أخبار عاجلة

"سعد" و "النحاس".. فى اﻟﺪراﻣﺎ المصرﻳﺔ

"سعد" و "النحاس".. فى اﻟﺪراﻣﺎ المصرﻳﺔ
"سعد" و "النحاس".. فى اﻟﺪراﻣﺎ المصرﻳﺔ

تمر علينا اليوم ذكرى رحيل اثنين من أعظم رموز النضال الوطنى فى مصر، الزعيم سعد زغلول وخليفته مصطفى النحاس، وهما من أبرز من حملوا لواء الوطنية تحت راية حزب الوفد، ودافعا عن استقلال مصر وحقوق شعبها بكل إخلاص وشجاعة.
سعد زغلول، زعيم الأمة، ولد فى قلب الريف المصرى، لكنه أصبح صوت الشعب وأحد أهم قادة ثورة 1919، التى فتحت الباب نحو الاستقلال. وتميز بالحكمة، والقدرة على الحوار، ونجح فى توحيد المصريين على اختلاف فئاتهم. أما مصطفى النحاس، فقد حمل راية الوفد من بعده، واستمر فى النضال السياسى، وتولى رئاسة الوزراء فى ظروف دقيقة، مدافعاً عن الدستور، والحياة النيابية، وكرامة الوطن.
هذان القائدان لم يكونا فقط سياسيين، بل أصبحا رمزين تاريخيين ألهما أجيالاً، فكان من الطبيعى أن يتناولهما الفن المصرى فى أعمال درامية وسينمائية مميزة، أسهمت فى تقريب مثل هذه الشخصيات من الجمهور، خاصة الأجيال الجديدة التى لم تعاصرها. وقدمت الأعمال الفنية هذين الزعيمين بعمق وإنسانية، وكشفت الجانب الإنسانى والنضالى لديهما فى آن واحد، فبرزا قامتين لهما وزنهما السياسى والتاريخى.
وفى ذكرى رحيلهما، لا يسعنا إلا أن نستحضر مواقفهما، ونستعيد أثرهما، ونحيى ذكراهما ليس فقط بالكلمات، ولكن بتقديمهما للأجيال القادمة من خلال الفن الذى يخلد القيم كما يخلد الأبطال.

 

صلاح عبدالله: "النحاس باشا" عاش معى وما زال حياً فى قلوب المصريين

لميس جابر جعلتنى أرى "النحاس" بعينيها وأحبه بقلبها

ردود الفعل عن المسلسل أبهرتنى.. وحصلت على جوائز عن تجسيد الشخصية 

ﻋﻼﻗﺔ "اﻟﻨﺤﺎس" وﻣﻜﺮم ﻋﺒﻴﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻷﻛﺜﺮ ﺗﺄﺛﻴﺮًا ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﺷﺔ.. وﺣﺒﻪ ﻟﺰوﺟﺘﻪ أﻋﻄﻰ ﻟﻠﺸﺨﺼﻴﺔ ﺟﺎﻧﺒًﺎ روﻣﺎﻧﺴﻴًﺎ

