
مع بداية النصف الثاني من عام 2025، تترقب الأوساط الاقتصادية في مصر تطورات المشهد التضخمي، خاصة بعد التعديلات التي أقرت مؤخرا على قانون الضريبة على القيمة المضافة، فهل تدفع هذه التعديلات معدلات التضخم إلى الارتفاع مجددا خلال شهر يوليو، بعد التراجع النسبي الذي سجلته المؤشرات في يونيو؟.. وهل تعيد الضرائب المفروضة على السجائر والبترول والعقارات رسم ملامح السياسة النقدية في مصر خلال الفترة المقبلة؟.

نقدم لكم في هذا التقرير من بانكير، عرض تحليلي لما سيحدث للتضخم في الفترة المقبلة، ومدى تأثير تطبيق تعديلات ضريبة القيمة المضافة على معدلات التضخم في مصر لاسيما بعد زيادة أسعار السجائر والمواد البترولية.
تعديلات ضريبة القيمة المضافة
أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي، يوم الخميس، التعديل الجديد على قانون الضريبة على القيمة المضافة، ليحمل رقم 157 لسنة 2025، وسط تأكيدات رسمية بأن هذه التعديلات جاءت استجابة لمتطلبات إصلاح هيكلي أوسع في السياسة المالية، بما يسهم في توسيع القاعدة الضريبية وتعزيز الإيرادات العامة للدولة.
تعديلات ضريبة القيمة المضافة تضمنت عددا من الإجراءات ذات التأثير المباشر على أسعار بعض السلع، أبرزها:
- فرض ضريبة جديدة بنسبة 10% على البترول الخام.
- رفع أسعار شرائح السجائر بنسبة 12.5% سنويا، اعتبارا من نوفمبر 2025 ولمدة 3 سنوات.
- زيادة الضريبة على المشروبات الكحولية.
وأوضحت مصلحة الضرائب أن التعديلات تهدف إلى تصحيح التشوهات في المنظومة الضريبية، وتوفير موارد إضافية لتمويل الإنفاق على مجالات تنموية مثل التعليم والصحة، دون الإضرار بالعدالة الاجتماعية، مع مراعاة مطالب بعض ممثلي القطاعات الإنتاجية لتوسيع نطاق الخضوع الضريبي.

توقعات "جي بي مورجان": تضخم فوق 16% في يوليو
بالتزامن مع هذه التعديلات، أشار بنك الاستثمار العالمي "جي بي مورجان" إلى أن معدل التضخم في مصر مرشح لتسجيل قفزة خلال شهر يوليو الجاري، متجاوزا حاجز 16% على أساس سنوي، مقارنة بمعدل 14.9% المسجل في يونيو، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وفسر البنك هذه الزيادة المرتقبة بتأثير الإجراءات الضريبية الجديدة، التي طالت سلعا رئيسية مثل السجائر والبترول والعقارات، مما سيؤثر على سلاسل التوريد والأسعار النهائية للمنتجات والخدمات في السوق المحلية.
وأضاف "جي بي مورجان" أن هذه المتغيرات دفعت البنك إلى تعديل توقعاته بشأن مسار الفائدة في مصر، مع ترجيح بدء التيسير النقدي اعتبارا من أكتوبر 2025، عبر خفض تدريجي للفائدة بواقع 100 نقطة أساس في اجتماعات أكتوبر، نوفمبر وديسمبر.
أشار التقرير الصادر عن "جي بي مورجان" إلى أن سعر الفائدة الحقيقي في مصر لا يزال إيجابيا، حيث يبلغ نحو 9.1%، ما يعني أن الفائدة الاسمية تفوق معدل التضخم بهذا الهامش، الأمر الذي يمنح البنك المركزي مساحة للتدخل لاحقا، حال تطلب الأمر احتواء أي ضغوط تضخمية إضافية.
ورغم تباطؤ التضخم في يونيو، إلا أن المؤشرات المتوقعة تؤكد أن الفترة المقبلة قد تشهد ارتدادا تصاعديا في أسعار المستهلكين، مدفوعة بفرض ضرائب جديدة ستنعكس تدريجيا على السوق، خاصة في قطاع الوقود ومنتجات التبغ والعقارات.

