
يضرب التوسع في نشر الطاقة النووية واستعمالها أكثر من عصفور بحجرٍ واحد، إذ تسهم في تأمين إمدادات الكهرباء وفق المتطلبات البيئية المستقبلية، وتتغلب على تداعيات الأحداث الجيوسياسية والحروب.

وتباينت إستراتيجيات الدول في أعقاب كارثة محطة فوكوشيما عام 2011، حينما أدت تبعات زلزال ضرب اليابان إلى تسرُّب مواد مشعة من المحطة أضرّت بمئات الآلاف.
وعقب 14 عامًا من الحادث الياباني، يعود للواجهة مرة أخرى الحديث حول دور المفاعلات في تعزيز أمن الطاقة، خاصة أن إنتاجها لا يشهد انقطاعًا مثل مصادر الطاقة المتجددة، أو معدل الانبعاثات الذي يطلقه النفط والغاز والفحم.
ورغم الانطباع المتفائل حول عَدِّها "مُنقذًا آمنًا"، فإن التوسع في المشروعات النووية ما يزال يواجه تحديات كبيرة، قد تعطّل عودة بعض الدول إليها، وفق تفاصيل تابعتها منصة الطاقة المتخصصة (الصادرة من واشنطن).
الطاقة النووية بعد كارثة اليابان
باتت طموحات الطاقة النووية محلّ شكّ، بعد الآثار المدمرة التي خلّفتها كارثة "فوكوشيما"، وسط تردُّد صنّاع السياسات والمخاوف الشعبية من تكرار الحادثة اليابانية.
وتباينت ردود الأفعال منذ ذلك الحين، وتأرجحت بين إعادة النظر في اعتبارات الأمن والسلامة والإغلاق التدريجي الكامل.
ورغم أن الكارثة طالت دولة آسيوية، فإن دولًا أوروبية عدّة اتخذت موقفًا عنيفًا تجاه محطاتها (فوريًا، وتدريجيًا)، من بينها ألمانيا وسويسرا.

ويبدو أن مستجدات طرأت على الساحة في أعقاب اندلاع الحرب الأوكرانية، وتوترات الشرق الأوسط، عززت عودة الكهرباء النووية بوصفها أولوية تضمن أمن الطاقة وتراعي الأهداف المناخية في الوقت ذاته.
كما تلقَّى هذا الاتجاه دعمًا من أهداف تقليص الاعتماد على موارد الطاقة الروسية خاصة الغاز، حسب تحليل نشره موقع "سويس إنفو" التابع لهيئة الإذاعة والتلفاز السويسرية.
العودة للمفاعلات
تحمل حكومات آسيوية وأوروبية الكثير في جعبتها لإعادة إحياء برامجها وخططها النووية، في ظل عوامل عدّة، من بينها:
- رغبة الاتحاد الأوروبي في توفير بدائل، بعد حظر استيراد الغاز من روسيا بدءًا من نهاية 2027.
- زيادة الاستهلاك، والحاجة المُلحّة لتوفير إمدادات موثوقة ودائمة (على عكس طبيعة الطاقة المتجددة)، خاصة من قطاعي السيارات الكهربائية ومراكز البيانات.
- ضغوط نشطاء البيئة والمناخ للتخلص من النفط والغاز، والعمل على تأمين مصادر كهرباء تخفض مستويات ثاني أكسيد الكربون.
ويمكن للطاقة النووية أن تعدّ "الحل الأمثل" للعوامل السابق ذكرها، فهي تمتاز بـ: تأمين كهرباء منخفضة الكربون، لا تتأثر بالتقلبات الجوية، ولا تتطلب توافر مساحات شاسعة للمشروعات.
وتحتلّ الكهرباء النووية حصصًا ضمن مزيج 32 دولة حتى الآن (سدس دول العالم)، بعدد مفاعلات قد يصل إلى 439 وحدة.
وتقتنص الصين وأميركا وفرنسا "نصف" هذه المفاعلات، إذ تنتج الدول الـ3 ما يعادل 9% من إجمالي الإنتاج النووي العالمي.
خطط جديدة
تتبنّى 24 دولة خططًا لتطوير المفاعلات النووية رغم مخاوف حادثة اليابان، ومن بين هذه الخطط:
1) استعداد الصين لتشغيل 76 محطة جديدة، خلال الـ15 عامًا المقبلة.
2) إعادة نظر دول أوروبية (مثل بلجيكا وإيطاليا) في خطط إغلاق محطاتها النووية.
3) اتجاه الحكومة الألمانية الجديدة لمراجعة قرار غلق المفاعلات.
4) دراسة الدنمارك رفع الحظر الممتد لـ40 عامًا على المفاعلات.
5) التزام 30 دولة (تضم: أميركا، وبريطانيا، وفرنسا) بزيادة إنتاج الكهرباء النووية 3 أضعاف، بحلول 2050.
6) تبني (مصر، وتركيا، وبنغلاديش) أولى محطاتها.