782.jpg

فى مثل هذا اليوم، الثالث والعشرين من أغسطس، تحل ذكرى رحيل الزعيم مصطفى باشا النحاس، أحد أبرز رموز الحركة الوطنية وزعماء الأمة فى النصف الأول من القرن العشرين. وقد ترك النحاس باشا بصمة لا تمحى فى التاريخ المصرى من خلال نضاله السياسى ومواقفه الوطنية التى ارتبطت باسم حزب الوفد، وصراعه مع الاحتلال البريطانى، ومواقفه فى مواجهة القصر الملكى.
ولعل الفن كان ولا يزال أحد أهم الوسائل التى تعيد إلى الذاكرة الشعبية صور هؤلاء القادة. وقد حظى مصطفى النحاس بتجسيد لافت على الشاشة الصغيرة فى العديد من الأعمال المهمة، لعل أبرزها مسلسل الملك فاروق الذى تم تقديمه فى عام (2007)، حيث قدم الفنان القدير صلاح عبدالله شخصية الزعيم بأسلوب أقنع الجماهير والنقاد معاً، حتى اعتبر كثيرون أن أداءه كان الأقرب والأصدق للشخصية.
وأصبح العمل بمرور الزمن وسيلة لتجسيد التاريخ وإحياء هذا الرمز الوطنى الذى قلما يتكرر، حيث منح المسلسل النحاس باشا حضوراً جديداً على الشاشة، ليبقى حياً فى وجدان الأجيال الجديدة. وبينما قدم فنانون آخرون هذه الشخصية من قبل، فإن النقاد والجمهور اتفقوا على أن أداء صلاح عبدالله كان الأكثر تأثيراً، لأنه لم يكتفِ بالتشابه فى الملامح، بل أضفى على الشخصية عمقها الإنسانى والسياسى. وفى هذا الحوار، يفتح صلاح عبدالله قلبه ليتحدث عن كواليس تجسيده لمصطفى النحاس، عن الصعوبات التى واجهها، عن ردود الأفعال التى تلقاها، وعن رؤيته لشخصيات تاريخية أخرى جسدها، مؤكداً أن الفن ليس مجرد تمثيل، بل هو مسئولية وطنية وتاريخية.
< ما سر استمرار تأثير شخصية مصطفى النحاس على الشاشة حتى اليوم؟
- الفضل الأول – بعد توفيق الله – فى نجاحى بتجسيد شخصية مصطفى النحاس فى مسلسل الملك فاروق يرجع إلى الدكتورة لميس جابر، مؤلفة العمل. فقد كتبت الشخصية بحب وصدق شديدين، وقدمتها بعمق إنسانى وسياسى جعلها قريبة من قلب الجمهور.
< حدثنا عن كواليس ترشيحك للدور وبدايات التحضير له.
- تربطنى علاقة طيبة بالدكتور يحيى الفخرانى، وفى إحدى المرات فوجئت به يتصل بى ويعاتبنى قائلاً: «لماذا لا ترد على اتصالات الدكتورة لميس جابر؟ إنها تريدك فى عمل مهم» وبالفعل تواصلت معها هاتفياً، واستمرت المحادثة أكثر من ثلاث ساعات كاملة، روت لى خلالها كل ما تعرفه عن مصطفى النحاس، ورسمت أمامى صورة إنسانية ووطنية صادقة للزعيم. وبعد تلك المكالمة شعرت بأننى أصبحت مصطفى النحاس بالفعل، حتى قبل أن أقرأ السيناريو، وعندما التقيت المخرج الكبير حاتم على تأكدت أننى مقبل على عمل استثنائى.
