فوجئ أكثر من خمسين ألف مواطن بقرية “ميت العز” التابعة لمركز فاقوس بمحافظة الشرقية، بأن اسم قريتهم يتصدر مواقع التواصل الاجتماعي ويتحول إلى “ترند” على مستوى الجمهورية، بعد تداول فيديو يظهر جرار كسح يفرغ حمولته من مياه الصرف في أحد المصارف المائية.
الواقعة، التي التقطتها كاميرا هاتف محمول، تجاوزت حدود البلاغ المحلي، لتصبح قضية رأي عام، وامتد صداها إلى وسائل إعلام عربية، لتكشف عن أزمة أعمق من مجرد مخالفة بيئية: أزمة تجاهل رسمي استمر لعشرين عامًا.
وما إن انتشر الفيديو حتى انقسمت الآراء بين من رأى في الواقعة إساءة بالغة لقرية عريقة أنجبت وزراء ومحافظين ولواءات، ومن رأى فيها صرخة وجيهة لكشف واقع مزرٍ ظل طي النسيان طيلة عقدين من الزمان.
سرعان ما تحركت الأجهزة الأمنية، وألقت القبض على المتهمين، فيما خرج محافظ الشرقية، المهندس حازم الأشموني، ببيان رسمي عبر البوابة الإلكترونية للمحافظة، أكد خلاله متابعته للتحقيقات وتعهد بـ”أقصى العقوبات” بحق من أسماهم المتورطين.
لكن – بحسب كثير من الأهالي – لم يقل المحافظ شيئًا عن أصل الأزمة، ولا عن فشل الجهات التنفيذية التابعة له في إيجاد حل جذري لمشكلة الصرف الصحي التي تحاصر القرية منذ أكثر من عشرين عامًا.
تفاصيل الأزمة كما يرويها أبناء ميت العز، تعود إلى عامي 2004 – 2005، حين تم تنفيذ خطوط الصرف الصحي الداخلية في كامل أنحاء القرية، دون استكمال المشروع بربطها بأي محطة رفع – رغم وجود أكثر من أربع محطات قائمة في نطاق مركز فاقوس.
والنتيجة؟
شبكة صرف جاهزة منذ عقدين، لكنها “ميتة إكلينيكيًا”، وسكان يُجبرون يوميًا على التعايش مع طفح المجاري، وانتشار الحشرات، والأمراض، دون بديل حكومي حقيقي.
معدات متهالكة.. ومسؤولون غائبون
تقول شهادات محلية إن مجلس مدينة فاقوس، والوحدة المحلية بقرية الدميين التابعة لها ميت العز، لا يمتلكان عددًا كافيًا من جرارات الكسح لتغطية احتياجات القرية. وحتى الجرارات الموجودة، معظمها إما معطل أو خارج الخدمة بسبب تهالكها وعدم صيانتها.
ورغم خطورة الوضع البيئي والصحي، لم تُرصد تحركات فاعلة من الجهات المعنية، ولا زيارة واحدة من المحافظ لمعاينة الواقع المؤلم على الأرض، بحسب روايات سكان القرية.
مَن يُحاسب مَن؟
لا أحد ينكر أن إلقاء مياه الصرف في المصارف تصرف مرفوض قانونًا وأخلاقيًا. لكن من يتحمل المسؤولية الأكبر: المواطن الذي لم يجد بديلاً؟ أم الجهاز التنفيذي الذي تخلى عن مسؤوليته؟ أم المحافظ الذي يلوّح بالعقوبة دون أن يطرح حلاً؟
في وقتٍ اكتفى فيه المسؤولون بردود فعل غاضبة، تساءل الأهالي: لماذا لم يتحرك أحد قبل أن تتحوّل القرية إلى “ترند”؟
ولماذا تُحاصرنا التصريحات في كل أزمة، بينما الحلول تغيب كل مرة؟
دعوة للزيارة.. لا للتصريح
يطالب سكان “ميت العز” اليوم بزيارة من محافظ الشرقية، لا من باب المجاملة، بل لتفقد الواقع والاستماع لمطالبهم مباشرة، خاصة وأنهم – على حد تعبيرهم – التزموا بالقانون طيلة عقدين، واحترموا ظروف الدولة، لكن لم يحترم أحد معاناتهم.
فهل يستجيب المحافظ لهذه الدعوة؟
وهل تتحوّل الواقعة إلى بداية حل حقيقي؟
أم أنها ستكون مجرد “ترند عابر” يُضاف إلى أرشيف التجاهل الرسمي؟
الأهالي بانتظار الرد.