وسط تصاعد التحديات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، شهدت العلاقات بين أوكرانيا ومصر تطورًا ملحوظًا مع التوصل إلى اتفاق لزيادة التجارة في المنتجات الزراعية، وهو ما أُعلن بعد جولة مفاوضات مطولة بين الجانبين.
وسلطت صحيفة “أوكراجريكونسلت” المتخصصة في الحاصلات الزراعية الضوء على تأكيد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن هذا الاتفاق يهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي وتلبية احتياجات السوق المصري من الحبوب والقمح، خاصة في ظل اعتماد القاهرة المتزايد على الواردات الزراعية، حيث تم التركيز على زيادة تصدير القمح الأوكراني البالغ 1.31 مليون طن خلال النصف الأول من 2025، إلى جانب 1.06 مليون طن من الذرة و360 ألف طن من الصويا، بقيمة تجارية بلغت 947.9 مليون دولار.
ووفقًا لصحيفة "إليفاتوريست" الأوكرانية، يُعتبر هذا التحرك خطوة استراتيجية لكلا البلدين لمواجهة التحديات الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية وأثرها على سلسلة الإمدادات العالمية، حيث أجرى سفير أوكرانيا ميكولا ناهورني اجتماعًا مع قادة "مستقبل مصر للتنمية المستدامة" لمناقشة تعزيز الصادرات الزراعية، بما في ذلك الحبوب وزيت عباد الشمس، مع التأكيد على دور أوكرانيا كضامن رئيسي للأمن الغذائي العالمي.
جاء هذا الاتفاق بعد لقاء بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ومسؤولين مصريين رفيعي المستوى في القاهرة، حيث ناقش الجانبان سبل تعزيز الشراكة الاقتصادية في ظل الأزمة الغذائية العالمية، مع التركيز على تحسين كفاءة عمليات الشحن واللوجستيات لضمان وصول المنتجات بسرعة وشفافية.
تم الاتفاق أيضًا على استغلال البنية التحتية اللوجستية مثل موانئ الإسكندرية ودمياط لاستقبال الشحنات الأوكرانية، حيث يُخطط لبناء مرافق تخزين حديثة لدعم هذا التعاون.
ووفقًا لصحيفة "الجارديان" البريطانية، يهدف الاتفاق إلى تقليل الاعتماد على الواردات الروسية، التي تأثرت بشدة بسبب العقوبات الدولية، مع التركيز على دعم السوق المصرية التي تعتمد بشكل كبير على الحبوب المستوردة لبرنامج دعم الخبز.
وتشير التفاصيل الأولية للاتفاق إلى خطة طويلة الأمد تشمل إنشاء خط سكك حديدية لربط الموانئ الأوكرانية بمصر عبر البحر الأسود، بالإضافة إلى تسهيلات جمركية لتسريع حركة التجارة، حيث أكد وزير الزراعة السيد القصير أن الهدف هو ضمان توفير الغذاء لأكثر من 100 مليون مواطن مصري. كما ناقش الجانبان تبادل الخبرات التقنية في الري الحديث والزراعة المستدامة، مع التركيز على تحسين إنتاجية الأراضي المصرية.
ويُعد هذا التعاون جزءًا من استراتيجية أوسع لتأمين الإمدادات الغذائية في إفريقيا والشرق الأوسط، حيث شهدت أوكرانيا انخفاضًا في صادراتها بسبب الحرب، لكنها لا تزال تستعد لاستعادة أراضيها الزراعية تدريجيًا.
من جانبها، أكدت أوكرانيا التزامها بزيادة الإنتاج الزراعي لتلبية الطلب المصري، حيث أشار وزير الاقتصاد الأوكراني ياروسلاف زيلينسكي إلى أن البلاد تخطط لتصدير حوالي 5 ملايين طن من القمح إلى مصر بحلول نهاية 2025، رغم التحديات اللوجستية الناتجة عن الألغام والحرب.
كما ناقش الجانبان إنشاء صندوق استثماري مشترك لتمويل المشاريع الزراعية، مما قد يعزز الشراكة على المدى الطويل.
يأتي هذا الاتفاق في سياق سعي أوكرانيا لتنويع أسواق تصديرها بعد انهيار الروابط التجارية مع روسيا، مع التركيز على تعزيز البنية التحتية اللوجستية مثل موانئ البحر الأسود.
الجانب المصري ركز على تطوير القطاع الزراعي المحلي من خلال تبادل التقنيات الحديثة مع أوكرانيا، حيث عقدت ورشة عمل في 28 يوليو 2025 لمناقشة تحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة، وهو أمر حيوي في ظل نقص المياه في مصر.
هذا التعاون يهدف أيضًا إلى دعم برنامج الخبز المدعوم الذي يغذي ملايين المواطنين يوميًا.
ويُمثل هذا الاتفاق فرصة لمصر لتعزيز أمنها الغذائي، بينما يساعد أوكرانيا على استعادة دورها كمصدر رئيسي للحبوب عالميًا، رغم التحديات الأمنية التي تواجهها.
ومن المتوقع أن يشمل الاتفاق في المراحل القادمة عقد صفقات تجارية كبيرة، حيث تهدف أوكرانيا إلى زيادة إنتاجها الزراعي لتلبية الطلب المصري، مع الاستفادة من تقارير السوق اليومية مثل تقرير أسعار الحبوب والزيوت التي تصدرها شركة أوكراغروكونسولت.
كما ناقش الجانبان تعزيز الشراكات الاستثمارية لدعم المشاريع الزراعية المستدامة.
ويواجه هذا الاتفاق تحديات مثل عدم الاستقرار الأمني في أوكرانيا والتقلبات في أسعار الشحن، لكنه يُعد خطوة واعدة نحو تعاون مستدام يدعم الأمن الغذائي العالمي.
ولفتت الصحيفة الأوكرانية إلى أن الأسباب الجوهرية وراء هذا الاتفاق تعود إلى عدة عوامل مركبة تشمل الأزمة الغذائية العالمية الناتجة عن الحرب في أوكرانيا، التي أثرت على إمدادات الحبوب إلى الدول النامية مثل مصر، والحاجة المصرية الملحة لتأمين مصادر غذائية بديلة بعد تدهور العلاقات مع روسيا.
ومن بين الأسباب كذلك الرغبة الأوكرانية في تعزيز اقتصادها المدمر بسبب الحرب من خلال فتح أسواق جديدة علاوة على الدعم الدولي لمثل هذه الشراكات كجزء من جهود الأمم المتحدة لمواجهة الأمن الغذائي.