< كيف أثرت تلك المكالمة على أدائك؟
- سيطرت على كلمات الدكتورة لميس جابر طوال فترة التحضير، فقد كانت تحب النحاس باشا على المستوى الشخصى، ونقلت لى هذا الحب بصدق، حتى إننى عندما بدأت قراءة السيناريو شعرت بأننى أعيش الشخصية بمزاج غير عادى، وبالفعل جسدت الشخصية بـ«مزاج».
< كيف كانت ردود الأفعال عقب عرض المسلسل؟
- الحقيقة أن ردود الأفعال فاقت توقعاتى، وأقيمت ندوات عديدة بعد عرض الحلقات، وتلقيت مكالمات من زملاء وأصدقاء لم أكن أتخيل أنهم يتابعون العمل بهذا الشغف. ومن أبرز المفاجآت مكالمات الفنان عمرو دياب، الذى كان يتصل بى بعد كل حلقة تقريباً ليناقشنى فى تفاصيل الأداء ويعبر عن إعجابه الشديد بالشخصية. وكذلك تلقيت اتصالاً من الفنان الكبير عزت العلايلى الذى قال لى إننى نجحت فى نقل طريقة النحاس فى الكلام وحركاته وحبه الشديد لرفاقه فى الوفد، وكذلك طريقة إدارته لخلافاته السياسية، وهذا بحكم أن الفنان عزت العلايلى شاهد الباشا فى عهده.
< هناك من لاحظ جانباً كوميدياً فى أدائك للشخصية، فهل كان ذلك مقصوداً؟
- لم أقصد أن أقدم الكوميديا فى شخصية مصطفى النحاس، لكن الجانب الإنسانى فيه كان يحمل تلقائياً بعض المواقف الطريفة. ولم يكن هناك «إفيهات» مكتوبة، بل خرجت خفة الدم من طبيعة الشخصية نفسها، من طريقة كلامه وتعابيره وعلاقته بزوجته وأصدقائه.
< كيف تعاملت مع علاقة النحاس بالملك فاروق وبالإنجليز؟
- الدكتورة لميس جابر رسمت خطوطاً واضحة لهذه العلاقات. وكان الملك فاروق ينظر إلى النحاس باعتباره منافساً ذا شعبية طاغية، ما جعله يكن له عداءً خفياً. أما علاقته بالملكة الأم – التى جسدتها الفنانة وفاء عامر – فقد كانت محورية. وكذلك سلط المسلسل الضوء على علاقته المعقدة بالإنجليز، وسياسته الحكيمة فى التعامل معهم، فضلاً عن حادثة محاولة اغتياله، وكلها مواقف صنعت صورة وطنية حقيقية. وعندما قامت ثورة يوليو 1952، كان له موقف وطنى يحترمه الجميع.
< يرى البعض أنك قدمت النحاس بصورة مختلفة عن محاولات سابقة، فما تعليقك؟
- صحيح، جسد آخرون شخصية النحاس فى أعمال مختلفة، لكننى أعتقد أننى كنت أوفر حظاً بفضل النص الذى كتبته لميس جابر. وكثيرون قالوا إن ملامحى كانت قريبة جداً من ملامح الزعيم، حتى أن بعض أصدقائى أكدوا أنهم كانوا يرونه حياً أمامهم. وهذا التوحد بين الشكل والأداء منح الشخصية صدقاً أكبر.
< حدثنا عن الجانب الإنسانى لمصطفى النحاس، خصوصاً مع زوجته؟
- كان رجلاً متحضراً للغاية، يعامل زوجته باحترام شديد، ويغمرها بحب واضح رغم أنه لم يرزق بأبناء. وكان يعتبر كل المصريين أبناءه، ولذلك لقب بحق «زعيم الأمة». هذا الجانب الإنسانى أضفى على الشخصية عمقاً وجاذبية خاصة لدى المشاهدين.
