

اقرأ في هذا المقال
- أنواع الوقود المستدام ضرورية لتحقيق الحياد الكربوني، إلى جانب الكهربة
- من الضروري تطوير سياسات واضحة لدمج البنية التحتية للكهرباء والوقود المستدام
- على الشركات وصنّاع القرار تبنّي رؤية متكاملة لتسريع تحول الطاقة
- الاستدامة والموثوقية والتكلفة واستغلال المساحات من أبرز فوائد الدمج
يعود الوقود المستدام إلى دائرة الضوء في معركة الحياد الكربوني العالمية بحلول 2050، ليؤكد أنّ تحوُّل الطاقة لا يمكن أن يُختزل في الكهرباء وحدها.
في هذا السياق، سلّط تقرير حديث -اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن)- الضوء على أن الجزيئات المستدامة أو أنواع الوقود المستدام مثل الغاز الحيوي أو الاصطناعي والهيدروجين واحتجاز الكربون وتخزينه، لا غنى عنها لمسار تحول الطاقة العالمي.
ووصف التقرير أنواع الوقود المستدام السابقة بأنها الرئة الثانية لمسارات الحياد الكربوني العالمية، إذ تحمل في طيّاتها طاقة مركّزة لا يمكن الاستغناء عنها في الصناعات الثقيلة والنقل البحري والجوي.
ورغم أن الكهربة (الإلكترونات) عنصر محوري في خطط خفض الانبعاثات وتحسين كفاءة استهلاك الطاقة عالميًا، فإن اعتماد الاقتصادات المتقدمة على الكهرباء لا يتجاوز 20% من إجمالي استهلاك الطاقة.
وحتى مع خطط التوسع المتوقعة لرفع هذه النسبة إلى 40 أو 60% لتحقيق الحياد الكربوني، فإن القيود البنيوية، مثل الضغط على الشبكات الكهربائية وفائض الطاقة المتجددة في أوقات الذروة، تُظهِر أن الاعتماد على الكهرباء وحدها ليس طريقًا ممهدًا للحياد الكربوني.
ويشدد التقرير على أن أنواع الوقود المستدام باتت ركيزة أساسية لبناء نظام طاقة مرن وآمن ومنخفض الانبعاثات، ويمكن دمجها مع حلول الكهربة في عدد من القطاعات المستهلكة للطاقة.
والإلكترونات هي الطاقة التي تُنقَل على شكل كهرباء، أمّا الجزيئات المستدامة فهي مركّبات تنتج من مصادر متجددة قابلة للتخزين والنقل.
أهمية الوقود المستدام
يُثبت الوقود المستدام -مثل الهيدروجين منخفض الكربون والغاز الحيوي أو الاصطناعي- أنه ضروري في القطاعات الصناعية كثيفة الاستهلاك للطاقة، مثل إنتاج الصلب والأسمنت والزجاج، بالإضافة إلى وسائل النقل التي تتطلب وقودًا عالي الكثافة، ومنها الطائرات والسفن والشاحنات الثقيلة.
وأظهر التقرير الصادر عن بنك الاستثمار الهولندي "آي إن جي" أن التجارب تُظهِر أن اعتماد الجزيئات المستدامة، مثل احتجاز الكربون وتخزينه والغاز الحيوي والهيدروجين الأزرق، يسهم في خفض تكلفة تحول الطاقة مقارنة بالسيناريوهات التي تعتمد حصرًا على الكهرباء.
واستعرض التقرير متطلبات أساسية لضمان هذا التكامل، أبرزها:
- تتطلب مسارات الكهربة استثمارات كبيرة في شبكات الكهرباء، على سبيل المثال، استثمر مشغّلو الشبكات في هولندا أكثر من 6 مليارات يورو (7 مليارات دولار) في 2023، ذهبَ 90% منها إلى الشبكة، في حين يُتوقَّع أن تقفز هذه الاستثمارات لتقترب من 200 مليار يورو (235 مليار دولار) بحلول عام 2040.
- بناء بنية تحتية متوازية للجزيئات المستدامة، حجم الاستثمارات -حاليًا- لا يتجاوز 10% من إجمالي الاستثمارات، وتفرض التحديات التوسع مع الكهربة وتجاوز التركيز على قطاع واحد.
- الاستثمار في التخزين والربط البيني والقدرة الاحتياطية، وقد زادت أهمية ذلك بصورة كبيرة بعد أزمة انقطاع التيار الكهربائي الأخير في إسبانيا والبرتغال.