متوسط التضخم في 2025/2026.. بين التراجع المؤقت والضغوط المستمرة
وتوقع "جي بي مورجان" أن يبلغ متوسط التضخم في مصر نحو 14% خلال السنة المالية الحالية 2025/2026، مقابل 20.4% في السنة المالية المنتهية في يونيو الماضي، وهو ما يشير إلى وجود منحنى نزولي عام في التضخم، رغم التذبذبات الشهرية المتوقعة نتيجة عوامل موسمية وتشريعية.
هذا التقدير يستند إلى احتمالات استقرار أسعار السلع العالمية، وهدوء نسبي في تكاليف الشحن والطاقة، إلى جانب تحركات البنك المركزي التي قد تساعد على امتصاص الصدمات المرتبطة بتطبيق قانون القيمة المضافة المعدل.
توقعات دويتشه بنك: خفض الفائدة مرهون باستقرار التضخم
في سياق متصل، توقع "دويتشه بنك" الألماني أن يقدم البنك المركزي المصري على خفض الفائدة بنسبة 4% خلال ما تبقى من العام الحالي، على أن يكون أول خفض بواقع 2% في أغسطس المقبل، شريطة أن يستقر التضخم وعدم تصاعده نتيجة التدابير المالية الأخيرة.
ورجح البنك أن تتراوح معدلات التضخم ما بين 15% و16% مع نهاية عام 2025، ثم تهبط إلى ما بين 8% و9% بنهاية عام 2026، مع استقرار الأداء الاقتصادي وتحسن مؤشرات الإيرادات والسيطرة على عجز الموازنة.

توقعات محلية: ضغوط تضخمية مؤقتة بسبب رفع الضرائب
وأكد عدد من الخبراء المحليين أن السياسة المالية التي اعتمدتها الحكومة، ممثلة في رفع الضرائب على سلع مختارة، قد تؤدي بالفعل إلى ضغوط تضخمية مؤقتة، إلا أنها لا تمثل بالضرورة صداما مع المسار الزمني للسياسة النقدية.
وأوضحوا أن البنك المركزي يتحرك في الوقت الراهن وفق استراتيجية استباقية تهدف إلى محاصرة التضخم قبل أن يتسع نطاقه، بينما تتبنى الحكومة نهجا يستهدف تعظيم الموارد، ما يعني أن هناك توازنا نسبيا بين الجانبين، حتى وإن لم يحدث توافق زمني كامل في القرارات.
وأشار الخبراء إلى أن مثل هذا التفاوت بين السياسات النقدية والمالية يعد أمرا طبيعيا، ويحدث حتى في الاقتصادات الكبرى، مثل الولايات المتحدة، حيث يرفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي في أحيان كثيرة تعديل الفائدة استجابة للسياسات الجمركية أو الضريبية التي تفرضها السلطة التنفيذية.

تضخم متوقع.. لكن السيناريو ليس مخيف
رغم التعديلات الضريبية واسعة النطاق التي تم تطبيقها مؤخرا، فإن التوقعات تشير إلى ارتفاع محدود في التضخم خلال يوليو، لكنه لا يمثل بالضرورة موجة تضخمية طويلة الأجل، والبنك المركزي المصري ما زال يمتلك أدوات فعالة للتعامل مع الوضع، سواء من خلال أسعار الفائدة أو أدوات السيولة.
ويبقى السؤال مفتوحا: هل ينجح التناغم بين السياسة النقدية والمالية في احتواء آثار هذه التعديلات؟ الإجابة تتوقف على مدى استقرار المؤشرات في الأشهر المقبلة، وقدرة الدولة على تنفيذ الإصلاحات دون تحميل المواطن أعباء إضافية تفوق قدرته على التحمل.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.