< فى رأيك، ما سر حب المصريين لمصطفى النحاس؟
- النحاس باشا كان رمزاً وطنياً استثنائياً. وتولى رئاسة الوزراء فى فترات فارقة قبل ثورة يوليو، وكان صوته مسموعاً ومواقفه واضحة، ولم يحصل أحد على لقب «زعيم الأمة» سواه. وهذا التكريم الشعبى يعكس مدى حب المصريين له.
< لك تجارب ناجحة أخرى فى تجسيد شخصيات تاريخية؛ فحدثنا عنها؟
- من بين هذه التجارب شخصية الكاتب الكبير أبوالسعود الإبيارى، التى جسدتها بناءً على طلب وإلحاح من ابنه المنتج أحمد الإبيارى. وكذلك جسدت شخصية الشيخ إمام فى فيلم الفاجومى، بدافع إعجابى الشخصى به وبأغانيه، رغم أنه لم يكن هناك شبه شكلى بيننا. كما جسدت شخصية عم جمال عبدالناصر، التى كانت مؤثرة جداً فى حياة الرئيس الراحل. لكننى أعترف بأننى أخشى تجسيد بعض الشخصيات الشهيرة، لأن المسئولية كبيرة.
< وكيف كانت تجربتك مع شخصية النحاس مقارنة بتلك الشخصيات؟
- الميزة فى شخصية النحاس أن أغلب الأجيال الحالية لم تعاصره، ولم يكن هناك سوى صور فوتوغرافية وأفلام وثائقية محدودة، وهذا كان من حسن حظى؛ فالجمهور لم تكن لديه صورة عنه، وبالتالى ربط بين صورته التاريخية وتجسيدى لها.
< حدثنا عن علاقته بالسياسيين الآخرين مثل مكرم عبيد وفؤاد باشا سراج الدين؟
- النحاس باشا كانت تربطه علاقات قوية بكبار رجال الوفد. وفى المسلسل جسدت العلاقة المعقدة مع مكرم عبيد، الذى لعب دوره ببراعة الفنان هادى الجيار. كانت العلاقة بينهما صداقة متينة تحولت إلى خلاف حاد ترك أثراً نفسياً عميقاً فى النحاس، حتى إنه بكى عندما رآه فى إحدى المناسبات بعد القطيعة. أما علاقته بفؤاد باشا سراج الدين فكانت أيضاً علاقة صداقة واحترام متبادل، النحاس كان يقدر كل وطنى مخلص حتى لو اختلف معه سياسياً.
يختتم الفنان صلاح عبدالله حديثه بتأكيد أن تجسيد الشخصيات التاريخية ليس مجرد عمل فنى، بل هو مسئولية وطنية. فالنحاس باشا لم يكن مجرد سياسى عابر، بل كان رمزاً وطنياً وصوتاً للشعب فى مواجهة التحديات. والدراما، فى رأيه، قادرة على إعادة تقديم هذه الرموز للأجيال الجديدة، لتبقى سيرتهم حية فى وجدان الأمة.
لقد نجح صلاح عبدالله فى أن يجعل مصطفى النحاس حاضراً على الشاشة بروح صادقة، فامتزج التاريخ بالفن فى لوحة إنسانية راقية. وربما لهذا السبب يظل أداؤه للشخصية، بعد أكثر من 18 عاماً، الأكثر رسوخاً وتأثيراً فى ذاكرة المشاهدين، ودليلاً على أن الفن الحق هو الذى يحفظ الذاكرة الوطنية للأمة.