توصيات لتعزيز تكامل الوقود المستدام والكهربة
من جهة أخرى، قدّم التقرير توصيات جوهرية وخطوات عملية كفيلة بتسريع تكامل الكهرباء مع أنواع الوقود المستدام التي يعبّر عنها التقرير بمصطلح الجزئيات "Molecular".
فقد أوصى التقرير بدعم الأنظمة الهجينة بدلًا من الاعتماد الكامل على الكهرباء، مثل المضخات الحرارية التي تعتمد على الكهرباء معظم العام، وتتحول للغاز الحيوي في أوقات الذروة، وشبكات التدفئة المركزية.
ورغم أن الاندفاع باستعمال الهيدروجين الأخضر في الصناعات الثقيلة، مثل الصلب والبلاستيك، قد يبدو مثاليًا، فإنه يصطدم بالتكلفة، في وقت يمكن فيه تحقيق "مكاسب سريعة" عبر دمج الهيدروجين الأزرق والأخضر.
كما أوصى التقرير بضرورة إعادة تصوُّر سلاسل الإنتاج للصناعات الثقيلة ووقود السفن والطيران، لا سيما أن الغموض في حجم تحوُّل القطاعات وسرعته يعوق التقدم.
فبدلًا من تنفيذ العمليات الأكثر استهلاكًا للطاقة داخل أوروبا، يمكن نقلها إلى مناطق تتوافر فيها الطاقة النظيفة بتكلفة أقل، مثل الدول الإسكندنافية أو غيرها، مع الحفاظ على مراحل التصنيع النهائية محليًا.
وأشار التقرير إلى أن غياب الرؤى الإستراتيجية المتكاملة لمصادر الطاقة المستقبلية يعمّق الضبابية، ويزيد من تردُّد المستثمرين وصنّاع القرار في تبنّي أيٍّ من الاتجاهات المطروحة عالميًا، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
في الوقت نفسه، حذَّر التقرير من الرهان على قدرة المستهلكين -سواء الشركات أو الأفراد- على تعديل أنماط استهلاكهم، بل يجب أن يتحول التركيز نحو جانب العرض، مثل إنتاج الوقود المستدام في الأوقات التي تتوفر فيها الكهرباء المتجددة وبأسعار منخفضة.

تعزيز دور القطاع العام لكسر الحواجز السوقية
كشف التقرير -أيضًا- أن سوق الوقود المستدام تعاني من غياب البنية التحتية نتيجة انخفاض الطلب، والعكس؛ لذا يمكن للقطاع العام أن يؤدي دورًا في تجاوز العقبات التي تعرقل نمو السوق، من خلال:
- وضع سياسات، مثل فرض نِسب دمج إلزامية للوقود المستدام.
- تأدية الحكومة دور المنسّق السوقي أو المشتري عبر تجميع الطلب من عدّة جهات، أو تقديم ضمانات شراء.
وأوضح التقرير أن الدور الحكومي يوفر شبكة أمان مرحلية تمتد من 15 إلى 20 عامًا، بما يكفي لتقليص المخاطر وتحفيز الاستثمار، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
بالإضافة إلى ذلك، حدّد التقرير مجموعة من الفوائد المتوقعة لدمج الكهربة مع الوقود المستدام، أبرزها:
- الاستدامة: يتيح التكامل الذكي بين الأنظمة الاستفادة المثلى من الإمكانات الهائلة للطاقة المتجددة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، من خلال تجميع مزارع الرياح ومحطات التحليل الكهربائي والبنية التحتية في مواقع مشتركة، ويسهم ذلك في الحدّ من هدر الطاقة الناتج عن أوقات فائض الإنتاج.
- الموثوقية: يوفر الوقود المستدام سعة احتياطية في أوقات غياب الشمس والرياح، إلى جانب تلبيتها ذروة الطلب في قطاعات يصعب كهربتها بالكامل.
- التكلفة: يقدّر أن يوفّر إنتاج الهيدروجين في عرض البحر ما بين 5 و11 مليار يورو (6-13 مليار دولار) سنويًا حتى 2050، مقارنة بنقل الكهرباء من البحر إلى الساحل، كما أن الربط الدولي لمزارع الرياح البحرية يمكن أن يضيف وفورات سنوية إضافية تتراوح بين 1 و4 مليارات يورو (1.18-4.7 مليار دولار)، نتيجة انخفاض تكلفة النقل، ومرونة التشغيل، وغيرها.
- استغلال المساحات: الاعتماد الكامل على الكهرباء يتطلب مساحات هائلة، لكن عند دمجها مع الجزيئات المستدامة يمكن الحدّ من الضغط على الأراضي.
الخلاصة:
يشكّل الوقود المستدام ركيزة لا غنى عنها لتحقيق الحياد الكربوني إلى جانب الكهربة، خاصة في القطاعات التي تصعُب كهربتها كالصناعة الثقيلة والنقل البحري والجوي، وبات التكامل بينهما ضرورة لبناء نظام طاقة مرن وموثوق للمستقبل.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصدر:
دور الوقود المستدام في تحقيق الحياد الكربوني من بنك الاستثمار الهولندي "آي إن جي"