7) المفاعلات النووية على رأس خطط بعض الدول النامية في أفريقيا (مثل: نيجيريا، ورواندا) وآسيا، لتنويع مصادر الطاقة.
8) تستعد تايوان لحسم أمر إعادة تشغيل مفاعل "مانشان" المغلق منذ مايو/أيّار الماضي، وتطرح الأمر في استفتاء شعبي بحلول شهر أغسطس/آب المقبل.
9) حظيت إستراتيجية سويسرا لإغلاق المحطات النووية تدريجيًا وحظر موافقات المشروعات الجديدة، بدعم شعبي عام 2017، بعدما كانت البلاد تشغل 4 مفاعلات في السابق.
ويلقى الحديث عن إعادة الاعتماد على هذه المفاعلات صدى حاليًا، وتدرس الحكومة السويسرية تعديل قانون الطاقة النووية لتعزيز مصادر الكهرباء صديقة البيئة.
10) من بين كل الخطط السابق ذكرها، تعدّ خطة اليابان الأكثر جذبًا على الإطلاق، إذ تسعى طوكيو لتوسعة نطاق استعمال المفاعلات النووية بعد كارثة "فوكوشيما".
تحديات التوسع النووي
تواجه خطط العودة للاعتماد على المحطات النووية مرة أخرى تحديات هائلة، حددها تقرير الشبكة السويسرية في 4 نقاط:
- التكلفة
تحتاج المفاعلات النووية الحديثة إلى ضخ استثمارات كبيرة قد تعجز عنها بعض الحكومات، خاصة في ظل الاتجاه لتعزيزها بتقنيات مخفضة للانبعاثات لمواكبة أهداف الحياد الكربوني.
- السقف الزمني:
يتطلب بناء محطات الطاقة النووية سنوات عدّة، ما يعرقل تطلّعات ضخّها في مزيج الكهرباء مباشرةً.
وتُشير الترجيحات إلى أن بناء المحطة الواحدة قد يستغرق 8 سنوات، وشيّدت شركة كهرباء فرنسا مفاعل "تايشان" الصيني في غضون 9 سنوات، في حين ظلت فنلندا تبنّي محطة "أولكيلوتو" لمدة 16 عامًا.
ويرصد الرسم أدناه -من إعداد منصة الطاقة- أكثر 10 دول مطورة للمشروعات النووية في العالم:
- اعتبارات السلامة:
يعدّ هذا العنصر أحد أبرز تحديات بناء محطات جديدة، لكن نشر مفاعلات الجيل الثالث يثير الطمأنينة حول اعتبارات السلامة، مقارنة بنظيرتها من الجيل الثاني.
وتعتمد غالبية المحطات الجديدة على مفاعلات الجيل الثالث، التي تعتمد على التبريد المباشر والذاتي، لتجنُّب سبب حادثة فوكوشيما اليابانية بعد تعطُّل أنظمة التبريد.
كما أنّ تطور التقنيات النووية وصل إلى مفاعلات من الجيل الرابع القابلة للتشغيل بأنواع وقود بديلة.
- القبول الشعبي:
يواجه نشر المشروعات النووية معارضة شعبية قوية في غالبية البلدان، نظرًا للمخاوف من تكرار الحادث الياباني، ومن قبله كارثة مفاعل تشرنوبل.
ويتطلب ذلك تهيئة المجتمعات لضرورة ربط هذه المحطات بالشبكة، لتأمين الإمدادات وخفض الانبعاثات.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر..