في عمق الغابات الشرقية من جمهورية الكونغو الديمقراطية، وعلى هامش صراع أهلي مضطرب منذ عقود، يتنامى تهديد جديد أكثر تطرفًا ووحشية، يحمل توقيع ما يعرف بـ"ولاية وسط إفريقيا" التابعة لتنظيم داعش.
خلف عباءة الغموض ووسط التوترات العرقية والسياسية، يرسخ التنظيم المتشدد وجوده كقوة دموية تسعى لفرض سطوتها، في مشهد يُنذر بانفجار أمني يتجاوز حدود الكونغو نحو عمق القارة.
مشهد العنف: هجمات تستهدف دور العبادة والمدنيين
في 11 يوليو الجاري، استيقظت بلدة "كومندا" في إقليم إيتوري على مجزرة مروعة.
فقد اقتحم مسلحو داعش كنيسة كاثوليكية أثناء قداس منتصف الليل، وقتلوا 43 مصليًا، معظمهم من النساء والأطفال.
لم تكن هذه الحادثة الأولى، لكنها كانت من أكثر الهجمات دموية في الأشهر الأخيرة، ما أثار حالة من الذعر العارم بين السكان، وهز المجتمع الدولي.
بعد أيام فقط، وتحديدًا في 17 يوليو، كرر التنظيم مشهده الدموي في منطقة "واليسي فونكوتو"، حيث نفذ عناصره عملية قتل جماعي استهدفت 66 مدنيًا، نُفذ معظمها باستخدام السكاكين والفؤوس، في واحدة من أبشع المجازر المسجلة هذا العام.
خريطة التنظيم: من جماعة محلية إلى ذراع داعش في إفريقيا
تعود جذور التنظيم المعروف محليًا بـ"القوات الديمقراطية المتحالفة" (ADF) إلى تسعينيات القرن الماضي، إلا أنه منذ 2019 أعلن ولاءه لداعش، وأصبح يُعرف رسميًا بـ"داعش – ولاية وسط إفريقيا".
ينشط هذا الفصيل الإرهابي بشكل رئيسي في إقليمي شمال كيفو وإيتوري، حيث تشير التقديرات إلى امتلاكه ما بين 500 و1500 مقاتل.
وعلى الرغم من الجهود العسكرية المكثفة التي تقودها القوات الكونغولية والأوغندية ضمن عملية "شجاعا"، فإن التنظيم لا يزال يحتفظ بقدرة مرعبة على التخطيط والتوسع والقتل العشوائي.
أرقام تتحدث: تصاعد غير مسبوق في الهجمات والضحايا
وفقًا لبيانات منصة مراقبة الهجمات الإرهابية GTACC، نفذ تنظيم داعش – فرع الكونغو – أكثر من 1500 هجوم منذ عام 2018، خلفت نحو 8000 قتيل. وشهد عام 2022 ذروة العنف بواقع 1622 قتيلًا، بينما واصل التنظيم ارتكاب المجازر بوتيرة مرتفعة خلال 2023 و2024، في حين تظهر المؤشرات الحالية أن عام 2025 قد يتجاوز كل التوقعات من حيث الدموية.
تمويل وتنظيم: كيف يدير داعش عملياته من قلب الأدغال؟
يُظهر التنظيم احترافية غير متوقعة في جمع الأموال والتمدد اللوجستي.
فإلى جانب الدعم المالي القادم عبر شبكات التحويل من جنوب إفريقيا وشرق القارة، يعتمد داعش في الكونغو على تهريب الذهب والكولتان من المناطق التي يسيطر عليها، مستغلًا هشاشة الدولة وغياب الرقابة.
كما تشير تقارير استخباراتية إلى وجود صلات مريبة بينه وبين بعض الفصائل المسلحة الأخرى، ما يعزز احتمال وجود تحالفات غير رسمية تُسهم في تقاسم النفوذ ومرونة الحركة.
ردود الفعل: فشل أممي وتذمر شعبي
رغم نشر قوات أممية تحت مظلة "مونوسكو"، وإطلاق عمليات عسكرية مشتركة بين الكونغو وأوغندا منذ أكثر من عامين، إلا أن كثيرين يرون أن الجهد العسكري لم يفلح في كبح جماح التنظيم، بل أدى أحيانًا إلى زيادة حدة العنف كرد انتقامي.
يقول سكان محليون إنهم يشعرون بأنهم تُركوا لمصيرهم، وسط عجز القوات النظامية عن تأمين القرى النائية، وتقصير المجتمع الدولي في دعم البنية المدنية التي تُعد الحصن الأول ضد التطرف.
التهديد الإقليمي: هل تتمدد النار إلى الجوار؟
التموضع الجغرافي لتنظيم داعش شرق الكونغو، بالقرب من حدود أوغندا ورواندا وبوروندي، يثير مخاوف جدية من تصدير العنف نحو هذه الدول، خاصة مع تزايد النشاط الدعوي المتطرف، وانتشار فيديوهات التجنيد الموجهة إلى الشباب الإفريقي.
ويحذر محللون من أن استمرار الصمت الدولي قد يمنح التنظيم فرصة ثمينة لتحويل الأدغال الكونغولية إلى قاعدة رئيسية لتنظيم داعش في إفريقيا جنوب الصحراء.