابات سياسية، بل جزء من استراتيجية منظمة تمزج بين العمل الاستخباراتى والإجرام العابر للحدود، مما يضعها ضمن إطار "الإرهاب الذى ترعاه الدولة".
والأسوأ من ذلك، أن هذا الإرهاب الجديد لا يستهدف فقط المعارضين، بل يشمل تهديدات ضد صحفيين مستقلين ومواطنين يهود وحتى مسؤولين غربيين حاليين وسابقين.
ومن زاوية أخرى، لا يمكن فصل هذا التصعيد عن السياق السياسى الإقليمى والدولى الذى تعيشه إيران. فمع تصاعد التوترات فى الشرق الأوسط، خاصة بعد الحرب الإسرائيلية على غزة، وجدت طهران نفسها فى موقع دفاعي، سياسياً واقتصادياً وحتى عسكرياً.
ووفقًا لمحللين فى "المونيتور"، فإن الضغوط الغربية المتزايدة، إلى جانب خسائرها النوعية فى الصراع غير المعلن مع إسرائيل، دفعت إيران إلى تفعيل أدواتها السرية بشكل غير مسبوق، فى محاولة للرد على ما تعتبره "تطويقًا استراتيجياً" يهدد وجودها.
إرهاب ترعاه دولة
ويبدو أن البرنامج النووى الإيرانى أيضًا قد تلقى ضربة قاسية خلال الشهور الماضية، كما أشار وزير الخارجية الإيرانى السابق عباس عراقجي.
وقد يرى النظام فى العمل السري، سواء عبر أذرعه الخارجية مثل "فيلق القدس" أو عبر التعاون مع شبكات الجريمة، وسيلة "منخفضة الكلفة" لاستعادة زمام المبادرة أو على الأقل لتصدير أزماته الداخلية للخارج.
الرد الإيرانى الذى اتهم الغرب بـ"النفاق" وبـ"الصمت أمام الإبادة الجماعية فى غزة" يعكس محاولة واضحة لتحويل الأنظار عن الاتهامات الموجهة إليه.
لكن هذا الأسلوب بات مستهلكًا بالنسبة للدول الغربية، التى ترى أن طهران تحاول تبرير أنشطتها غير القانونية بادعاءات سياسية وأخلاقية، دون أن تقدم أى أدلة على زعمها بأن معارضيها فى الخارج هم "إرهابيون" بالفعل.
التحالف الأمنى بين إيران والعصابات الدولية لا يعكس فقط خطرًا على المعارضين الإيرانيين، بل يمثل تهديدًا حقيقيًا للبنية الأمنية فى الغرب.
فدمج أجهزة الاستخبارات بقدرات المافيا والجريمة المنظمة يخلق شبكات معقدة من التهديدات يصعب رصدها وإيقافها.
وهذا يفرض تحديات أمنية جديدة، تتطلب من الدول الغربية تطوير استراتيجيات أكثر مرونة، وتعزيز التعاون الاستخباراتى وتحديث القوانين الجنائية التى تتعامل مع هذا النوع من "الإرهاب الهجين".
ويرى مراقبون أن ما تواجهه أوروبا وأمريكا الشمالية ليس مجرد خصومة سياسية مع طهران، بل تحدٍ من نوع جديد، حيث تستخدم دولة عضو فى الأمم المتحدة أدوات الإرهاب والجريمة المنظمة كوسائل ضغط وسيطرة، وإن لم يتم التصدى له بحزم، فقد نكون أمام واقع دولى أكثر فوضوية، حيث يصبح العنف العابر للحدود أداة مشروعة لتصفية الحسابات فى غياب الردع الدولي.
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق