تُعد دانييلا فايس (79 عامًا) أحد أكثر الوجوه إثارة للجدل في المشهد الإسرائيلي، فهي القوة المحركة خلف توسع المستوطنات لعقود، واليوم تقود حملةً طموحةً لإعادة توطين اليهود في قطاع غزة.
بمظهرها الوقور ولهجتها الهادئة التي تشبه الجدة الحنون، تخفي فايس قسوةً أيديولوجيةً لا هوادة فيها، مما جعل البعض يُشبهها برئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير في تشبثها بالصهيونية، أو ببطلة فرنسا جان دارك في قيادتها بحماسة دينية، بل وحتى بالشريرة سيرسي لانستر من "صراع العروش" في دهائها السياسي.
عرّابة الاستيطان من الضفة إلى غزة
يصفها مؤيدوها بـ"عرّابة حركة الاستيطان" (كما ورد في موقع "جويش إنسايدر")، وهي صفةٌ اكتسبتها بعد أكثر من خمسة عقودٍ من النشاط الحثيث. منذ سبعينيات القرن الماضي، لعبت فايس دورًا محوريًا في تأسيس وتعزيز المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة من خلال حركة "غوش إيمونيم" التي شغلت منصب أمينها العام.
لكن بروزها الأحدث والأكثر إثارةً جاء عبر حركة "نحالا" (الميراث) التي أسستها عام 2010، والتي تركّز على إنشاء "بؤر استيطانية" غير قانونية حتى في نظر القانون الإسرائيلي، مستهدفةً خصوصًا الأزواج الشباب.
المفارقة الصادمة تكمن في تحوّل أنظارها مؤخرًا نحو غزة. منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، أعلنت فايس و"نحالا" هدفًا واضحًا: إعادة الاستيطان اليهودي في القطاع الذي أخلته إسرائيل عام 2005.
وفي خطوةٍ استفزازيةٍ في نوفمبر 2024، دخلت فايس شمال غزة برفقة جنود إسرائيليين، وزارت موقع مستوطنة نتساريم السابقة (بحسب تقارير إعلامية وتصريحاتها)، متحديةً القيود العسكرية على دخول المدنيين، وهو ما دفع الجيش الإسرائيلي لفتح تحقيقٍ في الحادثة.
الخريطة التي تمحو الفلسطينيين
كشفت شبكة "سي إن إن" في ديسمبر 2024 عن اجتماعٍ لفايس في مستوطنة كرني شومرون بالضفة الغربية، حيث خاطبت مؤيديها قائلةً: "سجلوا، سجلوا. ستكونون في غزة"، وعرضت خريطةً مفصلةً لتوطين ستّ مجموعات استيطانية يهودية عبر أنحاء القطاع.
الغياب الواضح في تلك الخريطة كان لمليوني فلسطيني يسكنون غزة. وعند سؤالها عن هذا من قبل "سي إن إن" أمام الخريطة في منزلها بمستوطنة كدوميم، أجابت بلا مواربة: "لا يوجد عربي... لن يبقوا هناك، نحن اليهود سنكون في غزة". ووصلت إلى حد وصف الفلسطينيين بـ"الوحوش" واتهامهم بـ"تطهير اليهود" في تصريحاتٍ تنم عن رؤية عنصرية متطرفة.
من "ليحي" إلى "نحالا"
نشأت فايس عام 1945 في بني براك (فلسطين الانتدابية) في كنف عائلةٍ منتميةٍ لمنظمة "ليحي" الصهيونية المتطرفة المسلحة. درست الأدب الإنجليزي والفلسفة، ولكن شغفها كان الأرض. بعد حرب 1967، انخرطت بقوة في الاستيطان، مُجبرةً زوجها - كما تروي لمجلة "نيويوركر" - على الانتقال مع ابنتيهما الصغيرتين للعيش في خيمةٍ بجبال السامرة (الضفة الغربية)، حيث ما زالت تقيم حتى اليوم مع أحفادها. تاريخها حافلٌ بأعمال المواجهة، مثل قيادتها مجموعةً اقتحمت قلقيلية الفلسطينية بالحجارة والرصاص عام 1987 بعد مقتل مستوطنة.
بناء الوقائع وإلغاء الفلسطيني
تعمل "نحالا" بفاعليةٍ كبيرةٍ لتحقيق حلم فايس. ينص موقعها الرسمي على هدف "تعزيز الاستيطان في يهودا والسامرة (الضفة) وتحقيق أهداف تربوية صهيونية". تنظم الحركة مجموعاتٍ من ١٥-٢٥ عائلة شابة تستعد للاستيطان، وتجمع تبرعاتٍ محليًا ودوليًا (خاصةً من فلوريدا عبر منظمة "أميركيون من أجل إسرائيل آمنة"، كما كشف تقرير "سي إن إن")، وتضغط لتنفيذ خطة شامير الرامية لتوطين مليوني يهودي في الضفة. شعارها في فعالية ديسمبر ٢٠٢٤ عند حدود غزة كان واضحًا: "غزة لنا"، بجوار كرفاناتٍ معدّة للاستيطان زفق "هآرتس"
رؤية متطرفة من النيل إلى الفرات
تؤمن فايس بوعدٍ دينيٍّ بحق اليهود في أرضٍ تمتد من النيل إلى الفرات، وتعتبر الديانات الأخرى "قلّدت" اليهودية. رغم نفيها الرغبة في "طرد" الفلسطينيين علنًا، فهي تصرّح بأنهم "يمكن أن يبقوا إذا قبلوا بالسيادة اليهودية الوحيدة"، بينما تقترح في مقابلاتٍ نقل سكان غزة إلى "سيناء أو مصر أو تركيا". تصوراتها تتناقض جذريًا مع أي حلّ يقوم على دولتين.
التحالفات والعقوبات
تتمتع فايس بنفوذٍ كبيرٍ رغم عدم شغلها منصبًا رسميًا. فهي جارةٌ وحليفةٌ لوزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش (الذي ينكر وجود الشعب الفلسطيني) ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير في مستوطنة كدوميم. شاركت معهما في مؤتمر "نصر إسرائيل" بالقدس يناير ٢٠٢٥ داعيةً لاستيطان غزة. المفارقة المُرّة كانت ترشيحها لجائزة نوبل للسلام مارس ٢٠٢٥ من أكاديميين إسرائيليين بحجة أن المستوطنات "تحقق أمنًا مستقرًا"، بينما فرضت الحكومة البريطانية في مايو ٢٠٢٥ عقوباتٍ صارمةً عليها وعلى حركة "نحالا"، ووصفتها رسميًا بأنها "زعيمة المستوطنين المتطرفة" ضالعةٌ في "التهجير القسري للفلسطينيين" و"التسبب في معاناتهم النفسية" و"التحريض على العنف ضدهم"، مجمّدةً أصولها ومنعةً من دخول المملكة المتحدة.