 

 سعد باشا زغلول.. ﻗﺎﺋﺪ اﻷﻣﺔ

781.jpg

تمر اليوم الذكرى الثامنة والتسعون لرحيل الزعيم الوطنى الكبير سعد باشا زغلول، الذى ولد عام 1859، ورحل عن عالمنا فى 23 أغسطس عام 1927، بعد أن ترك إرثاً وطنياً لا يقدر بثمن. ولم يكن سعد زغلول مجرد رجل سياسة، بل كان صوتاً معبراً عن ضمير الأمة، وقائداً لثورة 1919 التى هزت أركان الاحتلال البريطانى، ورسخت مبدأ أن إرادة الشعب فوق كل اعتبار.
كانت حياته سلسلة من النضال، بدأها محامياً ومفكراً ثم صار وزيراً للمعارف، قبل أن يتحول إلى زعيم لحركة وطنية شاملة. وعندما قرر الاحتلال البريطانى نفيه إلى جزيرة سيشيل، اشتعلت الثورة فى كل أنحاء مصر، فخرجت النساء قبل الرجال، والمزارعون قبل المثقفين، يطالبون بعودته. وعند عودته من المنفى، قاد حزب الوفد الوطنى، حتى فاز بأغلبية ساحقة فى انتخابات يناير 1924، ليصبح رئيساً للوزراء، وليلقب عن استحقاق بـ«زعيم الأمة».
ورغم مرور ما يقرب من قرن على رحيله، فإن شخصية سعد باشا ما زالت حاضرة فى وجدان المصريين، ليس فقط عبر الكتب والمراجع التاريخية، بل أيضاً من خلال الدراما المصرية التى حرصت على تجسيد هذه الشخصية المحورية، فى أعمال درامية متنوعة، حاولت كل منها أن تظهر جانباً من شخصية الزعيم، بين السياسة والكفاح، وبين التنوير والإنسانية.
سعد زغلول على الشاشة… حكاية لا تنتهى
منذ بدايات الدراما التاريخية المصرية، كانت شخصية سعد باشا زغلول من أولى الشخصيات التى سعت الأعمال الفنية إلى تقديمها، نظراً لقيمتها الرمزية وتأثيرها العميق فى تشكيل الوعى الوطنى. وقد جسد هذه الشخصية عدد من كبار الفنانين، كل منهم أضفى على الشخصية بعداً مختلفاً، وقربها إلى الجمهور بأسلوبه الخاص.
وأول من ارتبط اسمه بشخصية سعد باشا هو الفنان حمدى غيث، الذى يعد الأكثر تجسيداً لها فى الدراما المصرية، فقد جسدها فى ثلاثة أعمال درامية مختلفة، على مدى عقدين من الزمن، دون أن يشعر بالملل أو التكرار، بل كان يراها فى كل مرة تحدياً جديداً وفرصة لإظهار بعد آخر من شخصية الزعيم.
وفى مسلسل جمهورية زفتى، الذى عرض عام 1997، وجسد بطولته ممدوح عبدالعليم وصابرين، وكتب نصه يسرى الجندى وأخرجه إسماعيل عبدالحافظ، ظهر سعد باشا فى سياق درامى يروى قصة مدينة صغيرة أعلنت استقلالها عن الاحتلال البريطانى فترة قصيرة. وهنا ظهر الزعيم كرمز ملهم للفلاحين والطبقة الشعبية، قريباً من نبض الناس، مشاركاً فى كفاحهم اليومى، مشجعاً لهم على التمسك بحريتهم. وقدم حمدى غيث الشخصية بصوت جهورى ونبرة قيادية، جعلت الجمهور يرى فيه الزعيم الحقيقى.
ثم عاد ليجسد الشخصية فى مسلسل العملاق، الذى تناول السيرة الذاتية للمفكر الكبير عباس محمود العقاد، بطولة محمود مرسى، ومن إخراج يحيى العلمى. وفى هذا السياق، ظهر سعد زغلول كزعيم مفكر، صديق للمثقفين، ومؤثر فى تشكيل وعى جيل كامل من المفكرين والكتاب. وهنا قدم حمدى غيث أداء أكثر هدوءاً وعمقاً، يظهر الجانب الفكرى للزعيم، بعيداً عن الخطب الحماسية.
وفى طائر فى العنق، الذى شارك فى بطولته كل من بوسى وأحمد راتب ومديحة يسرى، ظهر سعد باشا مرة ثالثة وجسده حمدى غيث، ولكن بصورة أكثر إنسانية، حيث كان الدور يعكس لحظات التأمل والنقد الذاتى فى نهاية الرحلة، رجل حمل الوطن فى قلبه ودفع ثمناً باهظاً من صحته وحياته.
أداء حمدى غيث تميز دائماً بالحضور الطاغى، والصوت القوى، والحركة المدروسة، ما جعل الجمهور يربط بين صورته وصورة الزعيم التاريخى فى المخيلة الشعبية.
وفى عام 2004، ظهر سعد باشا مجدداً فى مسلسل مصر الجديدة، من تأليف يسرى الجندى وإخراج محمد فاضل، حيث جسده الفنان أحمد خليل. وقدم خليل أداءً مختلفاً، يعتمد على الاتزان والهدوء، فجاء الزعيم هنا أكثر عقلانية، رجل دولة يدير حواراته السياسية بذكاء وهدوء، ويوازن بين العاطفة الوطنية والحكمة السياسية. وظهر من خلال مشاهد العمل أنه زعيم يحاور الجميع ويستمع، ويؤمن بأن النضال لا ينفصل عن بناء الدولة الحديثة.
وفى سياق مختلف، جاء ظهور شخصية سعد زغلول فى مسلسل مشرفة رجل هذا الزمان، الذى تناول السيرة الذاتية للعالم المصرى على مصطفى مشرفة. وفى هذا العمل، جسد الفنان خليل مرسى شخصية الزعيم، وظهر فى إطار داعم للعلم والعلماء، وكان سعد باشا دائماً من المدافعين عن دور العلم فى تحرير العقول. وأبرز خليل مرسى الجانب المتنور فى شخصية الزعيم، فهو زعيم يؤمن بأن نهضة الأمة تبدأ من الجامعة والمعمل، لا من المنصة السياسية فقط.
وعلى الرغم من أن مساحة الدور لم تكن كبيرة فى مسلسل الملك فاروق، فإن الفنان عبدالرحمن أبوزهرة استطاع أن يترك بصمة قوية من خلال تجسيده شخصية سعد باشا فى لحظة صراع سياسى محتدم بين القصر والوفد والاحتلال البريطانى. وبفضل صوته القوى وأدائه البليغ، منح أبوزهرة الشخصية وقاراً وحنكة سياسية، وأضفى عليها لمحة من الدهاء والصلابة التى اشتهر بها الزعيم فى سنواته الأخيرة.
وفى مسلسل قاسم أمين، الذى عرض فى أوائل الألفية، وشارك فى بطولته كمال أبورية ونادية رشاد، ظهر الفنان جمال عبدالناصر فى دور سعد باشا، ولكن هذه المرة من زاوية مختلفة، فقد ركز العمل على موقف الزعيم من قضية المرأة، ودعمه صديقه قاسم أمين فى مشروعه لتطوير أوضاع النساء فى المجتمع المصرى. وهنا قدم جمال عبدالناصر شخصية الزعيم كصديق للتنوير، رجلاً يؤمن بحق المرأة فى التعليم والمشاركة، ويرى أن النهضة لا تكتمل دون مشاركة نصف المجتمع.
من خلال هذه الأعمال، يتضح أن سعد باشا زغلول لم يكن مجرد شخصية سياسية جامدة، بل هو الرمز متعدد الأبعاد، الزعيم الشعبى، السياسى الحكيم، الصديق للمثقفين، والداعم للتنوير، وكل ممثل جسد الشخصية بطريقته، فأضاف إليها ملمحاً جديداً، وقربها إلى وجدان الجمهور.
الدراما تحفظ الذاكرة
إن استدعاء شخصية سعد باشا فى الدراما المصرية لم يكن مجرد حنين إلى الماضى، بل هو فعل وطنى بامتياز، لأن هذه الأعمال أسهمت فى تعريف الأجيال الجديدة بسيرة رجل لم يكن فى زمنهم، لكنها رأت فيه مثالاً للزعيم الحقيقى، الذى ضحى بمنصبه وحياته من أجل أن يحيا شعبه حراً.
لقد ساعدت هذه الأعمال على إبقاء صورة الزعيم حية فى وجدان الناس، خصوصاً فى زمن تتراجع فيه الرموز الوطنية أمام ضجيج الحاضر. وما بين أداء حمدى غيث وأحمد خليل وخليل مرسى وعبدالرحمن أبوزهرة وجمال عبدالناصر، تظل صورة سعد زغلول على الشاشة متجددة ومتنوعة، كأن كل ممثل يعيد اكتشافه بطريقته الخاصة.
ختاماً
بعد ثمانية وتسعين عاماً على رحيل سعد باشا زغلول، ما زال المصريون يتذكرونه رمزاً خالداً للحرية والكرامة، وما زال الفن يعيد تقديمه ليقول للأجيال الجديدة: هذا هو الزعيم الذى لم يرضخ، ولم يساوم، ولم يهادن.
وفى كل مرة يظهر فيها سعد زغلول على الشاشة، يتجدد السؤال: من أين جاء هذا الرجل بكل هذا الحب الشعبى؟ والإجابة دائماً واحدة: لأنه كان ابناً حقيقياً لهذا الشعب، عاش لقضيته ومات وهو يدافع عنها.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق «هشغلكم بالخارج».. ضبط المتهمة بالنصب والاحتيال على المواطنين بسوهاج
التالى أدلة إرشادية للحاصلين على الشهادات المعادلة العربية والأجنبية بتنسيق الجامعات الحكومية